اكد القيادي في المجلس الاعلى الاسلامي العراقي عادل عبد المهدي على المطالبين بالاصلاح اهمية معرفة حدود مشروعهم وافاقه وتسلسل مراحله.
وذكر عبد المهدي في بيان تلقت وكالة انباء براثا نسخة منه اليوم " كثرت في الاونة الاخيرةدعوات الاصلاح.. واعلنت كجزء من سياسة الحكومة المعلنة ومطلباً للجماهير.. فالبلاد تحتاج فعلاً لاصلاحات في شتى الحقول... لكن هل فكرة الاصلاح واضحة؟، لا شك هناك ارتباط بين الاصلاح والسياسة. لكن دور المصلح ليس بالضرورة دور السياسي.. فالمصلح يخاطب الاجيال، والسياسي يخاطب اساساً الناخبين والجمهور.. والمصلح غالباً ما يسبح ضد التيار، بينما يسبح السياسي غالباً مع التيار.. ويبحث المصلح عن راس الخيط في كومة خيوط متشابكة ليفكك عقدها.. بينما يمسك بعض السياسيين الكومة، ويدعون سيطرتهم، فيبدأون بعقدة وينتهون بعقد. السياسي اداته الاساسية الموقع والسلطة وبعضهم يقف عندهما.".
وتابع " اما المصلح فهدفه الاساس المجتمع والامة، وقد تكون الدولة اداة لاحداث نقلة نوعية فاصلة.. فالمصلح قد يبدأ من 27 عاماً من السجن {مانديلا} لينهي نظام الفصل العنصري، او من قضية الحقوق المدنية {لوثر كينك} ليتبوء اوباما رئاسة الولايات المتحدة، بعد نصف قرن تقريباً. وان يعمل "غاندي" بنفسه على "النول" و"المغزل" ليحمي النسيج الهندي امام البضاعة الانكليزية.. ويدافع "مهاتير محمد" عن وطنه ويقف ضد بعض اتجاهات العولمة لايجاد بيئة ماليزية ناجحة.. فيتحدد مشروع المصلح حسب ظروف البلد وفرصها. فاستهدف مشروع "مارشال" الامريكي اعمار اوروبا واليابان بتخصيص 13 مليار دولار {تعادل اليوم 130 مليار دولاراً}، فانتقلت المانيا بعد تحديث اقتصادها ونظامها لتحتل المرتبة الاولى اوروبياً بفترة قصيرة.. وحققت اليابان "المعجزة الاقتصادية"، وخلاصتها التعاون بين المصنعين والموردين والموزعين والبنوك والموظفين والنقابات في جماعات مترابطة".
واكد "يجب ان يعرف طالبو الاصلاح حدود مشروعهم وافاقه وتسلسل مراحله. ليقود نجاح اول بسيط لنجاح ثان وثالث، اهم واعظم، وهلمجرا.. فالمثل يقول من يريد ان يرمي حجارة فليترك الحجارة الثقيلة.. ومن يعد بكل شيء، لن يحقق شيئاً. يكفي النجاح في مجال او قطاع او قضية لينتشر لاحقاً لغيره.. فالاصلاح لا يعبر عنه باماني مطلقة –كما يعمل بعضنا- بل له سياقات انتقائية، تسلسلية، تعرف ترابط الاشياء فيما بينها، في واقع محدد، وتعرف الممكن والمستحيل. فحركة ممكنة وبسيطة في البداية قد تحرك ما يبدو مستحيلاً وقتها. في الخمسينات عندما بدت الصناعة مستقبل البشرية، ركزت الهند بعناد على الزراعة لعدد سكانها الهائل، فانتقدها كثيرون. لكن الهند كانت محقة، وها هي تتصدر اليوم دول العالم في معدلات نموها".
وتابع "طرح السوفيات بعد انتصار الثورة البلشفية وفي ظروف الحصار والحرب، فكرة "راسمالية الحرب" لتحرير الاقتصاد من بيروقراطية الدولة والقيود الاشتراكية.. وطرحت الصين تشكيلات "القبعات الحمر" التي عصرنت ورسملت معظم صناعاتها ونشاطاتها بما يتوافق مع اقتصاديات السوق.. وطرحت ايران فكرة "الاقتصاد المقاوم" لمواجهة فترة العقوبات.. وطورت تركيا نفسها من الادنى للاعلى.. واستخدمت دول الخليج اموالها النفطية للاستثمار في الخارج وجلب استثمارات الخارج اليها. وتشتري الولايات المتحدة الخدمات والمنتجات بدل ايلاء الامر للدولة لتتصرف كرجل اعمال فاشل.. واصلحت الكثير من دول امريكا اللاتينية اوضاعها عبر سياسات "بدائل الاستيراد" وصناعات التجميع. واستطاعت دول شرق اسيا في سبعينات القرن الماضي من الانتقال الى مصاف الدول الاولى عالمياً، بعد فترة الحروب الاهلية والفقر والبطالة، وبعد ان انهت احتكار الدولة وغرقها بممارسات الرعاية الاجتماعية، ورفضها المجتمع الاستهلاكي العاطل.
وبين "لكل اصلاح خصوصيتة، ليتطابق مع المعطيات، لا ان يكون مجرد "نسخ"/ "لصق" لتجارب غيرنا، رغم ان كل تجربة هي تجربة مهمة لنا بنجاحاتها وفشلها. السياسي يُحبط عادة في الازمات، اما المصلح فيرى في الازمات برهاناً على مشروعه، ومدخلاً لقلب مسارات الازمة، وفشلها المتكرر.. فاصحاب المبادرات والمشاريع في شتى الحقول –لدينا- يستغيثون، لم نعد نريد دعم الدولة، بل نريد ان توقف مضايقاتها لنا فقط.
وختم عبد المهدي بالقول "يجب ان نُصدق شعبنا وان لا نغشه فيما يمكننا القيام به في ظروفنا الحقيقية.. وسيقف الشعب معنا ان تلمس منا الجدية والصدق. فالمصلح جريء وصريح ويتحمل مسؤولياته.. اما السياسي غير المصلح، فيطلب السلامة ويطرح ما يجلب له الانتباه والجاه والرصيد الانتخابي. فما يهمه هو الانطباعات وردود الافعال المباشرة، وليس نجاح السياسات المتصاعدة والمستدامة.
https://telegram.me/buratha