وجّه المفكر غالب الشابندر رسالة شديدة اللهجة "وصريحة" الى رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، قام بتضمينها عبارات شديدة ونقد واضح لمسيرة "الدعوة والمالكي" عند تسلم السلطة، مشددا على أنه "أفسد شموخ وتاريخ حزب الدعوة بانتهاجه سياسة فردية عمياء في إدارة الدولة والحزب"، فيما دعاه الى "التكفير عن نكبة الحزب على يديه وأيدي محازبيه".
رسالة إلى الصديق البعيد القريب نوري المالكي
تحية طيبة
أكتب لك هذه الرسالة الموجزة على إثر قراءتي لمقالك حول المراجعة الفكرية والتنظيمية لحزب الدعوة المنشورة في أكثر من موقع إلكتروني ، وكتابتي لك الآن كما هي كتابتي لك وعنك سابقا ، واضحة صريحة ، وإذا كنتُ لم أتملقك ولم أحابك ولم أجاملك فيما كتبتُ سابقا ،إيمانا بفكري وحريتي فإني سألتزم ذات المعايير، وبإيمان أشد وأمتن بفكري وحريتي ، وأزيد أيضا ،إيمانا بقدسية الحقيقة يا أبا إسراء .
أولاً وقبل كل شيء كان المقال شكلا وموضوعا وعلاجا في غاية الضعف والركاكة ، وفيما قرأته مرة ومرتين ، تبادر إلى ذهني سؤال مفاده ، تُرى إذا كان هذا هو فكرُ أمين حزب الدعوة الإسلامية ، وهذا هو أسلوبه ، فحقاً يجبُ على حزب الدعوة أن يراجع مسيرته ، ويتفحص مصيره ، ويعيدُ النظر كلياً بما هو عليه ، خاصة بعد أن تورط بمستنقع الحكم ، وآفاته ، والتباساته ،حيث بدا وظهر ما لم يخطر على بال ، ممَّا تقشعِّر منه الجلود ، وتهتزّ له الضمائر ، وإذا بـ ( الإسلامي ) الذي كان الآخرون يتخوفون من الاقتراب منه ، لأنهم ليسوا بمستواه ، ولا بطهره ، ولا بعفته ، ولا بنصاعة ضميره ،أصبح بعد بلاء الحكم ، ذاك الذي يتخوفونَ الاقترابَ منه ، لِما جلبه على نفسه وحزبه من الشائن بالفعل والممارسة، والفاتن بمحنة الدنيا وإغراءاتها القاتلة !
أليس صحيحاً يا أبا إسراء ؟
لا أريد هنا أن أدخل بسجال طويل وعريض عن مضمون المقالة التي جاءت كما قلت ركيكة بائسة شكلا ومضمونا ، ولكن بودي ان أسالك يا رئيس وزراء العراق السابق بل يا أمين حزب الدعوة الإسلامية ، لماذا كنت ومحازبوك ـ وأعرفهم جيدا ـ تحجم من طرح هذه القضية ، قضية المراجعة ، وتتهرب من ذلك ؟ وكانت المواقع تضج بالمقالات والكتابات عن ضرورة هذه المراجعة ؟ وشخصيا كتبتُ مقالا في موقع إيلاف بعنوان: ( نهاية حزب الدعوة بنهاية المالكي ونهاية المالكي بنهاية حزب الدعوة) ،داعياً إلى إعادة النظر بالمسيرة ، رغم اني خرجت من دائرة بلاء الإسلام السياسي ، وإنما أفكر بحزب الدعوة ،لأنه حزبٌ عراقي عريق ، أعطى مئات بل آلاف الشهداء على طريق الأخلاق والبناء ، حتى جئتَ أنت يا أخي ومحازبوك وأفسدتم ما تبقى من شموخ وتاريخ ، بانتهاجك سياسة فردية عمياء ، في إدارة الدولة ، وإدارة الحزب ، إنْ كنتَ حقا تؤمن بالحزب وأفكار الحزب ومصير الحزب .
لا أريد الإطالة ، ولكن هل تسمح لي بأن أقدّم لك بعض التصورات عما يمكن أنْ تكفِّر به عن نكبة حزب الدعوة على يديك وأيدي محازبيك ، محازبيك الذين كانوا يزينون لك السطوة وقانون القوة الغاشمة وأخلاق التكالب والتغالب ؟
نعم ، سوف أتقدم بذلك بين يديك وإنْ لم تسمح لي ، لأن ضميري سوف يحاسبني فيما لم أقدم على ذلك ، لأني مؤمن بما أقول والله على كل شيء شهيد.
