جلسة عاصفة أخرى لمجلس محافظة نينوى، تجادل فيها الأعضاء بين مؤيد للحوار مع إقليم كردستان، بشأن ما وصفوه بتجاوزات "البيشمركة" الكردية على مناطق داخل المحافظة، وبين معارضين أصروا على تدويل القضية، وإشراك الأمم المتحدة لفك الاشتباك بين الجانبين.
وهكذا خرجت الجلسة الدورية 114، بمقترح لمفاتحة الأمم المتحدة، ورئاستي مجلس النواب والوزراء العراقيين، ورئاسة إقليم كردستان، والمنظمات الدولية الإنسانية، من أجل العمل على ايقاف ما عبر عنه المجلس بـ "انتهاكات البيشمركة" في مناطق ملحقة إداريا بنينوى.
نائب رئيس مجلس المحافظة دلدار زيباري، قال في الجلسة 114 التي بدت وكانها رسالة الى محافظ نينوى، إن "قوات البيشمركة تقوم بخرق القانون في قضاء سنجار وبعشيقة ومخمور، ومناطق أخرى بعضها ضمن حدود مدينة الموصل، وتحد من حرية المواطنين هناك، بمنعهم من البناء على أراض خاصة بهم، سواء كانت عقارا سكنيا أو تجاريا.
وتابع زيباري، في الجلسة التي اطلعت "العالم" على تفاصيلها أمس الأربعاء، ان "الدستور المقترح لأقليم كردستان، والمعروض على برلمانه، يتضمن مادة رئيسية تشير الى أن المناطق الواقعة ضمن حدود نينوى الادارية، مشمولة بأن تلحق بإقليم كردستان، وهذه المناطق هي أقضية تلعفر والحمدانية وتلكيف ومخمور، ونواحي بعشيقة وزمار وآسكي كلك"، مشيرا الى أن "الواقع على الأرض يؤكد ذلك، من خلال السياسة التي تتبعها قوات الاقليم المسيطرة عليها، مستندة الى مبدأ المظلومية لما قام به النظام السابق من تغيير ديمغرافي في مناطق معينة، غير أنها الان تنتهج نهجه، وتغير ديموغرافيا المناطق التي تسيطر عليها".
ويضيف نائب رئيس المجلس، أن "هذه القوات تفرض حالة من اللا استقرار في تلك المناطق، وحالة من العداء بين الأهالي، وصار من المستحيل أن تتعايش فيما بينها، ما سيؤدي الى مشاكل مستقبلية كبيرة".
وكانت نتيجة الانتخابات المحلية في نينوى العام 2009، قد اسفرت عن فوز قائمة الحدباء الوطنية برئاسة المحافظ الحالي أثيل النجيفي، بأغلبية المقاعد في مجلس المحافظة، وبالتالي استحوذت على جميع المناصب الرئيسية فيه وفي الحكومة المحلية، الأمر الذي ادى الى انسحاب اعضاء قائمة نينوى المتآخية الإثني عشر، من الجلسة الأولى، ودخلوا في مقاطعة مستمرة لغاية الآن، وانضم إليهم رؤساء 16 وحدة إدارية مع مناطقهم، وهكذا عرفت تلك المناطق بالمتنازع عليها، أو الخاضعة إلى نطاق المادة 140 من الدستور العراقي.
ودخل بعض ممثلي قائمة الحدباء الوطنية المقربين من النجيفي، منذ نحو عام، في مفاوضات غير مباشرة مع قائمة نينوى المتآخية، برعاية الأمم المتحدة، اعلن عن فشلها في نهاية الامر، وسط اعتراض ورفض كبيرين من باقي ممثلي قائمة الحدباء، وأبرزهم عبد الله حميدي الياور؛ رئيس حركة العدل والاصلاح.
هذا كله قبل أن يفاجيء اثيل النجيفي الجميع، ويلتقي في زيارة غير معلن عنها مسبقا الى محافظه دهوك، رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني، ويبدأ من هناك صفحة جديدة مع الاقليم، قال إنها تصب في مصلحة الوضع العراقي العام. وسرعان ما اثمرت تلك الزيارة عن انفراج نسبي في العلاقة بين المحافظة ووحدات نينوى الادارية، وبدأ المسؤولون هناك وللمرة الاولى بزيارات الى محافظة نينوى، والجميع بات يتحدث عن عودة وشيكة لممثلي نينوى المآخية الى مقاعدهم في مجلس المحافظة، ولكن مجلس محافظة نينوى عقد جلسة غاضبة، استضاف فيها المحافظ، وتسارع خصومه الى رفضهم لقاء رئيس الاقليم، وطالبوه بتوضيحات، لتجاهله المجلس وذهابه الى دهوك دون علمه، او موافقته.
