بدأ العراق مفاوضات وصفت بـ"الهادئة" لشراء طائرات اميركية مقاتلة، وانظمة دفاع جوي بقيمة مليارات الدولارات، وهي صفقة تأمل واشنطن في أن تساعد على الوقوف بوجه التاثيرات الايرانية، وتقوي بشدة الروابط مع بغداد بعد انسحاب القوات الاميركية، حسب ما ذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال) امس الثلاثاء.
وكانت بغداد جمّدت خططها لشراء 18 مقاتلة متطورة من طراز "أف 16"، في وقت سابق من العام الحالي، بعد ان حولت احتجاجات ما سمي بـ "الربيع العربي" في المنطقة، انتباهها الى الاستقرار الداخلي.
لكن مسؤولين أميركيين وعراقيين كبار، يقولون إن العراق عاد لينظر في ضرورات زيادة مشترياته من الطائرة المتطورة، ليصل إلى 36 طائرة.
ويأتي قرار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، في العودة إلى المحادثات بشأن "أف 16"، في أعقاب ارتفاع غير متوقع في عائدات الحكومة النفطية، فضلا عن اقتراب كانون الأول؛ الموعد المقرر لرحيل ما قوامه 46 ألف عسكري أميركي من العراق.
وقد دفع تقاطع المصالح الاميركية والعراقية والايرانية، الولايات المتحدة إلى المراهنة على أن عراقا قويا سيخدم استقرار المنطقة، ويكبح طموحات إيران، لكن للمالكي وحكومته ذات الأغلبية الشيعية، علاقات ودية مع النظام الإيراني الثيوقراطي، على الرغم من أن البلدين خاضا حربا خلال عقد الثمانينيات.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين ترجيحهم أن يدعم مجلس النواب الأميركي طلب توسيع الصفقة العراقية، لكنهم يتوقعون طرح تساؤلات صعبة في البداية، مفادها أن إعطاء أسلحة أميركية للحلفاء الضعفاء، بيّن في الماضي كيف أنها آلت إلى أيد غير صديقة، كما حدث في ايران غداة الثورة الاسلامية العام 1979.
وتعاظم قلق مسؤولين اميركيين من تاثير طهران المتزايد في السياسة العراقية، وهم يرون أن اي صفقة مبيعات ستتطلب من بغداد تدابير امنية مشددة حول طائرات "اف 16"، للحيلولة دون نقل هذه التكنولوجيا الاميركية الحساسة.
ولم تحدد قيمة المشتريات العراقية حتى الان، حسب ما قال مسؤولون عراقيون واميركيون للصحيفة، لكن الاتفاق الاولي الذي ابرم الخريف الماضي بين الولايات المتحدة والعراق على شراء 18 طائرة، كان بقيمة احتمالية تصل الى 4 مليارات دولار، تتضمن أيضا قطع غيار، وبرامج تدريب واسلحة ذات صلة.
واذا ما قرر العراق شراء ما مجموعه 36 طائرة، اي ما يشكّل سربين من الطائرات المقاتلة، فان تكلفة الصفقة قد تصل الى مليارات الدولارات التي تزيد عن المبلغ الاولي، تبعا للمفاوضات مع شركة (لوكهيد مارتن) المصنعة للطائرة، علما أن هذا المبلغ لا يتضمن تطوير انظمة الدفاع الجوي، التي يمكن ان تضيف مليارات اخرى إلى القائمة.
وتنتظر البنتاغون منذ شهور قرارا للمالكي، يسمح بموجبه ببقاء بعض القوات الأميركية في العراق، إلى ما بعد نهاية العام الحالي، لسد الثغرات الكامنة في قدرات قوات الامن العراقية.
لكن من غير الواضح حجم الدور الذي ستلعبه الطائرات الجديدة، او كيف يمكن ادخالها الى الخدمة بسرعة، بسبب طول مدة انتاجها، والحاجة الى توفير طيارين عراقيين يتمتعون بالتدريب الكافي.
وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا، الذي التقى المالكي في بغداد أمس الأول الاثنين، ردد الكلام عن تزايد احباط الولايات المتحدة من الايقاع البطيء لصناعة القرار في بغداد، بشأن مستقبل الوجود الأميركي العسكري، مع اقتراب الموعد المقرر للرحيل، حتى أنه قال أمام القوات الأميركية، قبيل الاجتماع "اللعنة، اتخذوا قرارا".
