تواجه مدينة الموصل مستقبلا غامضا، ولاسيما مع استعداد القوات الأميركية لمغادرتها، وسط توترات متواصلة تعصف بمجتمعاتها الإثنية والدينية، فضلا عن انعدام الخدمات الذي يسهم في زيادة سخط الموصليين.
وتذهب صحيفة (واشنطن بوست) في تقرير نشرته أمس الأحد، إلى أنه على مدى أغلب فترات العقد الماضي، تبدو ثالث اكبر مدينة عراقية بشعور كأنها سجن كبير، فالاسلاك الشائكة تلتف في كثير من شوارعها، فيما سكانها يتجنبون النظر في عيون بعضهم بعضا، جراء انعدام الثقة بين العرب والاكراد.
وتقول الصحيفة ان الاسلاك الشائكة كانت تغلق الاحياء، فيما كانت وحدات من قوات الامن العراقية والجنود الاميركيين يصارعون تمردا سنيا فاعلا، الى درجة ان قائد الشرطة المحلية سلّم ان المتمردين، لا الشرطة او الجيش، هم من ينظر اليهم فتيان المدينة كأبطال.
ومع هدوء تلك المعارك كثيرا، راحت الاسلاك الشائكة تتراجع الان شيئا فشيئا، تاركة معظم الشوراع مغلقة جزئيا. ومثل حال الاسلاك الشائكة، بقيت الموصل مدينة يمكن ان تنسحب الى اتجاه ما، وفوق ذلك هناك مخاوف من الاطراف كلها وسط استعداد القوات الاميركية للانسحاب هذا الشهر من نقاط التفتيش، ليبقوا مع الجنود العراقيين والبيشمركه الاكراد.
ويقول اللواء احمد حسن الجبوري، قائد قوات الشرطة الفيدرالية في المنطقة، الذي تعرض لاطلاق نار وخطف وفجر منزله، في حوادث متفرقة منذ العام 2004 "ليس بالامكان تنظيف الموصل في سنة او سنتين من الارهابيين"، لكنه يستدرك بالقول "يوما بعد يوم تتحسن الامور".
وتعد الموصل موطن مجتمعات سنية وكردية ومسيحية، ومن بين اقدم المواقع الاثارية في العالم والمواقع الدينية. وفي اعقاب انهيار نظام صدام، اثار اشتعال هذه المدينة الى عدم قدرة الاميركيين على كبح التمرد المسلح والانقسامات الاثنية والدينية، التي اجتاحت البلد برمته تقريبا.
وتتابع الصحيفة أن الاشتباكات اندلعت بين الاكراد المسلحين والميليشيات السنية. اما المسيحيون، الذين كانوا محميين الى حد كبير في ظل نظام صدام، فقد وجدوا انفسهم مستهدفين بوحشية على ايدي المتطرفين.
وكان المتمردون والارهابيون من الشدة حتى انهم سيطروا تقريبا على كل مركز للشرطة، وكانوا يقيمون استعراضات عسكرية في الاحياء السكنية، كما قال مسؤولون في الموصل.
ومع ان مستوى العنف تدنى كثيرا، الا ان المغادرة المرتقبة لـ 15 ألف عسكري اميركي او نحو ذلك، ما زالوا متمركزين في المنطقة، دعا مسؤولين في المنطقة الى التحذير من ان محافظة نينوى يمكن ان تعود ثانية منطقة خطرة، فيما يصارع قادة الحكومة العراقية لاثبات ان البلد يستطيع السيطرة على زمام امره.
وحتى الان، تسيطر الفرقة الثانية من الجيش العراقي، وأغلب افرادها من جانب الموصل الشرقي السني، على مناطق واسعة من المدينة، وتنشر بعضا من جنودها في مداخل عدد من الشوارع، فيما تتولى الشرطة الفيدرالية والمحلية حماية الجانب الغربي المتنوع اثنيا.
أما المواقع المشتركة الموجودة في الاحياء، التي تديرها قوات عراقية واميركية، فإن غايتها هي تخفيف التوتر العربي الكردي في المناطق المتنازع عليها الواقعة في مشارف المدينة.
وتضيف الصحيفة أن الموصل حالها حال بغداد، مدينة أخرى في العراق تواجه مستقبلا غامضا، فهي والمناطق المحيطة بها ستشكل اختبارا حقيقيا لقدرة رئيس الوزراء نوري المالكي على الابقاء على السيطرة العسكرية على منطقة حضرية، اذا ما تمكن المسؤولون المحليون من الصمود بوجه الاستياء المتزايد من انعدام الخدمات، وإذا ما قررت أقلية البلد السنية العودة الى السلاح او التدخل للتعامل مع المخاوف من تزايد عزلتهم.
