اخوتي اخواتي اعرض على مسامعكم الكريمة مقطعاً من كتاب امير المؤمنين (عليه السلام) الى مالك الاشتر (رضوان الله تعالى عليه) حين ولاّه مصر مع شرحه بشكل موجز ..
قال (عليه السلام) : (واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم اكلهم فإنهم صنفان أما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتى على ايديهم في العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى ان يعطيك الله من عفوه وصفحه فإنك فوقهم ووالي الامر عليك فوقك والله فوق من ولاّ).
هذا النص الشريف من النصوص المهمة لكل رجل سياسة، وهذا العهد ايضاً من العهود المهمة وقد تعرض هذا العهد لشرح كثير وبلغات شتّى وقد شرحه عالم الدين والحقوقي والسياسي وقورن هذا العهد بوصايا الساسة الاخرى فشمخ هذا العهد كثيراً وتربّع على مجموعة مفاهيم لمن اراد ان يجد فيه صلاحه وصلاح العباد..
مالك وما ادراك ما مالك.. نُسب لعلي (عليه السلام) : (كان لي مالك كما كنت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومالك مدرسة وهو تربى عند امير المؤمنين (عليه السلام) وارسله الى مصر وهي بلدة كبيرة واسعة لكن شاءت الاقدار ان لا يتمكن مالك من حكم مصر فقد دُس اليه السم وتوفي وهو لم يحكم مصر.. لكن هذا العهد الذي كتبه امير المؤمنين (عليه السلام) لمالك واقعاً من نفائس الوصايا والكتب التي ان اراد السياسي النبه الناجح ان يكون ناجحاً عليه ان يعتمد عليه ..
قال (عليه السلام) : (واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم).
انت راعي وهؤلاء رعية .. لاحظوا تعبير الامام (عليه السلام) وهو يوصي والياً كيف يحكم ؟! لم يقل له ارحمهم قال (اشعر قلبك الرحمة) هناك فرق اخواني ان ترحم وان تُشعر قلبك الرحمة، الامام (عليه السلام) يقول : لابد ان تشعر قلبك الرحمة فهذا هو سر نجاحك يا والي يا سياسي .. لابد ان تُشعر قلبك بالرحمة ..
ايضاً لابد ان تحبهم لأنك ان احببتهم معنى ذلك كما تحب نفسك وكما تحب لنفسك ما يمكن ان تحقق به صلاحها كذلك اذا احببتهم ستفتش عن صلاحهم فلابد ان تُشعر قلبك بالرحمة تكون اباً حانياً عليهم مشفقاً وان تحبهم كل منهم في اقصى البلاد او اقرب شخص لك ما دام يتعنون بعنوان الرعية ..
(والطف بهم) حاول ان تتلطف بهم وتأتي اليهم بكل ما يحسن اليهم وييسر امورهم.
ثم قال امير المؤمنين (عليه السلام) : (ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم اكلهم فإنهم صنفان أما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق(.
(ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم اكلهم )
انت في السلطة عندك مخالب عندك شرطة وامن وغير ذلك .. لا تكون عليهم سبعاً ضارياً تغتنم اكلهم أي قوتهم.. فانت تتمكن فعندك شرطة وناس تتزلف اليك.. لكن اياك ان تكون سبعاً ضاريا وتأتي تنهش قوتهم ولحمهم فإن هذا سيسقطك .. انت لست والياً ستكون سبعاً ..
(فإنهم صنفان أما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق)
هذه الرعية ليس بالنتيجة كلهم يؤمنون بعقيدتك وليس المطلوب ان يؤمنوا بعقيدتك.. انت تذهب والياً لأمير المؤمنين (عليه السلام) .. فلابد ان يكون الذي تحكمهم من الرعية لابد ان تُشعرهم هذه الرحمة والمحبة واللطف فانهم صنفان اما اخ لك في الدين فهو يستحق منك هذا الاحترام .. او نظير لك في الخلق فايضاً يستحق منك فانت وهو تشتركان في الانسانية وان ربكم واحد وانه هو تحت رعايتك فلابد ان تلتفت يا ايها السياسي او يا مالك السابق او أي مالك يكون تحته رعيّة..
(يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتى على ايديهم في العمد والخطأ)
الانسان كالبيت هناك ابن صغير وكبير ومريض هذا يخطأ .. الرعية يا مالك التفت قد يكثر منهم الزلل والتصرفات غير المسؤولة لكنه يجب ان تكون لهم الاب الراعي وان تكون لهم نعم الوالي وتعرض لهم العلل..وقد يتصرفون ويخطأ بعمد لكن لا تكون سبعاً ضارياً ..
(فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى ان يعطيك الله من عفوه وصفحه)
الانسان اخواني لا يُعطي ما لا يملك اما الشيء الذي يملكه يعطيه .. انت تستطيع ان تصفح فاصفح وتستطيع ان تعفوا فاعفوا لماذا ؟!
الله تبارك وتعالى يختبرنا واختبارات الله تبارك وتعالى هو يقدرّها في كل ظروفنا الحياتية نحن نبحث عن انفسنا .. نريد من الله كذا وكذا .. فلو انا اذنبت ذنوباً كثيرة قطعاً اريد من الله تعالى ان يصفح والله بيده العفو والصفح فانا سأقف غداً امام الله تعالى واطلب الصفح .. الآن تحت يدي بعض من نفترض قد اساء لي.. الامام (عليه السلام) يقول لا تعوّد نفسك ان تكون سبعاً .. اصفح عنه .. والصفح تربية والعفو تربية .. فأعطهم من عفوهم وصفحك مثل الذي تحب وترضى ان يعطيك الله من عفوه وصفحه..
(فإنك فوقهم ووالي الامر عليك فوقك والله فوق من ولاّك)
الانسان اذا كان فوق يرى من الذي تحته قد لا يرى من تحته ما يراه الذي فوق.. لماذا ؟! لأنه متسلط ويرى الاشياء .. الله تبارك وتعالى هيأ لك ان تكون فوقهم فإنك فوقهم وهم ينظرون اليك ووالي الامر عليك فوقك – من الذي ولاّك الأمر فوقك- والله فوق من ولاّك..
لاحظوا هذه المسؤولية الجميلة عندما يستشعرها مالك .. يستشعر انه لابد ان يستشعر الرحمة والمحبة واللطف ويبتعد عن المخالب لا يكون سبعاً ضارياً..
ثم يبين الامام (عليه السلام) الرعية تحتك وانت فوقك فيأملون وانت ايضاً تحت من ولاّك فمن ولاّك فوقك .. والله تعالى فوق من ولاّك ..
هذه تشكيلة المختصرة تحدد المسؤولية فتجعل هذا الوالي الذي ارسله امير المؤمنين (عليه السلام) ان يلتفت كيف يسوسُ العباد ..
والحمد لله رب العالمين ..
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
https://telegram.me/buratha