انتقد مختصون الحكومة ومجلس النواب على حد سواء، بسبب الأزمة التي أشعلتها مطالبات حكومية بالطعن في المحكمة الاتحادية بقرار الموازنة التي عدلها مجلس النواب مؤخرا ،من دون الرجوع الى مجلس الوزراء.
وفيما اعتبروا ان قضية الطعن التي تجري لأول مرة في تاريخ العراق ستؤخر إطلاق الموازنة كاملة، أكدوا ان من شأن الاستجابة لطلبات التعديل ان يمنح الحكومة دورا أكبر من دورها التنفيذي، مقللين من شأن تأثير ذلك على الاقتصاد الوطني بسبب عملية الاطلاق الجزئي للميزانية، في حالات تأخر إقرارها النهائي.
وقال الخبير المالي الدكتور هلال الطعان، إن "الطعن بالموازنة بهذه الطريقة لم يحدث سابقا في كل الموازنات التي مرت على تاريخ العراق الحديث، فهو مشروع خطير يضر البلاد والعباد، ويؤثر على قطاعات كبيرة من الشعب"، محذرا من "نفاد الوقت ونهاية السنة المالية من دون انجاز يذكر، باعتبار أن تأخرها سيؤثر على خطط الدولة لانجاز المشاريع الاستثمارية".
وأوضح الطعان، في مقابلة مع "العالم" أمس الأحد، أن "الموازنة متأخرة اصلا، فهي لم تقر الا بعد مرور نحو شهرين على بدء العام، وعملية الطعن واعادتها الى البرلمان، واستمرار السجال السياسي وتواصل تلك التجاذبات ربما سيدخل العراق في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، إذ لا توجد دولة واحدة في العالم، بما فيها الأسوأ أوالاكثر فوضى بين الدول، أخرت موازنتها الى الشهر الثالث".
واستغرب الخبير المالي "الخطوة التي قام بها البرلمان حين أجرى عددا من التعديلات على الموازنة، من دون الرجوع الى مجلس الوزراء"، مبينا "صحيح أن المادة 62 من الدستور تعطي صلاحية الى النواب لإجراء المناقلة والتخفيض بين أبواب وفصول الموازنة، الا أنه كان لا بد من اطلاع مجلس الوزراء على تلك التعديلات".
وانتقد الخبير المختص في شؤون الموازنات العامة، اعتراض البرلمان على قضية الدفع الآجل، في حين صوت على شراء السيارات المصفحة، بمعنى ان أعضاء البرلمان لم يعيروا أهمية لـ 25 في المائة ممن هم دون خط الفقر، إضافة الى 17 في المائة من العاطلين عن العمل"، واعتبر أن "التصويت على هذه المناقلة المجحفة هي التي أدخلت الشارع العراقي في هيجان كبير".
وأضاف أن "العراق لديه إمكانية كبيرة في التسديد والتعويض، فلماذا يلغى الدفع الاجل، خصوصا وأن العراق مقبل على زيادة في الطاقة الانتاجية والتصديرية للنفط، ولاسيما نحن نشهد صعودا في الأسعارظ"، مؤكدا ان "بلدا تمكن من استيفاء 120 مليار دولار من مجموع 140 قادر على استيفاء المبالغ التي ستكون بذمته".
وبشأن البعد السياسي للقضية، ناشد الطعان "مجلس النواب بالعمل لا على أساس التقاطع مع عمل الحكومة، بل أخذ دور الشريك معها لأنه ممثل للشعب، وهو الذي فوضه وأعطاه الحق في تسيير أموره"، لافتا الى أن "كل الأطراف الحكومية والبرلمانية سائرة في مركب واحد، ومن الواجب عليهم النظر الى مصلحة الشعب، والغاء الفقرات التي جاءت في صالح النواب والمسؤولين على حساب الشعب".
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور ميثم لعيبي، في حديثه مع "العالم" أمس، أن "الامور تسير في طريق الطعن لدى المحكمة الاتحادية، إذ أن عدم المصادقة على اقرار الموازنة الحالية من قبل رئاسة الجمهورية لن يجدي نفعا، بسبب المادة الدستورية التي تقر بضرورة توقيع رئيس الجمهورية خلال 15 يوما، والا تعد مقرة بشكل آلي وينبغي تطبيقها، لذلك ذهبت الحكومة الى الطعن لدى المحكمة الاتحادية، وهناك مواقف وتجارب سابقة تدل على أنها تتخذ قرارات في صالح الحكومة بشكل عام، الأمر الذي يعني أن مجلس الوزراء سيستحصل قرارا يقضي بالتعديل لصالحه".
ونبه لعيبي إلى أن "التأخير الذي سيحصل حينها لن يكون بسبب المحكمة بقدر ما يتعلق بعودة الموازنة الى البرلمان مرة أخرى، الامر الذي ربما يؤجل الاقرار النهائي لها فترة شهر الى شهرين، اذا ما سارت الأمور بهذه الطريقة".
ولفت لعيبي الى أنه "ليس من الشائع أن توافق أو ترفض الحكومة الموازنة التي يقرها الشعب عبر ممثليه النواب، بل الشائع هو العكس تماما وهو أن تقدم الحكومة الموازنة للبرلمان والأخير هو من يقرها، أما جريان الامور بهذه الطريقة، فإن ذلك يوحي لك بأن الحكومة تلعب دورا يتجاوز الدور التنفيذي الى ما يشبه التشريعي، وهذا ليس صحيحا بغض النظر عن الاسباب".
وبخصوص انعكاس ذلك على وضع الدولة بشكل عام، قلل الخبير الاقتصادي من أهمية ذلك على اعتبار وجود مادة قانونية تقضي بإطلاق جزء واحد من 12 جزءا من الموازنة شهريا فيما لو تأخر إقرار الموازنة بشكل تام"، لافتا الى أن "الذي سيتوقف هو الزيادات والاضافات التي اقترحت هذا العام فقط".
وخلص لعيبي الى أن "عدم إقرار الموازنة على هذا المنوال يبين التلكؤ في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، إضافة الى انخفاض المصداقية، وانعدام الشفافية لدى الأطراف الحكومية والنيابية، بفعل حصول اضطراب وخلل في التوقيتات المرسومة للموازنة"، منوها "صحيح أن الأمور ستسير في النهاية، الا أن ذلك يعني أن خللا ما يحكم العقد الاجتماعي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية".
https://telegram.me/buratha

