السيد عمار الحكيم: "الحكومة العراقية لا تستمد شرعيتها من السيد عمرو موسى لكي يسلب منها الشرعية او يشكك في شرعيتها هنا او هناك".."ماذا قدمت الجامعة العربية لهذا الشعب وهو ينزف دما منذ ثلاثين عاما؟ هل وقفت معه بقضية! هل طالبت له بحق!"
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا سيد الانبياء والمرسلين حبيب الله العالمين ابي القاسم المصطفى محمد (ص)
وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين (ع) واصحابه المنتجبين الميامين
السلام عليك يا ابا عبد الله
السلام عليك يابن رسول الله
السلام عليك وعلى الارواح التي حلت بفنائك واناخت برحلك
عليك منا جميعا سلام الله ابدا ما بقينا وبقي الليل والنهار ولا جعله الله آخر العهد منا لزيارتكم
السلام على الحسين وعلى علي ابن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام
السلام على شهداء الاسلام منذ الصدر الاول للاسلام وحتى يومنا الحاضر
السلام على شهداء طريق كربلاء طريق التضحية والفداء في يوم الثامن من صفر عام 1970 والسابع عشر من صفر عام 1977
وهكذا هذا الطريق والغاية من هذا الطريق والهدف الذي نصبوا إليه في هذا الطريق كان دوما محطة لاستنارة الطريق كان دوما محطة لهداية الانسانية كان دوما ركيزة ومنطلقا لبناء المجتمع الصالح لتحقيق الاهداف والغايات الصالحة
نقف اليوم ايها الاعزاء على طريق سيد الشهداء وفي خان النخيلة لنستحضر تلك البطولات وتلك المواقف المشرفة التي كانت لكم، لابنائكم، لابائكم، لاجدادكم لكل اؤلئك الشرفاء الذين وقفوا تلك الوقفة في انتفاضة 17/صفر/1397 هـ
ايها الاعزاء نقف اليوم ونحن في ظروف التحدي، نقف لنستذكر شهدائنا وها نحن نقدم الشهداء في كل اليوم، لنفس الهدف، ولنفس الغاية، وعلى يد نفس أولئك المجرمون وان تغيرت اسمائهم، وبالامس لاحظتم كيف الاستهداف لثلة من زوار الحسين والمشاة على طريق الحسين في محافظة بابل راح ضحيتها ما يزيد على المائة شهيدا، واليوم ايضا هناك شهداء يسقطون واول امس وقبلها وقبلها في كل يوم يستهدف زوار الحسين العزل عن السلاح ليس لهم إلا سلاح الايمان سلاح العقيدة سلاح التضحية سلاح الفداء سلاح الاستعداد لتقديم كل شيء من اجل الحسين وغايات الحسين عليه السلام .
نقف اليوم ايها الاعزاء ونحن في طريقنا إلى كربلاء لزيارة الاربعين، هذه الزيارة التي تمتد بامتداد المناسبة نفسها وكان من اول الزوار لسيد الشهداء في الاربعين هو سيدنا ومولانا الامام السجاد عليه السلام والعقيلة زينب في طريق العودة من الشام إلى المدينة المنورة .
واستمرت هذه الزيارة رغم كل التحديات، رغم كل المصاعب، رغم كل الدماء التي اعطيناها، والايدي والارجل التي قدمناها، ودوما صخرنا وسنبقى نصرخ باذن الله تعالى لوقطعوا ارجلنا واليدين نأتيك زحفا سيدي يا حسين.
وهنا ايها الاعزاء لابد لنا ان نقف ونستذكر المداليل الكبيرة في هذه الزيارة، وفي هذا المشهد المثير للعالم، هذا المشهد الفريد من نوعه، لا نعهد ولا نعلم عن وجود مسيرة كهذه المسيرة في كل العالم.
