تراجعت هيئة الإعلام والاتصالات أمس الأحد، عن قرارها السابق بمنع عشرات وسائل الإعلام من مزاولة عملها بمبرر عدم تنفيذها كافة القوانين والضوابط، ومنحتها فرصة أخرى لتسوية متعلقاتها الرسمية.
وتتالت ردود الأفعال الرسمية والإعلامية على القرار، ففيما اعتبرت لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب، أن اتخاذ قرارات بشأن وسائل الاعلام المخالفة يكون من حق الهيئة بموجب قانون بريمر، الا أنها انتقدت قراراتها بشأن غلق عدد من الفضائيات بسبب برنامج "مسيء"، أو صحفي "مقصر"، مشيرة الى استضافتها الهيئة اليوم الاثنين، لبيان الأسباب الحقيقية.
وفي الوقت الذي عبر فيه عدد من الإعلاميين عن استغرابهم من "القرار المفاجئ"، وتجاوزه "للقنوات الرسمية"، اتهموا الهيئة بعدم الاستقلال، ودعوا البرلمان الى تجميد عملها، وإعادة هيكلتها.
ففي لقاء مع "العالم" أمس الأحد، برر سالم مشكور عضو مجلس الامناء في هيئة الاعلام والاتصالات، المسألة بأنها "تصفية للاوضاع المالية والقانوية لعدد كبير من المحطات التي تبث بدون تراخيص، وهي 39 محطة اذاعية وتلفزيونية من مختلف التوجهات والمناطق الجغرافية تبث دون ترخيص، وهذا لا يمكن ان يحدث في أي دولة، وقد وجهت دعوات لهم لتسوية حسابهم خلال شهرين، حيث لم يستجب الا القليل، وهناك اجراءات كان من الضروري اتخاذها"، مشيرا الى أنه "وكبادرة حسن نية لاثبات دور الهيئة في دعم ومساندة بعض القنوات للالتزام بالقانون تم اليوم (امس) اتخاذ قرار لدعوة جميع هذه المحطات الى مراجعة الهيئة بأسرع وقت لتسوية اوضاعها المالية والقانونية والفنية".
وأوضح مشكور أن "القرار اتخذ قبل قليل، وسيتم ابلاغ تلك الوسائل الاعلامية به، وهناك بيان صدر بهذا الشان، وقد تم التنسيق مع الجهات المعنية في هذا الشأن"، مبينا أن "اغلب هذه المحطات تعمل منذ سنوات بدون ترخيص ولم تستجب لدعوات الهيئة لمراجعتها، كما أن هناك عددا من القنوات مرخصة، لكنها لم تجدد رخصتها منذ سنوات، والهيئة جهة منظِّمة، وليست قامعة".
ونفى "وجود أبعاد سياسية وراء القرار، وأن الموضوع يجري تضخيمه لاعتبارات سياسية، عبر استغلال الأزمة الحالية، الا أن عملنا مهني اجرائي وتنظيمي فقط".
بدورها، ذكرت بتول فاروق النائب عن التحالف الوطني وعضو لجنة الثقافة والاعلام في مجلس النواب، في حديثها مع "العالم" أمس، أننا "اليوم (أمس) كنا في اجتماع لمناقشة المسألة، واطلعنا على الملفات التي ارسلت لنا من قبل هيئة الاعلام والاتصالات، ونحن بدورنا وجدنا أن بعض القنوات لديها مشاكل مالية ورسمية، ونحن مع تنظيم هذا الموضوع، إذ لا يمكن تجاهل القوانين والضوابط"، مؤكدة أن "من حق الهيئة اتخاذ قرار بشأنها، بموجب قانون بريمر رقم 65، لكنا كنا غير مقتنعين بغلق بعض القنوات من أجل برنامج واحد مثلا، رغم تسجيل بعض الإساءات".
وأضافت فاروق أن "يوم غد (اليوم) سنستضيف هئية الاعلام والاتصالات، من اجل بيان الاسباب الموضوعية للامر، فنحن غير مقتنعين بالكامل بإجراءاتها"، لافتة الى أننا "لدينا ملاحظاتنا، وسنتخذ القرار الملائم في هذا الشأن، كما لا نقتنع بكتاب وزارة الداخلية المرسل الينا بشأن تحريف بعض الصحفيين للاخبار الأمنية، إذ أن المحاسبة تكون ضد الشخص المقصر وليس الوسيلة الإعلامية".