تحية طيبة مرة أخرى…
أخي العزيز ، ولا أخافك في ما أقول ، كما كنت لا أخاف (عظمة ) سلطانك وقوتك، لأني كنت أعلم والله شاهد على ما أقول، إنها عظمةٌ ليست بمحلها، وسلطةٌ ليست مستمدةً من صقع التجربة الخيرة، ولا قوةٌ تستند إلى معيار الموضوعية، ولكن هي الصدفة جاءت بها، وخلقتها، وحتى لم تعمل على تنميتها، بل بقيت عظمة في الهواء ، فارغة من كل مضمون.
أخي العزيز: ـ
أنصحك أن تبتعد عن الدعوة، لأن الدعوة هي بحد ذاتها، فكرا وتاريخا لا تقبلك، ترفضك بحق، خاصة وأنت الذي ساهمت أيَّ مساهمة بذبحها ، بسلخها ، بتعليبها مصالح ومطامح على قد الذات، وعلى قد عنفوان شهوة الحكم المقيتة، فهي تناديك من أعماقها أن تتركها، لعلها تضمّد جراحها الدامية.
أنصحك أن تخطو كما خطا تولستوي الذي أجزم بأنك لم تقرأ له سطرا واحدا، أنصحك أن تتخلى عن كل ما تملك، من مال، ومن عقار، ومن دثار، وتتبرع به إلى فقراء العراق، إلى مساكين العراق، إلى عوائل ضحايا سبايكر والصقلاوية وغيرها، كي تنام قرير البال، مرتاح الخاطر، فيما لو جاءت ساعة الحق، وهي قد تفاجئنا بين لحظة وأخرى يا أبا إسراء.
أنصحك أن تخرج على العالم، وتعترف بأخطائك الجسام، بحق العراق، وحق الشيعة، وحق حزب الدعوة المسكين، وحق المخلصين الذين أقسمت بينك وبين نفسك أن تمهرَ على جباههم حرمانَهم من خدمة العراق، حيث كنت تفتّش عن شذّاذ المصالح والمفاسد ومحبّي المال الحرام والجاه الأجوف، الذين يأنفون الفريسة فيما هي بعيدة عن المنال، ولكنهم يتهافتون عليها حينما تزكمُ أنوفَهُم رائحتُها المزعجةُ المؤذية ،فهل أقول كذبا بحق الرب الذي تعبده يا أبا إسراء؟
أنصحك أن تترك العمل السياسي وتتجه إلى الله، وأنا هنا لست واعظاً، ولن أكون واعظاً، صاحبك لا يُبرِّيء نفسه، أنا آثم خطّاء، غارق بذنوبي، ولكن أقسم لك بربّ الراقصات لا يحدوني هنا ذنب ولا شهوة ، فمالي منك غير الظلم والتعسّف والحرمان في عزّك القوي ظاهرا المنخور باطنا، وثق ليس لك مني غير الجهر بالحق والحقيقة مهما يلحقني بسببه من ظلم أو حيف أو طغيان، لأني (عايش وشايف يا أخي)، وعزّني الله بدولة تحميني، وحكومة تؤويني، تلك هي حكومة الكفار، ودولة النصارى يا أبا إسراء.
انتصر على نفسك، ثُر على ماض يستحق الثورة بكل إخلاص منك، وبكل شجاعة منك، واتجه إلى الرب الجليل، وكما قلت لك لست واعظا، ولكن ليس كل ناصح يجب أن يلتزم نصحه مع نفسه، فتلك فلسفة ميتة، ولعل من النصاعة الروحية والشفافية الضمائرية، أنْ يقدِّم لنا ناصحٌ ما تستقيمُ به حياتُنا وهو يعترف في الوقت ذاته، أنه مذنب خطّاء.
لا أطمع فيك، ولا في أموالك ، ولا في قطعة أرض ثمن انتخابك، ولا في وظيفةٍ مقابل مقال يبرر جبروتك الذي كنت تتصوره جبروتا، وما هو إلا خدعة أنت ضحيتها، ولا بـ “قاط “تجلبه لي من باريس هدية دفاع باطل، ولكن الذي يطمعني فيك أن أبقى صديقا مخلصا لك رغم كل هذه المآسي، صديقا يصرخ فيك النهي فيما يؤمن به باطلا، ويهلل فيك تحيةً وإجلالاً فيما كان يؤمن به حقاً، والسلام عليكم ورحمة.
6/5/141219
https://telegram.me/buratha