من حيث العدد، من حيث ظروف هذه المسيرة، من حيث الدوافع الطوعية للمشاركين فيها، من حيث المسافات الطويلة والشاسعة التي يقطعونها، من حيث الاطعام والخدمة المجانية الطوعية التي تقدم، هذا المشهد المليوني الكبير وهذا الزحف العامر والحاشد منذ اسبوعين وإلى يومنا الحاضر يدار كله بشكل طوعي، لا توجد حكومة وراء هذا العمل وان كانت المؤسسات الحكومية تقدم الرعاية والخدمة بمقدار ما تتمكن، لا يوجد حزب او جهة سياسية وراء هذا العمل وان كان كل الخيرين يقدمون ما يتيسر لهم، ولكن يبقى الطابع التطوعي هو الطابع العام في هذه المسيرة وفي هذه الحشود المليونية التي تنطلق وتتحدى..تتحدى كل الاخطار لتحقق هذا الهدف الكبير.
لابد ان نقف عند هذه الظاهرة المثيرة للدهشة ونحللها لنعرف ما هو مضمون هذه المسيرة، وانتم تعرفون ذلك ولكن لابد ان نذكر انفسنا ونقول للاخرين ما هي مداليل زيارة الاربعين.
هناك مدلول روحي عقائدي في غاية الاهمية يتمثل بحالة العهد والبيعة والعقد مع الحسين عليه السلام، مع اهل البيت عليهم افضل الصلاة والسلام، مع رسول الله صلى الله عليه وآله مع الله جل وعلى.
هذه المسيرة نعبّر من خلالها عن العهد من جديد في ان نبقى على طريق الطاعة إلى الله سبحانه وتعالى، نريد ان نحقق العبودية لله من خلال الارتباط برسوله الكريم وأهل بيته وهو القائل: (( وابتغوا إليه الوسيلة )).
وهناك مدلول اخلاقي مهم في هذه المسيرة، يتمثل بالثبات والاستقامة والاصرار على المضي قدما في هذا المسير، وهو تعبير عن ذلك الثبات وتلك الاستقامة التي نتمثلها في حياتنا، في بناء مجتمعنا، في بناء الجيل الجديد، في تغيير احوالنا، في اصلاح شؤوننا، في كل هذه المجالات، هناك ثبات هناك عزم ما الذي يدفع هذا الشيخ الكبير او تلك العجوز الكبيرة في عمرها او الطفل الصغير الرجل والمرأة الجميع يخرجون ويقطعون مئات الكيلوا مترات مشيا على اقدامهم لولا وجود هذا الاصرار والثبات والاستقامة على الطريق والنهج، وهذا جانب اخلاقي مهم في حركة الامم والمجتمعات.
وهناك مدلول آخر هو المدلول الحضاري لهذه المسيرة، فهي مسيرة سلمية ليس فيها عدوان، ليس فيها تجاوز، ليس فيها تطاول، ليس فيها تدافع، ملايين من الناس يخرجون وهم يمثلون مشهدا حضاريا سلميا في التعبير عن رأيهم، في التعبير عن عقيدتهم، في التعبير عن متبنياتهم وتطلعاتهم، وهذا مدلول مهم آخر في هذه المسيرة.
ومدلول رابع هو المدلول السياسي، ومن يسعى ان يجرد هذه المسيرة عن مداليها السياسية فهو مخطأ، هذه المسيرة على مر التاريخ كانت تحمل دلالات سياسية واسعة ومهمة، اذ انها كانت تعبر عن الرفض للظلم والعدوان والهوان والتأثر بالضغوط الخارجية وبالهيمنة من الآخرين، ولذلك كانت مثار قلق للطغاة والعتاة على مر التاريخ.
ابناء شعبنا اليوم بخروجهم هذا يتحدون الارهاب الاعمى في بلادنا، بخروجهم هذا يقفون ليسجلوا موقفا واضحا بانهم اصحاب السلام والسلم، بانهم يريدون اعمار بلادهم، بانهم على عزم راسخ في هذا المجال.