أما زياد العجيلي رئيس مرصد الحريات الصحفية، فوصف في حديثه مع "العالم" أمس، الاسباب "بغير المقنعة"، معتبرا أن "الهيئة تخوض أزمة غير موفقة، وتسيء لها وللسلطات".
واتهم العجيلي الهيئة "بعدم الاستقلال، بالرغم من وجود صحفيين محترفين داخلها، الا أن أغلب أعضاء الهيئة ومدراء اقسامها، ليسوا بصحفيين، وعلينا التركيز حول كيفية إدارتها دون"، داعيا "البرلمان العراقي لتجميد عملها ثم هيكلتها من جديد، بسبب خلقها أزمات متتالية، وحصر المناصب فيها للإعلاميين المستقلين فقط، حتى لايكون هناك فجوة بين الهئية والمؤسسات الاعلامية".
وأوضح أن "الهئية تتعامل وكأنها جزء من السلطة التنفيذية، ولا تتمتع باستقلالية كاملة، كون أغلب أعضاءها معينين من قبل السلطة التنفيذية"، مبينا أن "النظام الداخلي للهيئة يقر بدعم حرية الصحافة، كونها مسؤولة عن تطوير المؤسسات الاعلامية العراقية".
وشكك العجيلي "بالدوافع المادية للقرار، باعتبار أن للهيئة أموال طائلة استحصلتها من شركات الاتصالات، ومستخدمي الترددات الأخرى، ولم تدعم بتلك الأموال المؤسسات الاعلامية، وإنما تطالبهم بضرائب، فقرارها هذا يرسل رسائل واضحة بأنها قادرة على إيقاف بعض وسائل الإعلام التي يعتبرونها معارضة، وقد لاحظنا بأن القائمة تخلو من القنوات الموالية للحكومة"، مرجحا تراجع "الهيئة عن قرارها بسبب انتساب أعضائها بشكل غير قانوني، ولم يصوت عليهم البرلمان، فضلا عن عدم وجود قانون ينظم عملها".
من جهته، ذكر صلاح النصراوي عضو مجلس ادارة راديو سوا المشمول بقرار الإيقاف، أن "الهيئة كانت دائما ترسل لنا خطاباتها عبر موفد معين أو من خلال البريد الالكتروني، ونحن نلتزم بكافة الضوابط التي تصدرها، الا أن الشيء الغريب في التبليغ الأخير أنه لم يجر عبر قنوات رسمية معمول بها سابقا، وإنما عن طريق الإعلام وعبر مواقع معينة"، منوها أن "جميع المؤسسات الاعلامية حذرة وتعمل على تنفيذ كافة الاجراءات القانونية بشكل سليم".
وناشد النصراوي، في حديثه مع "العالم" أمس، الهيئة "بتقديم إيضاح حول إجراء المنع"، مؤكدا "منع إذاعة سوا في 5 محافظات، والشيء الغريب هو هل أن هناك هيئة اعلام في كل محافظة"، مشيرا الى أن "قرار الهيئة يأتي في إطار التصعيد الاعلامي، أو انها ربما تتعرض لضغوطات من طرف أو اخر". وأبدى تفاؤله بشأن "قرارها الجديد منح المؤسسات بعض الوقت"، معتبرا أنه "إجراء مرن يساعد في حل الازمة".
ومن جانبها اعتبرت نسرين بهجت عضو الهئية الادارية لراديو الناس "كلام الهئية عن عدم وجود رخص للبث، غير دقيق لأنها لا تمنح ترددا للبث دون استحصال الرخصة"، منوهة أن "القرار يحتاج الى دراسة أكبر قبل اتخاذه، بدليل أن وزارة الداخلية رفضت تنفيذ القرار بالقوة حسب ما وصل لنا من وسائل الاعلام الاخرى".
وأشارت بهجت في حديثها مع "العالم" أمس الى أن "الهيئة سبق وان قامت بهذا الفعل قبل سنتين، وارسلت كتاب تسديد المستحقات وكان غير مدروس تماما، ما دعاها لمراجعة القرار"، مستغربة من "هذا القرار المفاجئ الذي أربك حركة الإعلام، رغم منافاته للدستور في المادة 38 التي تكفل حرية الرأي والتعبير والاعلام الصحافة".
وتابعت "على جميع وسائل الاعلام التي درج اسمها في هذا القرار، الاجتماع واستنكار هذا الفعل، إذ أن ذلك لا يمكن أن يمر مرور الكرام، فهو يندرج في إطار محاولة تكميم أفواه المواطنين".
https://telegram.me/buratha

