يبدو أن الانقسامات في العراق قد تعمقت بعد الحكم الصادر بإعدام صدام حسين ويبدو أن ما سيخلد في ذاكرة الكثيرين ليس أحداث حياته وحكمه أو مماته، بل قرار الولايات المتحدة تنحيته من السلطة بغزو عسكري.ويقص الصحافي الأميركي بوب وودوارد، في كتابه الثالث عن إدارة جورج بوش في الحرب، تحت عنوان 'دولة الإنكار'، رواية قصها الأمير بندر بن سلطان الذي كان سفير السعودية لدى الولايات المتحدة.
ويتذكر الأمير بندر محادثة أجراها صدام حسين مع الملك فهد العاهل السعودي السابق بعد استيلاء مجموعة من المتطرفين على المسجد الحرام في مكة في عام 1979 . وقد تم القبض على المتمردين وألقي بهم في السجن، وكانت هذه نصيحة الرئيس العراقي آنئذ 'برأيي لابد من أنك ستقتل الخمسمائة جميعا، هذا مؤكد.. استمع لي جيدا يا فهد، كل من له أخ أو أب في هذه المجموعة اقتلهم، وإذا كان لهم أبناء عمومة ممن تعتقد أنهم من النخوة أن يحاولوا الثأر، اقتلهم'. 'هؤلاء الخمسمائة أمرهم محسوم، ولكن لابد أن تنشر خوف الله في كل ما ينتمي إليهم، هكذا فقط تستطيع أن تنام ليلا'. ويبدو أن هذا كان التكتيك الذي استغله صدام في الدجيل عام 1982، حينما قتل 148 شخصا بعد تعرضه لمحاولة اغتيال. وهي الجريمة التي حكم عليه بالشنق بسببها.
تعميق الانقساماتبعد ساعات قليلة من اعتقال صدام عام 2003 قال بول بريمر، الذي كان في ذلك الوقت الحاكم الأميركي للعراق، بلهجة المنتصر 'لقد أمسكنا به' وسط صيحات الابتهاج والهتاف. بل وتم إنارة برج المراقبة في مطار البصرة بكلمات بول بريمر. وفي تلك الأثناء كان الأمل أن يؤدي اعتقال صدام حسين إلى توجيه ضربة قاصمة ل'حركة التمرد' في البلاد، ولكن ذلك لم يحدث.
وبعد نحو ثلاث سنوات تماما من ذلك التاريخ، السؤال المطروح ليس ما إذا كانت إدانته وإعدامه المرجح سيؤدي إلى خفض وتيرة القتل في العراق، ولكن إلى أي مدى قد تتصاعد هذه العمليات وقد ضربت الحرب المعقدة المتشرذمة جذورا عميقة. كذلك عمقت المحاكمة، والحكم الصادر، من الانقسامات في البلاد.
تبعات الحربوقد قدم الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي يواجه بصورة شبه يومية عواقب قراره 'الكارثي' بغزو العراق، المحاكمة على أنها إنجاز للديمقراطية العراقية والحكم الدستوري. وبعد الخبرة الصعبة للأميركيين خلال السنوات الثلاث الماضية فإن الحكم على صدام ليس بالأمر الذي يهون كثيرا من عسر الموقف أو يحسن من آفاق المستقبل.
وخارج المكتب البيضاوي، حيث يتخذ الرئيس الأميركي قراراته، يتنامى إجماع في واشنطن بأن الأميركيين لم يعد لديهم خيارات جيدة هناك. وربما وصل إلى طاولة الرئيس نفسها الشعور الملح بأن الأمر صار خيارا بين درجات مختلفة من الصعوبة والكارثة.
وسينتهي آخر أثر لحكم صدام الذي كان يوما راسخا في العراق، بتنفيذ حكم آخر، أغلب الظن هو حكم الإعدام، ولكن في الشرق الأوسط - وفي العالم بشكل عام- الإرث الأهم ليس هو حياة صدام أو مماته، بل قرار إبعاده عن السلطة .
البي بي سي
https://telegram.me/buratha