اذا هي مسيرة اصلاحية مسيرة سلمية تعبر عن الرفض للظلم والطغيان، وعن الرفض للارهاب والعدوان.
وكذلك لابد ان نقف على المدلول الاجتماعي لهذه المسيرة، اذ انها جاءت لتعبر عن حالة التضامن، والتكاتف، والتواصل الاجتماعي.
تلاحظون وانتم على الطريق الآلاف المواكب والهيئات الحسينية وهي تقدم الخدمة لاناس لا تعرفهم ولا يعرفونهم، وهكذا عشرات الالوف من العوائل والناس يقفون ويقدمون الخدمة والطعام والشراب من دون ان يعرف بعضهم بعضا، هذه حالة فريدة في عملية التضامن الاجتماعي والتآزر في هذا المجتمع، وهذا هو الذي يجعل من المجتمع العراقي مجتمعا قويا فاعلا لا يستطيع الآخرون ان يقهروا باذن الله تعالى، وسيبقى هذا الشعب يعيش الصمود والثبات والاستقامة والصلاح والاصلاح ما دامت هذه التطلعات والرؤية الصالحة قائمة فيه وينطلق منها لبناء مجتمعه.
من هنا كان موقف الطغاة والظالمين دوما هو موقف المعارضة والمطاردة والتنكيل بهؤلاء المسالمين ممن يمشي لزيارة الحسين صلوات الله وسلامه عليه.
وكان في الجانب الآخر موقف الناس دوما هو موقف الاصرار على احياء هذه الشعيرة مهما كان هذا الثمن باهظا وباهظا.
واستمر هذا التجاذب الجدلي بتاريخ طويل على هذه التربة الطاهرة التي تفوح منها رائحة الشهداء، ولا سيما ونحن في محطة من المحطات الدموية لهذه المسيرة في انتفاضة السابع عشر من صفر سنة 1977
حاولوا اضعاف هذه الشعائر، بل القضاء على هذه الشعائر بشتى الطرق والاساليب، وصفوها تارة بالطائفية وكان الحسين عليه السلام ملك لجماعة او لمذهب او لفرقة او ما إلى ذلك ونسوا ان الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، الحسين هو من اهل البيت الذين اوجب الله محبتهم في قلوب المسلمين وللمسلمين جميعا، وهذه مما لا يختلف احد فيها او عليها، ارادوا ان يعطوها صبغة طائفية لتحجيمها وضربها، واحيانا عملوا على تشويه هذه الشعائر واعطائها صورة رجعية كما عبروا ويعبرون بانها تعبر عن حالة من التخلف، اليوم تطورنا ولدينا سيارات فلماذا السير على الاقدام، ويتم التغاضي والتجاهل لكل هذه المداليل التي استعرضناها في هذه المسيرة الكبيرة والتاريخية، وينظر على انها حالة غير حضارية لا تساعد على بناء مجتمع متحظر، مع ان هذه المباديء والقيم والاخلاقيات التي تجتمع في هذه المسيرة ويبنى عليها ابناء شعبنا عبر هذه المسيرة هي اخلاقيات نحن بامس الحاجة إليها في بناء مجتمع صالح وعادل يشارك فيه الجميع، ويجد فيه الجميع حصته وحقه ونصيبه في الحياة الكريمة والعزيزة .
جاءوا ايضا في محاولاتهم لتغييب هذه الشعائر وفي مسعى من نمط آخر لتفريغها من مضمونها، ارادوا لها ان تبقى تعيش شكلية معينة وسياقات واداء معين بعيدة عن المضمون، بعيدة عن الاهداف الكبيرة التي كانت من وراء هذه الشعائر، كل هذه المحاولات باءت بالفشل، وذلك لان ارادة هذا الشعب وارتباط هذا الشعب بالحسين عليه السلام، بأهل البيت، برسول الله صلى الله عليه وآله، كان اقوى من ان يتأثر بكل هذه المخططات .