ويقول ديلدار زيباري، نائب رئيس مجلس المحافظة "اذا كان هناك عدم استقرار في نينوى، فلن يكون هناك استقرار في العراق".
لكن القادة العسكريين الاميركيين يرون في الوقت الحاضر، ان الموصل احد الامثلة على جهودهم الناجحة في الشراكة مع مسؤولي قوات الامن العراقية لدعم التدريب، في وقت يكثفون جهودهم لقتل الارهابيين او اعتقالهم.
ويقول اللفتنانت كولونيل جيرالد بوستن، وهو احد قادة فرقة الخيالة الاولى في الجيش الاميركي، التي تسهم في تدريب وحدات الجيش العراقي بالقرب من الموصل، ان "الوضع الراهن سائر حتى الان"، موضحا أنه "كلما شعر الناس بالأمان، يعطون السياسيين الوقت والحيز للعمل".
وعلى الرغم من تضرر كثير من المباني في الموصل بثقوب الرصاص والقنابل، الا ان المتسوقين صاروا ينزلون الى وسط المدينة، بعد أن عادت المحلات التجارية لتفتح ابوابها الى وقت الغسق، وعادت قوات الشرطة والجيش تشعر بالشجاعة.
ويقول فارس عايد (21 عاما)، وهو جندي في الجيش العراقي "قبل اليوم، عندما كنا نريد العودة والذهاب من القاعدة الى البيت، كان علينا ان نسلك الطرق الترابية"، مضيفا "لكننا الان ناخذ الطريق الرئيس، ونركب سياراتنا المدنية للذهاب الى البيت".
مع ذلك، ما زالت الموصل أكثر مناطق العراق خطرا، ما يؤكد صعوبة تقييم طبيعة الحياة الاعتيادية، في بلد مزقته حرب دامت أكثر من 8 سنوات.
وتكشف التقارير اليومية عن العنف في الموصل، عن تواصل التفجيرات المروعة وعمليات الخطف والاغتيالات، وبعضها ينفذ بمكر، حين يعمد الارهابيون الى اقامة نقاط تفتيش وهمية لاعتراض ضحاياهم المطمئنين.
وفي اذار الماضي، قامت قوات الشرطة بانقاذ محافظ نينوى اثيل النجيفي واخيه رئيس البرلمان العراقي اسامة النجيفي، بعد ان كاد متظاهرون يقتحمون المبنى عليهما بسبب انعدام الخدمات.
وقال اثيل النجيفي بعدها ان الجيش، الذي يقع تحت سلطة المالكي، لم يفعل ما يكفي لحماية مبنى مجلس المحافظة.
وازدادت التوترات الشهر الماضي، بعد ان اقترح اسامة النجيفي اقامة منطقة سنية شبه مستقلة في العراق، مماثلة لكردستان، ما أسفر عن اندلاع احتجاجات عمت البلد، ودفع المسؤولين في الموصل بسرعة إلى النأي بانفسهم عن هذه الفكرة، لكن قادة من السنة قلقون من ان البيشمركه الكردية ستحاول فرض مزيد من سيطرتها، حال رحيل القوات الاميركية، وها هو عبد الرحيم الشمري، الذي يترأس اللجنة الامنية في مجلس المحافظة، يقول "قد نواجه متاعب كبيرة".
ووسط استمرار التحديات الامنية، ومناظر ساحات ترعى فيها ابقار وماعز واكوام قمامة بالقرب من شوارع المدينة، ما زال الديبلوماسيون الاميركيون يتشبثون بدور ربما يؤدونه في الموصل إن كان متاحا، في اعقاب انسحاب القوات الاميركية.
وفي اطار خطط متابعة الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في العراق، تخطط الخارجية الاميركية لدعوة ما يزيد عن 17 ألف من ديبلوماسييها ومتعاقديها للحلول محل الجيش الاميركي، إذ خططت الولايات المتحدة مبدئيا لافتتاح قنصلية في الموصل، كما فعلت الاسبوع الماضي في البصرة.
لكن السفير الاميركي جيمس جيفري قال ان تلك الخطط معلّقة الان، وسط امور تتعلق بالميزانية والمخاوف الامنية.
وتابع جيفري "هناك جملة من المسائل، من بينها ديمومة" هذه الجهود، مضيفا "الان نذهب الى الموصل ونرى ما فيها".
https://telegram.me/buratha

