كشف رئيس هيئة النزاهة القاضي رحيم العكيلي، إحصائيات الذين تمت مساءلتهم قضائيا خلال هذا العام، فيما نفى وجود نية حقيقية لدى العراق للقضاء على الفساد، معتبرا إستراتيجية الحكومة في مكافحته حبرا على ورق.
جاء ذلك في جلسة حوارية بالمجلس العراقي للسلم والتضامن، انتقد فيها العكيلي سيطرة السياسيين على المشاريع.العكيلي ابتعد عن الجانب النظري، وركز على الجانب العملي اعتمادا على تجربته في متابعته الفساد وعمله في هيئة النزاهة.وفرّق العكيلي بين معرفة طريق محاربة الفساد و عدم الخوض في مكافحته، وقال "نحن نعرف طريق مكافحة الفساد لكن لا نريد أن نتخلص منه رغم إمكانية القضاء عليه خلال خمس سنوات".
ملامح القضاء على الفساد يحددها العكيلي بـ 3 أدوات أساسية، ذاكرا "أن الأول يتعلق بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب لاسيما في المواقع القيادية"، مستدركا "ما يحدث هو وضع الشخص الموالي في المكان المناسب، لا على أساس الطائفة والمذهب، إنما المحاصصة الحزبية"، رافضا الحديث عن وجود محاصصة طائفية، ناقلا عن عضو لجنة النزاهة البرلمانية صباح الساعدي قوله "الموجود محاصصة مغانمة حيث توزع مؤسسات الدولة بين الأحزاب وفق ما تنتجه من مغانم،
أما الحديث عن تبني إستراتيجية في مكافحة الفساد يوضح العكيلي إنها "وضعت وأقرت منذ آذار من العام الماضي ولكن العبرة ليس بوضعها إنما بتنفيذها وبالتالي هي حبر على ورق".وذكر رئيس هيئة النزاهة "أن النزاهة لا تستطيع بمفردها الحد من الفساد"، متسائلا "كيف تتم ملاحقة 500 مدير عام فاسد من بين 600 موجودين في العراق؟"،
مشيرا إلى أن قاعدة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب من اختصاص السلطتين التنفيذية والتشريعية.أما الأساس الثاني، بحسب العكيلي "الشفافية"، مستبعدا إمكانية مكافحة الفساد دون وجودها، وقال "لازالت الدولة تعمل خلف الأسوار العالية ولا يعرف احد ما يدور في داخلها"، متابعا "أقنعنا الجهات التنفيذية بنشر كل ما يثار حوله لغط في الإعلام، كإيفادات كبار موظفي الدولة"، داعيا إلى نشرها بعد صدور أمر من الأمانة العامة لمجلس الوزراء موجه إلى الوزارات بهذا الصدد.فيما عرج العكيلي على الأساس الثالث "المساءلة"، ويشدد على أنها عدد من العناصر يجب تفعليها، وهي كل من القضائية والشعبية، وهذه الأخيرة تركت آثارا كبيرة من خلال ما شهدته البلاد من تظاهرات كونها لا تعتمد على الدليل فضلا عن أنها واجبة الاستجابة.
وتابع أن 26 بالمئة من المحالين إلى المحاكم يخرجون لعدم كفاية الأدلة، متوقعا أن يكون الجزء الأكبر من هذه النسبة مفسدين، معربا عن أسفه لعدم إمكانية النهوض بالمساءلة البرلمانية إذا ما استمر الوضع السياسي على ما هو عليه حاليا، أما المساءلة الرئاسية فلا يمكن أن تكون دون وجود قادة أكفاء نزيهين مؤمنين بمكافحة الفساد.ووجّه رئيس هيئة النزاهة انتقادات لاذعة إلى نظام الانتخابات كونه حجّم من الرقابة الانتخابية،
مبينا "أن النظام الانتخابي الموجود في العراق وضع لإعادة انتخاب الأحزاب السياسية ذاتها التي كانت في السلطة"، واصفا مساءلة وسائل الإعلام بالأكثر فعالية من غيرها.وينفي العكيلي وجود أسس علمية تم من خلالها قياس الفساد في العراق، باستثناء الاستبيانات التي تعد لقياس حجم تعاطي الرشوة كونها أكثر أنواع الفساد وضوحا في دول العالم،