ماذا جرى في انتفاضة السابع عشر من صفر جاء النظام وبعد سلسلة طويلة من التضييق على ابناء شعبنا في شعائرهم .
في البداية جاءوا ليمنعوا الاعلام، وكانها تمثل تحدي للامن الوطني العراقي، ثم قالوا يمنع رفع الصوت للتسجيلات الصوتية، التي فيها الوعظ وفيها التعبير عن الحزن وفيها الاناشيد والاهازيج وغيرها، ثم جاءوا ليمنعوا حتى توزيع الماء على الناس في هذه المناسبة واطعام الطعام، ثم جاءوا ليضيقوا ويضيقوا شيئا بعد شيء حتى لم يبقى من الشعائر الواضحة والظاهرة إلا المشي لزيارة سيد الشهداء بمناسبة الاربعين، وارادوا ان ينهوا هذه الظاهرة ايضا وبذلك يضعوا حدا للشعائر الحسينية في العراق، فكانت القضية مفصلية حاسمة بالنسبة لهم، وجمعوا خدمة الحسين عليه السلام ومسؤولي المواكب الحسينية وتكلم لهم محافظ النجف آن ذلك، وطلب منهم عدم الخروج في هذه السنة وان هناك منع، ولكن في تلك الاجواء الخانقة قام الشهيد البطل عباس عجينة، ليصارحه على رؤوس الاشهاد في ظاهرة غير مسبوقة ويقول له: تمنعوننا من زيارة الحسين فيما لا تمنعون دور الخمر والبغاء والرذيلة في هذه البلاد، لما لا تهتمون باصلاح المجتمع وملاحقة المفسدين وتبدؤون بملاحقة زوار الحسين عليه السلام، ثم قال له: افعل ما انت فاعل فابناء النجف وابناء العراق سينطلقون في مسيرتهم مهما كان الثمن.
وكان ان تجمع الناس بحماس كبير، وجابوا في شوارع مدينة النجف حيث كانت المنطلق لهذه المسيرة، وبعدها انطلقت هذه المسيرة، ولا اريد ان استغرق في التفاصيل، تعرفون جيدا حجم الاستفزازات التي كانت لزوار الحسين من على الطريق وما جرى لهم في خان الربع وفي خان النص انتهاءا بخان النخيلة، موقف المرجعية التاريخي في اسناد ودعم الشعائر الحسينية وفي الوقوف إلى جانب زوار الحسين عليه السلام في هذا الحدث، كلها انارات واضاءات واضحة ادت إلى تخليد هذا الحدث الكبير، وقدمت الضحايا والشهداء والقرابين، لكنها لم تمنع من مواصلة المسيرة بعزم اشد، وهم يحملون تلك الثياب المضرجة بالدماء ليوصلوها إلى ضريح ابي الفضل العباس في كربلاء الحسين عليه السلام.
لابد هنا ايضا ان نستذكر بعض العناصر المهمة في انتفاضة الـ 17 من صفر:
اولا: اصرار الناس على احياء هذه الشعيرة: كما انها كانت حدث مفصلي للنظام فانها ايضا كانت حدث مفصلي لابناء شعبنا، لانهم بتنازلهم عن هذه الشعيرة، كانوا سيحرمون من كل مظاهر الشعائر الحسينية في ظل ذلك النظام الخانق الصدامي في ذلك الوقت.
اصرار الناس وثباتهم وعدم تراجعهم وعدم خوفهم من التحديات، ووقوفهم تلك الوقفة البطولية في مواجهة النظام، كانت تمثل حدث مهم واساسي في هذه الانتفاضة، ولذلك يعتبر المحللون بان انتفاضة السابع عشر من صفر كانت منطلق لانتفاضات ولحركة واسعة في مواجهة النظام ادت إلى اسقاطه ولو بعد حين.
