هذا بيان كان قد كتبه شهيد المحراب اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره الشريف قبل استشهاده وكان هذا البيان الاخير وفيما يلي نص البيان
ايها الزائرون الأماجد..
ايها المؤمنون الكرام.. يا ابناء شعبنا العراقي الأبي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
اتقدم إليكم بأحر التعازي وأبلغ المواساة، بمناسبة شهادة سيدنا ومولانا عاشر ائمة اهل البيت (ع) الامام ابي الحسن علي بن محمد الهادي العسكري (ع) هذا الامام الهمام الذي كان له دور عظيم في المحافظة على الاسلام والقيم والاسلامية ومواجهة الطغاة والمستبدين، وبناء الجماعة الصالحة وإرساء قواعدها وتنظيم عملها، كما كان له في الوقت نفسه دور في التمهيد والتخطيط لغيبة الامام المهدي (عج) حيث انتقل مركز الامامة في عصره الى مدينة سامراء وتشرفت بعد ذلك دون بقية الامصار والبلاد بولادة خاتم الاوصياء سيدنا ومولانا امام العصر والزمان (سلام الله عليه وعلى آبائه) وتحولت بذلك من مجرد معسكر للظلم والاستبداد والطغيان الى مكان مقدس تهوي اليه افئدة الناس من كل حدب وصوب.
أيها الأخوة الأعزاء..
اننا عندما نحيي ذكرى شهادة سيدنا الامام الهادي (ع) ونقيم الشعائر الدينية بهذه المناسبة، نريد بذلك ان نؤكد ولاءنا للنبي (ص)، واهل بيته الكرام (ع) والتعبير عن تمسكنا بمنهجهم وطريقهم ونجدد العهد مع الرسول الأعظم (ص) وأهل بيته الاطهار (ع) اننا على دربهم سائرون وبعروتهم الوثقى متمسكون واوفياء لعهدهم ومبادئهم وقيمهم.
إننا نعيش في هذا العام عهدا جديدا وتحولا كبيرا في الحرية والتعبير عن العقيدة والرأي والمواقف وإقامة الشعائر والمواساة لأهل البيت (ع) في احزانهم وافراحهم، مما يجعلنا نشكر هذه النعمة العظيمة التي تفضل الله تعالى بها علينا ببركة هاد العلماء وتضحية المجاهدين والدماء الزكية لشهدائنا الأبرار والآلام والمحن في المقاومة والصبر والاستقامة لأبناء امتنا في العراق.
لقد حاولت قوى الظلم والاستبداد والطغيان في النظام السابق، تدعمها قوى الشر والاستنكار العالمي ان تنال من ارادة الشعب العراقي في الجهاد والمقاومة ومن عزته وكرامته في الاباء والشهادة ومن التزام بالمبادئ والقيم الاسلامية، ولكن شاء الله تعالى ان تكون هذه الارادة قوية وهذا العز عاليا، وهذا الالتزام شديدا، ويأبى الله ورسوله وأنوف حمية وحجور طاهرة ان يؤثر الشعب العراقي طاعة اللئام على مصارع الكرام.
لقد كانت سامراء من خلال نور الهداية اللامع والبرهان الساطع المتمثل بالمهدي المنتظر (عليه افضل الصلاة والسلام) والأمل المشرق الوضاء الدائم المستمر بتحقيق الوعد الإلهي بالاستخلاف للصالحين والغلبة للمرسلين مشعلا لهداية السائرين في هذا الطريق، حيث كانوا يهتفون دائما بأسمه واسم ابيه الامام الحسين (ع) وجده الرسول الاعظم (ع) في تحقيق هذه الاهداف المقدسة في الاصلاح في الأرض والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكانت سامراء ايضا بلدا يعبر عن تعايش المسلمين بمذاهبهم المتعددة تحت راية الاسلام والحق واهل البيت (ع) وحبهم، وهذا ما عرفته سامراء في الكثير من عهودها ومراحل حياتهم ومنها عهدها بالامام المجدد السيد الشيرازي الكبير، والامام المصلح السيد محسن الحكيم.
ويجدر بنا ونحن نعيش هذه الظروف القاسية التي يمر بها عراقنا الجريح ان نرفع اصواتنا بنداء الوحدة الاسلامية من سامراء وفي جوار مراقد ائمتنا الاطهار ـ كما صنعوا ذلك ـ والعمل الجاد على تحقيق التعايش والتعاون القوي الدائم بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم، وأن نؤكد باستمرار ضرورة التمسك بهذه الوحدة والتعاون لمواجهة متطلبات المرحلة الجديدة بكل ابعادها وتداعياتها، ونستمد العزم والارادة والهداية والارشهاد من ناحية اخرى من الائمة الاطهار (ع).