النجيفي كسب جولة المجلس تلك، وارتفعت اسهمه في الشارع الموصلي، الذي عبرت معظم شرائحه عن رغبة حقيقية في التحاور لانهاء الخلافات والمشاكل، وتوحيد الصفوف من أجل توفير الخدمات والبدء بحملة اعمار حقيقية، وهكذا حصل المحافظ على الدعم والمساندة.
الجلسة الجديدة أظهرت كسابقاتها، خلافا واضحا، بين الشركاء السابقين في قائمة الحدباء الوطنية، فالأعضاء الممثلون عن كتلة العدل والاصلاح، أكبر الشركاء المنشقين عن قائمة الحدباء (11 مقعدا)، يطالبون بـ "مغادرة قوات البيشمركة الوحدات الادارية التابعة لنينوى، قبل الدخول في أي حوار مع اقليم كردستان"، وهذا هو سبب انفراط عقد قائمة الحدباء، بعد اتهامات وجهوها للمنسق العام اثيل النجيفي، بداعي تقديمه تنازلات قالوا إنها "انحراف عن المبادئ التي دخلوا على أساسها ضمن القائمة". ومن بين هؤلاء مسؤول لجنة الزراعة في مجلس المحافظة نواف تركي الفيصل، الذي طلب من رئاسة المجلس "توثيق جميع التجاوزات التي تقوم بها القوات الامنية الكردية في اقضية ونواحي نينوى، وإرسالها بكتب رسمية الى الجهات المسؤولة في الحكومة العراقية المركزية".
أما عبد الرحيم الشمري؛ مسؤول لجنة الامن والدفاع في المجلس، فدعا خلال الجلسة، إلى "توجيه كتاب الى حكومة اقليم كردستان، يعبر فيه المجلس عن رفضه لممارسات البيشمركة التي تشبه ممارسات النظام السابق، من قتل وترحيل واعتقالات"، منبها إلى أن "حكومة الأقليم ربما لا تعلم بما تفعله القيادات المحلية الكردية في مناطق داخل نينوى".
ورأى محمد شاكر الغنام، الممثل عن الحزب الإسلامي في المجلس، أن "يتم تشكيل لجنة تضم ممثلين عن المحافظة ومجلس المحافظة، تقوم بزيارة اقليم كردستان، للتباحث مباشرة مع الاقليم لحل جميع المشاكل العالقة".
وأيد عضو المجلس سالم عرب ما ذهب إليه الغنام، مؤكدا أن "التشنجات لن تؤدي الى أي حلول، والمخاطبات بين المجلس والحكومة المركزية لم تأت بنتيجة طوال السنوات الماضية، وان الطريقة الصحيحة تتمثل بالحوار المباشر مع الاقليم، قبل إدخال اي طرف آخر، عراقيا كان أم أجنبيا".
إلا أن العضو الممثل عن كوتة الشبك قصي عباس، اشترط قبل الدخول في أي حوار مع اقليم كردستان، أن "ترفع الاخيرة تجاوزاتها عن مناطق نينوى"، فيما استغربت زميلته في المجلس لمياء الدباغ "أطروحات بعض زملائها في المجلس، برفض الحوار والتفاوض مع اقليم كردستان"، وأكدت أن المجلس "مر بتجربة البرود وعدم التفاوض مع الحكومة المركزية، وكانت النتيجة تراكم المشاكل، وتجاوزات كبيرة على نينوى، لكن بالحوار والمناقشة، وزيارات قام بها أعضاء المجلس الى بغداد، ولقائهم رئيس الحكومة نوري المالكي، تم تذليل كثير من المشاكل، وتحققت كثير من المكتسبات".
واستدركت الدباغ بالقول إن "رفض البعض في المجلس للغة الحوار سببه سياسي، وليس كما يقولون مصلحة أهالي محافظة نينوى".
ردة فعل المحافظ جاءت قوية على المعترضين، وقال إن "التقارب بين الحدباء والمتآخية شيء طبيعي لمناقشة المشاكل العالقة والتخلص منها، ومن المؤسف أن بعض السياسيين دخلوا عالم السياسة وهم لا يفهمون شيئا عنها". وتابع النجيفي "خيارنا الأول والأخير أن نسير بالجماهير نحو الأمام، ولاسيما بعد خروج الاحتلال من أرضنا، وأنا أرفض دعوات البعض الى الدخول في صراعات مع اقليم كردستان".
وأشار النجيفي إلى أن "عداءات شخصية، تدفع البعض إلى رفض التقارب مع إقليم كردستان، وأنه وبحكم وظيفته كمحافظ، من واجبه التعامل مع الجميع، والأكراد إخواننا وسيبقون كذلك".
وختم المحافظ بالقول "زمن الصراع انتهى والآن جاء زمن البناء، والاستفادة من تجارب إخواننا في الجنوب والشمال، من خلال طي بعض الصفحات، رغم أننا ما زلنا متمسكين بالحدود الإدارية للمحافظة".
https://telegram.me/buratha