ثانيا: الحكمة في تعامل الجمهور: الاستفزازات كانت من بداية الطريق، وكانت هناك محاولات لاستدراج الجمهور لمواجهة اجهزة السلطة حتى يقال ان هؤلاء متمردون على السلطة، هؤلاء غوغائيون كما قالوها في ظروف لاحقه، وليس انهم يمشون على الاقدام سلما لزيارة الحسين عليه السلام.
لكنهم تعاملوا بحكمة وضبط النفس وهدوء، وهذا فيه درس عظيم لنا ايها الاعزاء، استطاعوا ان يثبتوا حقهم، تشخيص الهدف وتحديده في المعركة واحدة من اهم اسرار النجاح في أي معركة كانت، وهذا ما كان في انتفاضة السابع عشر من صفر، حددوا الهدف ان يمشوا ويصلوا إلى كربلاء ويثبتوا هذه الشعيرة ولا يستدرجوا إلى صراعات اوقضايا جانبية بعيدة عن الهدف.
ثالثا: موقف المرجعية المساند وسفير المرجعية آنذاك شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس) الذي جاء وشجع الناس باسم المرجعية وطلب منهم المواصلة وواعدهم بانه سيأتي ويكمل المشوار من خان النخيلة إلى كربلاء مشيا على الاقدام، لولا المكر الصدامي آنذاك المكر البعثي للنظام السابق الذي قال شيئا ولم يفي به، وغير الطريق وتحولت هذه المنطقة إلى ساحة معركة، وضفت فيها الطائرات والدبابات والمدرعات، وادخال فيها لواء كامل من الجيش لقمع الناس، وحصل ما حصل وانتم تعرفون، وبالرغم من ذلك الناس غيروا طريقهم، وواصلوا المشوار انتهاءا بقبر الحسين عليه السلام ولم يتخلوا عن هذا الهدف الكبير، وهذا ايضا جانب مهم.
ومن هنا لابد ان نعرف ايها الاعزاء ان التغيير واستعادة الحقوق وتثبيت الحقوق لابد ان يكون من خلال الجماهير، الجمهور هو الذي يقول كلمته اولا واخيرا.
ولاحظنا خلال السنوات الاربع الماضية، العملية السياسية، الانجازات الكبيرة، الدستور، الانتخابات، كل ما حصل لم يكن بالامكان ان يحصل لو لا ان تكون للجمهور كلمته ومقولته.
لابد ان نعرف بان ابناء شعبنا ما داموا على وعي وبصيرة بحقوقهم، بما يجري حولهم، بالموقف المطلوب منهم، باصرارهم وثباتهم، ما داموا على هذا الحال فلن يستطيع احد باذن الله تعالى من ان يلحق الضرر بكم وبمشروعكم الوطني الكبير.
ونحن اليوم ايها الاعزاء في جوار هذه المنطقة التي سقط فيها الشهداء، وها هم المشاة يسيرون من امام اعيننا زحفا إلى كربلاء الحسين، لابد لنا ان نطبق هذا المشهد على الواقع الذي نعيشه، ولابد لنا ان نقف وقفة تحليل اتجاه احد الاخطار التي تواجه تجربتنا العراقية في هذه المرحلة.
جرى الحديث عن مؤتمر يعقد في العراق بحضور اقليمي ودولي، لاسناد ودعم العملية السياسية في العراق، فرحبنا بها وقلنا اهلا وسهلا، نحن مع كل يد طيبة تمتد إلينا لتقدم الدعم والمساعدة في انجاح هذا المشروع وفي اخراج هذا البلد من المشكلات التي يعيشها، رحبنا بكل جهد اقليمي ودولي على ان ينطلق من اسناد عمليتنا السياسية، من احترام ارادة ابناء شعبنا، ولكن فوجئنا ان طل علينا معالي الامين العام للجامعة العربية الاستاذ عمرو موسى حيث القى كلمة هامة في الاجتماع الوزاري لوزراء الخارجية للجامعة العربية في اللجنة الخاصة بالعراق، واذا به يتحدث ويثير نقاط عديدة هو ليس معني بها اساسا، ويتجاهل نقاط كثيرة اخرى هي التي تمثل مسؤولياته ومسؤوليات الدول العربية الشقيقة علينا اتجاه العراق، وهذا كان مثار استغراب وقلق شديدين.