مشددا على أن الرقم المعلن في الفساد اقل من الموجود فعلا بكثير.وينقل العكيلي عن تقرير أعدته هيئة النزاهة في مدة الستة أشهر الماضية ويقول "إن عدد المطلوبين للهيئة بأوامر قبض أو استقدام من قاضي التحقيق 3318 متهما موظفا منهم بدرجة مدير عام فأعلى و6 تهم بدرجة وزير"، متابعا "في حين أحيل إلى المحاكمة 1777 متهما منهم 56 من مرشحي الانتخابات، وتهمهم تتعلق بتزوير الشهادات، و 66 شخصا بدرجة مدير عام فما فوق، و10 بدرجة وزير"، أما عدد الذين تمت محاكمتهم، بيّن العكيلي أنهم 627 شخصا تم الإفراج عن 101 منهم لعدم كفاية الأدلة، في حين أُدين 479 متهما بنسبة 76،5 بالمئة من المحالين ضمنهم 3 بدرجة وزير و 27 بدرجة مدير عام فما فوق. واشار العكيلي إلى أن خير مثال عن عمق وخطورة الفساد في العراق هو "تمديد العقود" والذي تمت مناقشته في اجتماع المفتشين العموميين،
مبينا أن "تمديد العقود" لا تبدو من النظرة الأولى إليه، أية مشاكل، متابعا "انه جهة معينة في الدولة تتعاقد مع القطاع الخاص لانجاز مشروع معين خلال فترة معينة وفي حال عدم الانجاز في المدة المنصوص عليها في العقد يتحمل المتعاقد غرامة تأخيرية والتي إذا ما وصلت إلى نسبة عشرة بالمئة من قيمة العقد سيتم حينها سحب المشروع وتحمل المتعاقد كامل التبعات القانونية".
رئيس هيئة النزاهة يشدد على أن المقاول في اغلب الأحيان لن ينفذ المشروع في المدة المنصوص عليها، إلا أن التبعات القانونية لن تفرض عليه بسبب حصوله على تمديد من قبل الجهات المختصة، معربا عن أسفه لـ"بقاء المشاريع لسنوات عدة دون تنفيذ، مع بقاء السلفة التشغيلية لدى المقاول والتي قد تصل إلى مليارات الدنانير ويعفى من الغرامات التأخيرية"،
واصفا ما يجري في بعض مشاريع بالـ"نكت"، وقال "في إحدى المشاريع تم الاتفاق على أن ينجز خلال 6 أشهر، إلا أن صاحب المشروع حصل على تمديد لمدة 24 شهراً".كما زاد العكيلي "أن محطة كهرباء النجف الغازية ضمن المشاريع السريعة التي جرى التعاقد عليها عقب مشاكل الكهرباء التي حدثت في 2008"، متابعا "تم التعاقد مع شركة لبنانية لانجازها خلال مدة 8 أشهر"، مستدركا بالقول "نحن الآن في السنة الثالثة ولم ينفذ سوى 38 بالمئة منه بالرغم من أن سعر انجاز المشروع مرتفع على أساس السرعة". وعن أسباب تمديد العقود يعلل العكيلي "إما أن يقوم المتعاقد بإرشاء صاحب القرار أو المحيطين به"، مضيفا "أو أن تكون الشركة التي أحيل لها المشروع تعود للمسؤول المعني باتخاذ قرار التمديد أو لمسؤول آخر متنفذ في الدولة وبالتالي سيكون في حماية من المساءلة القانونية"، مؤكدا وجود حالات عديدة يكون فيها صاحب المشروع والذي إما أن يكون المشروع باسمه علنا أو باسم احد أقربائه.
وشدد رئيس هيئة النزاهة على أن أسوأ ما يمر به العراق حاليا هو الجمع بين التنفيذي والسياسي والمقاول، وقال "إن جميع رؤساء الكتل أصبحوا وزراء وأصبح الأمر طبيعيا وهم في الوقت عينه مقاولون، منوها إلى أن الحل يكون من خلال النظام المنصوص عليه في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد "نظام تعارض المصالح" الذي يمنع من استخدام النفوذ لتحقيق مصالح وهو غير موجود في العراق،
مشيرا إلى أن مشروع قانون مكافحة الفساد ينطوي على نظام متكامل لتعارض المصالح، يمنع فيه قيام من هو بدرجة مدير عام فأعلى اتخاذ قرار يصب في مصلحته أو زوجه أو احد أفراد أقاربه حتى الدرجة الرابعة، مضيفا أن الأمر سيحد وبشكل نهائي من تعيينات الأقارب.
ويرى العكيلي أن تمديد العقود إخلال بقواعد التنافس، موضحا "من المفترض أن تقوم قواعد العقود العامة على أساس المناقصات والمزايدات من اجل فرض اكبر قدر من التنافس للمتقدمين إلى العطاء والتي أهمها مدة التنفيذ"، متسائلا "كيف نعطي تمديدا للذي فضل على غيره بسبب سرعة الانجاز؟".
https://telegram.me/buratha