ويقول صفاء حسين الشيخ، نائب مستشار الامن الوطني العراقي، إن القرار اتخذ بالتحرك باتجاه محادثات بشأن مضاعفة كمية الطائرات، لأن تحسين الدفاعات العراقية الجوية يشكل اولوية لدى الحكومة العراقية.
ويوضح الشيخ "كي نبني قوة جوية، فإننا بحاجة الى سنوات عديدة لتكون فاعلة، ويجب ان نبدأ في مرحلة معينة"، مضيفا ان "شراء هذا الطائرات، سواء كان عددها 18 او 30 او اكثر، لا يعني انها ستكون فاعلة في غضون سنة واحدة".
أما اللواء ناصر العبادي، نائب رئيس الاركان بوزارة الدفاع العراقية، فيذهب إلى أن الاسراب الجوية، وحال تسلمها، ينبغي ان توضع في موقعين من البلد. ويتطلع العراق الى قاعدة بلد الجوية في محافظة صلاح الدين شمال بغداد، وبعدها الى قاعدة الامام علي الجوية في الناصرية جنوب العراق.
ويشير المسؤولون العراقيون إلى أن العراق سيشتري في المرحلة الأولى من الصفقة المقترحة، سربا واحدا من "أف 16" على دفعتين، على أن تتضمن المرحلة الثانية شراء السرب الثاني، فضلا عن معدات الإسناد الأرضي، والرادارات وأنظمة الدفاع الجوي الأخرى.
وقد سبق للكونغرس الاميركي ان وافق على صفقة طائرات "أف 16" الأولى، لكنه سيحتاج الى تصديق اي مشتريات كبيرة اضافية.
وتحظى طائرات "أف 16" بتصدير واسع، وهي مصممة لاعتراض طائرات معادية وشن هجمات على اهداف ارضية، وطالما كانت في قائمة المعدات المفضلة لدى الجيش العراقي، الذي اعاد ببطء بناء اسطوله الجوي بمساعدة اميركية منذ غزو العام 2003 الذي اطاح بنظام صدام.
الميجر جنرال جيفري بوكانن، المتحدث باسم القوات الاميركية ببغداد، نسب التغير في موقف العراق من شراء الطائرة، إلى ارتفاع غير متوقع في عائدات النفط العراقية في الشهور الستة الاولى من العام الجاري، الذي رأى انه اضاف على الاقل 10 مليارات دولار لخزينة الحكومة.
وقال بوكانن ان قرار تجديد المحادثات، استند ايضا الى حقيقة ان العراق "ينظر بشدة الى قدرات جاهزيته، وأحد معايير هذه القدرات يتمثل بالحاجة الى القدرة على حماية المجال الجوي".
ولا يزال العراق يعتمد بنحو كبير على الجيش الاميركي في حماية سمائه، لكن من شأن شراء طائرات "أف 16"، أن تسهم في دعم دفاعات البلد الجوية، ومن شأنها أيضا ان تعزز برنامج تعاون عسكري وثيق بين البلدين.
وبإمكان العراق ايضا ان يستعمل الطائرات في مهاجمة اهداف ارضية في حربه ضد المسلحين على ارضه، لكن الأمر سيتطلب توافر طيارين عراقيين متدربين جيدا، وتوفير وقت كاف لتعلم تكتيكات الطائرات واسلحتها، كما ستكون هناك حاجة الى توافر اطقم ارضية لإدامتها، حسب المعايير العالية، لتجنب التعرض لمشكلات في ادائها او مستوى امانها.
وفضلا عن طائرات "أف 16"، يطلب العراق انظمة دفاع ارضية، تتضمن صواريخ "ارض جو"، ومدافع مقاومات أرضية ضخمة، ترتبط بنظام متكامل من الرادار والقيادة والسيطرة.
واختتمت الصحيفة تقريرها بقول مسؤول كبير بوزارة الدفاع الاميركية ان هدف العراق يتمثل في انشاء نظام يوفر للبلد "سيادة جوية شاملة"، مضيفا أن من شأن هكذا نظام أن يمكّن العراقيين من إسقاط أي طائرات معادية من الأرض، فضلا عن الدخول في معارك جوية مع طائرات معادية.
https://telegram.me/buratha