ماذا يعني ان يتحدث الامين العام للجامعة العربية عن تعديل الدستور، عن تغيير التوازن السياسي في البلاد، عن اجتثاث البعث، عن تقسيم الثروة، عن الحكومة المنطلقة من منطلقات طائفية على حد زعمه، اتهام الحكومة بالطائفية وجعلها طرف في الصراع وليس انها هي حكومة الوحدة الوطنية، ماذا يعني ان يتحدث عن حل المليشيات، عن اعادة هيكلة العملية السياسية في العراق، عن توزيع الموارد، عن تقسيم العراق، ويقصد بها مطلبكم الواضح في نظام فيدرالي اقره لكم وضمنه لكم الدستور العراقي .
تحدث عن كل هذه الامور، ولكنه لم يتحدث في كلمته هذه عن الارهاب، المشكلة الاولى في العراق، والسبب الاكبر لنزيف الدم الذي نشهده في العراق، لم يتحدث عن الحدود التي تخترق، لم يتحدث المساعدة الامنية للدول العربية، لم يتحدث عن الضغوط التي ستقوم بها الجامعة العربية على الاعلام العربي الظالم في اغلبه بحق ابناء شعبنا، والذي يثير الفتنة ويثير البغضاء ويوقع بين الناس وتوغل في دماء العراقيين، لم يتحدث عن دور الدول العربية في اسناد العراق ودعمه، وانما تحدث في شروط وضعها لحكومتنا العراقية المنتخبة الشرعية التي لا نعرف في الدول العربية الاخرى دولة تتمتع بهذا المستوى من الشرعية.
لابد لنا هنا ان نسجل مجموعة من الملاحظات باسمكم ايها الشرفاء، باسم هذه الجموع المليونية، ولابد لشعبنا ان يقول كلمته في هذه الملاحظات، انا انقل ما اسمعه منكم وفي اروقتكم، ولي الشرف في الاختلاط والتواصل والتعايش اليومي والميداني معكم.
النقطة الاولى: ان مثل هذه الملاحظات والدخول في هذه التفصيلات يعد تدخل سافرا في الشأن الداخلي العراقي، ولا يمكن ان نسمح لاحد ان يتدخل في شؤون العراق.
واتمنى ان اسمع في يوم من الايام من السيد عمرو موسى ان يتحدث بمثل هذه الاحاديث لاية دولة عربية اخرى مهما كانت صغيرة، لا نسمعه يتحدث بمثل هذا الحديث، ولكن العراق البلد الوحيد الذي يتحدثون عنه بما يشاؤون ويتدخلون في شؤونه كيفما يريدون، وهذا بالتأكيد امر غير مقبول ومرفوض.
النقطة الثانية: ان شرعية هذه الحكومة انما هي بقاعدتها الشعبية، انما هي عبر مخاض طويل خاضته في كتابة الدستور، وفي الانتخابات، وفي كل الادوات الشرعية والدستورية والديمقراطية، والحكومة العراقية لا تستمد شرعيتها من السيد عمرو موسى لكي يسلب منها الشرعية او يشكك في شرعيتها هنا او هناك.
النقطة الثالثة: اننا نرحب بكل دعم وبكل مساهمة من الجامعة العربية او من الدول العربية والاسلامية او من اية دولة من دول العالم ولكن شريطة ان يكون هذا الدعم دعما ينطلق من احترام ارادة الشعب العراقي، احترام الدستور والانتخابات والاستحقاقات الانتخابية، ينطلق من احترام العملية السياسية في العراق، اما ان ينطلق في التقييم لجعل حكومة الوحدة الوطنية العراقية جعلها طرف في مقابل اطراف اخرى، والتأثر بشخصيات وكيانات على خلفيات تاريخية او طائفية او صداقات او ولاءات او انتمائات هنا او هناك فهذا امر غير مقبول ومرفوض تماما.