ايها الاخوة المؤمنون... يا ابناء العراق الغيارى.
ان عراقنا الجريح يواجه تحديات عظيمة وخطيرة نحتاج فيها الى مقومات القوة والمنعة والتي تتمثل بالايمان القوي والوعي والبصيرة والارادة والعزم ووحدة الصف والكلمة والاستعداد الدائم للتضحية والفداء والمواجهة، لنتمكن من العمل الجاد على مواجهة التحديات وتحقيق الاهداف الصالحة والتي يمكن ان نلخصها بالنقاط التالية:
الأولى: المحافظة على الهوية الاسلامية لهذا الشعب المؤمن، شعب الحضارات والرسالات الالهية وشعب الجهاد والتضحية وشعب العلم والمعرفة وشعب حب اهل البيت (ع) حيث ان الشعب العراقي الذي يمثل الاسلام هويته واكثريته الساحقة مهدد بالالتفاف على هذه الهوية من خلال بعض مفاهيم الحضارة الغربية.
الثانية: تحقيق الأمن والاستقرار والمحافظة على النظام العام، اذ بدون ذلك يتحول العراق الى الفوضى والاضطراب، وبدون الأمن لا يمكن ان يتحقق أي هدف من الاهداف الصالحة، ولا يمكن ان يتحقق هذا الأمن الا باستلام مسؤوليته بيد العراقيين.
الثالثة: تحقيق الاستقلال وانهاء الاحتلال واخراج القوى الاجنبية من العراق بالوسائل المشروعة من المحادثات والمقاومة السياسية الى الاستعداد الكامل لخوض المعركة اذ لزم الأمر.
الرابعة: تحقيق الحرية للشعب العراقي واعطاء الفرصة للتعبير عن رأيه في كل الأمور ذات العلاقة بادارة الحياة العامة، والعمل على الخلاص من جميع آثار ومخلفات الظلم والاستبداد والطغيان وأزلامهم.
الخامسة: المحافظة على الوحدة التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والمعنوية للشعب العراقي حكومة وشعبا وارضا في مواجهة مخاطر التمزق الطائفي والقومي او تشتت بعض اشلائه.
السادسة: تدوين الدستور العراقي من خلال مجلس حر كريم خبير ينتخبه العراقيون ليعبروا فيه عن هويتهم واهدافهم ويقدم الحلول الصحيحة لمشاكلهم وقضاياهم الكبيرة.
السابعة: العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية بين ابناء الشعب ليكون العراق لجميع العراقيين اكثرية واقلية ويكون العدل للجميع دون فرق بين شيعة وسنة وعرب وأكراد وتركمان وأقليات دينية.
الثامنة: الحذر الشديد من الفتن الطائفية والعنصرية وعمليات الثأر التي يغذيها بعض الطائفيين والعنصريين الداخلين وبعض السياسات ووسائل الاعلام الخارجية وذلك للكيد بالعراق وشعبه.
التاسعة: إقامة حكومة القانون والاصلاح بين الناس، وحكومة العدل والاستقرار والرفاه.
العاشرة: معالجة الخراب والدمار الذي خلقه النظام في جميع انحاء العراق، وكذلك العزلة الخارجية التي يعيشها العراق في الوقت الحاضر، الأمر الذي يحتاج الى جهود استثنائية للعراقيين وطاقاتهم الخيرة المتفجرة.
ايها الاخوة المؤمنون..
اننا بحاجة لمواجهة هذه التحديات من الرجوع الى الله تعالى بالتوبة والاستغفار، والى الايمان العميق والاعتصام بحبل الله تعالى جميعا دون فرقة او حيرة والى حب اهل البيت (ع) والتمسك بعروتهم، واسأله تعالى ان يحفظكم ويتقبل عملكم ويؤجركم على جهودكم ويحقق النصر لكم وللمسلمين في مواقعهم ومعاركهم وان يرينا ذلك اليوم الذي تنتصر فيه راية الاسلام وتصبح خفاقة على جميع انحاء الارض، يوم تملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، يوم ينادي المنادي يا لثارات الحسين (ع) فإنها ثارات الله تعالى .
تقبل الله عملكم وشكر سعيكم.
ودمتم موفقين.
29/ جمادي الثاني/ 1424هـ
محمد باقر الحكيم
https://telegram.me/buratha