ولابد لنا ان نقف عند مقولة كررها معالي السيد الامين العام مرارا فهو يقول: "ان العراق اليوم اصبح على ابواب الجحيم".
اريد ان اتساءل من السيد عمرو موسى هل ان العراق اليوم اصبح على ابواب الجحيم! او ان العراق على منذ ثلاثة عقود يعيش في الجحيم في ظل المقابر الجماعية والقنابل الكيمياوية والفسفورية، في الانفال وحلبجه والجنوب وفي كل مكان وكل موقع من العراق!
وحتى العنف الذي نشهده اليوم فهو نتيجة واثر من آثار وتداعيات النظام السابق وسياساته.
العنف اليوم هو عنف تكفيري وعنف صدامي بالدرجة الاساس.
التكفيريون صدام الذي جاء بهم وزرعهم في هذا البلد، والآخرون جاءوا ليطوروا هذه البذرة، والعنف الصدامي هو عنف وليد بالكامل من ظروف النظام السابق.
فهذا العنف ليس وليد اليوم وليس من آثار العملية السياسية والحكومة الفعلية اليوم، وإنما الشعب العراقي لا زال يعاني من جراح كان منشأها النظام السابق.
ولكن لو تسائلنا ماذا قدمت الجامعة العربية لهذا الشعب وهو ينزف دما منذ ثلاثين عاما؟ هل وقفت معه بقضية! هل طالبت له بحق! هل طرحت له مظلومية! هل استقبلت شخصية معارضة في عقود طويلة! لم يستقبل احد.
ولكنهم اليوم وفي ظل النظام المنفتح التعددي الديمقراطي الذي لا نعهد له مثيلا في دولنا العربية العزيزة، اليوم في كل يوم وفي كل آن يستقبلون وفود المعارضة فيما يتثاقلون عن الحضور والمشاركة او حتى الاستقبال لوفود الحكومة وللشخصيات ذات التأثير الكبير في العملية السياسية العراقية.
وايضا ما يثير الكثير من علامات الاستفهام ان السيد عمرو موسى تحدث عن اشياء كثيرة ولكنه لم يتحدث عن الارهاب في العراق، عن المشكلة الاساسية في هذا البلد، وهذه واحدة من اهم تحدياتنا، ان هناك تجاهل مع ان هذا العنف ليس عنف على اجندة سياسية معينة، العنف التكفيري يأتي من نظرة عمياء، ومن حقد كبير، ومن عداء مطلق لكل ابناء الشعب العراقي، ولاحظتم كيف ان المفخخات بدأت تتحرك في الآونة الاخيرة في الرمادي وفي الفلوجة وتكريت مع الاسف الشديد وتقطع اشلاء ابناء شعبنا واعزاءنا ليسقطوا شهداء في تلك المناطق ايضا.
اذا العنف التكفيري لا يأتي على اجندة سياسية حتى نجلس ونتصالح معهم، والعنف الصدامي يأتي على خلفية استعادة الحكم وليس على خلفية المشاركة السياسية، وهذا ايضا عنف لا يمكن ان نتعاطى معه.
نحن نتعاطى مع اولئك الخارجين عن القانون الذين يحملون السلاح للوصول إلى مشاركة سياسية، فنجلس معهم ونحاورهم ونعطي لهم فرص المشاركة حتى يكفوا، اما العنف التكفيري والعنف الصدامي فهم غير واردين في مشروع المصالحة الوطنية.
ملاحظة اخرى: ان العنف المتبادل انما بدأنا نلحظه بعد استهداف مرقد الامامين العسكريين، ولكن قبل هذا الحدث وعلى مدار ثلاث سنوات العنف كان يشمل طرفا واحدا وجهة واحدة، لابد ان اسأل معالي الامين العام للجامعة العربية اين مواقف الجامعة العربية في عشرات الالوف من الشهداء الذين تقطعت اشلائهم من دون وجه حق! اين الموقف! اين الاجراءات التي اتخذت! ماذا عملت الجامعة العربية لهؤلاء الضحايا وهي اليوم تتحدث بهذا المنطق مع الاسف الشديد.
نحن قلنا ونكرر دوما باننا لسنا مع الاقتتال الداخلي، ونرفض بقوة أي اعتداء واساءة على أي من العراقيين، ونحن مع حل المليشيات، وان يبقى السلاح بيد الحكومة وحدها، ولكن هذا يتطلب اجماعا عربيا اسلاميا من كل دول المنطقة، عالميا على مساعدة العراقيين لوضع حد للارهاب والعنف الذي يعصف في البلاد، وهذا سيسحب كل ذرية من شأنها ابقاء السلاح بيد هذا او ذاك من الناس.
حينما يكون هناك عنف يعصف بالبلاد، وحينما تعجز القوات المتعددة الجنسيات من توفير الامن للمواطنين، فماذا يمكن ان نقول للناس سلموا اسلحتكم ليقتلكم الارهابيون واحدا بعد الآخر هذا ليس امر منطقيا.
نحن نطالب التعامل بحزم مع الارهاب وملاحقة الارهابيين، ونعتقد ان الدول العربية العزيزة علينا بامكانها ان تقدم الكثير في هذا المجال.
وايضا لابد ان نشير إلى ان المليشيات لابد من التعامل العادل اتجاهها، اما ان نحجز اناس ونجعلهم في دائرة اخرى ليحملوا السلاح ويقتلوا الناس ونقول هؤلاء مقاومة فيما نركز على مجموعات اخرى تحمل السلاح هذا ليس امرا صحيحا .
نحن مع حل المليشيات ولكن على ان تكون كل المليشيات، تحت كل المسميات، تسلم سلاحها وتنخرط في العملية السياسية ولا يكون سلاحا بيد الناس وانما يحصر السلاح بيد الحكومة من دون توفير غطاءات معينة ليقال هذا مقاوم وهذا نريد ان نشركه ونتصالح معه فليحتفظ جماعة بالسلاح وليسلم جماعة سلاحهم، هذا ليس شيئا صحيحا وليس معقولا.
وهنا يتبين ان الدول العربية العزيزة علينا يمكن ان يكون لها دور بناء وايجابي في اسناد ودعم المشروع السياسي في العراق، ومساعدة العراق والعراقيين من خلال الضغط والتشجيع لتلك المجموعات التي طالما حرضت وتحرض على العنف والقتل واراقة الدماء في العراق، وتوفر الغطاءات السياسية والاعلامية وحتى الشرعية عبر فتاوى التكفير وغيرها من مستلزمات تمكن الارهابيين والمسيئين ليتمادوا في ظلهم واستهدافهم لابناء شعبنا.
اما موضوع تعديل الدستور اوغيرها من القضايا فنعتقد ان الدستور العراقي نفسه هو الذي وضع آليات مناسبة لمثل هذه الامور والقرار اولا واخيرا للبرلمان العراقي ولابناء شعبنا العراقي البطل.
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يحفظكم ويرعاكم ويتقبل منكم اعمالكم وزيارتكم لسيد الشهداء كما نسأله سبحانه وتعالى ان يتقبل ادعية المؤمنين هذه القلوب الطاهرة الزاحفة نحو كربلاء الحسين في بناء عراق آمن مستقر ونشد على يد الحكومة الموقرة على ان تنهض وتعالج الاشكاليات التي يعاني منها المواطن العراقي على المستوى الامني او الخدمي او غيرها من الامور وعلى امل ان نجد العراق الذي يعيش فيه كل العراقيين بسعادة وعزة وكرامة ورفاهية
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
https://telegram.me/buratha