بغداد/ اور نيوز
أبدى اقتصاديون وسياسيون عراقيون مخاوفهم إزاء التقرير الأخير لمنظمة الشفافية العالمية الذي أعلنت فيه حصول العراق على المرتبة الثانية في قائمة أسوأ الدول في استشراء ظاهرة الفساد الإداري والمالي في مؤسساته الحكومية، بعد دولة ميانمار، ودعوا الحكومة إلى اخذ نتائج التقرير على محمل الجد، والعمل السريع لإيجاد الحلول الناجعة للقضاء على هذه الآفة التي تنعكس آثارها السلبية على الشعب العراقي.
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور علي المانع: "إن للفساد علاقة بالتخلف في أداء المؤسسات العمومية، والبطء في عملية التنمية، وتفاقم ظاهرة الركود والتضخم الاقتصاديين، إضافة إلى أنه يندرج في نطاق العمل الإجرامي، وتترتب عليه عقوبة، لكونه يعد خروجا على القانون من أوجه عديدة، أهمها الإثراء على حساب المال العام".
وأضاف: "إن ما يؤسف له أن تصل الأمور إلى هذه المرحلة، وبدلا أن يعلن العراق بلدا يستثمر وارداته لصالح شعبه، تكون النتيجة انه من ضمن مثلث الدول التي حطمت الأرقام القياسية لظاهرة الفساد الإداري".
وأوضح المانع: "إن على المسؤولين أن يعلموا أن الفساد يؤدي إلى فقدان الشرعية بالنسبة لنظام الحكم، حيث تصبح النخبة الحاكمة جراء انتشاره مسلوبة الإرادة، لذا ينبغي التخلص منها، لكي لا تنهار الدولة ويتمزق المجتمع".
ودعا إلى: "إيجاد الحلول الناجعة للقضاء على اخطر الآفات التي تنعكس على الشعب العراقي، والبدء من الآن بحزمة إجراءات لملاحقة المفسدين ومعاقبتهم".
وأشار الباحث مختص بالشؤون الاقتصادية حسن كريم ملاّ إلى: "أن الفساد استغلال وإساءة استعمال الوظيفة العامة من أجل مصلحة شخصية، فهو يحدث عندما يقوم الموظف العمومي بطلب رشوة مقابل خدمة عامة كان من المفترض أن يؤديها مجانا، بحكم كونه موظفا يتقاضى راتبا مقابل تلك الخدمة، وبالتأكيد هذا أدنى مستويات الفساد المالي والإداري".
وأضاف: "إن نتائج التقرير الدولي تكشف أن الفساد اتخذ صورا أبشع مما كان يتوقع الجميع، إذ أن وضع العراق في التصنيف، بعد دولة غير معروفة، يبين نقطة خطرة يجب ملاحظتها، وهي إمكانية أن يصبح الفساد سلوكا عاديا ويتقبله المجتمع، وبالتالي تتحول مشكلة الفساد إلى عقبة مزدوجة.. لذا فان حلها بيد الحكومة وحدها".
وناشد ملاّ المسؤولين "إعطاء دور اكبر وصلاحيات أكثر لهيئة النزاهة العامة، بعد أن تجاوزت هذه المشكلة مسألة الأرقام المالية".
إلى ذلك قالت المدرسة في كلية الإدارة والاقتصاد إيناس حداوي: "إن الفساد يشكل عقبة في وجه العديد من الدول التي تريد تحقيق معدلات مرضية في مجال التنمية، وهو مشكلة تحتاج إلى معالجة سريعة، فهي غير قابلة للتأجيل وتتطلب شجاعة كبيرة وإرادة صادقة لمحاصرتها، حتى لا يتفاقم الوضع ويفضي إلى ما لا تحمد عقباه، فالعراق بلد خيرات لا تقف عند حد، وهذا الواقع يفرض العمل من اجل الوطن والمواطنين".
وأوضحت حدّاوي: "أن المسالة تحتاج إلى تعاون المواطن والثقاة من القائمين على الخطط المركزية مع الحكومة التي، بصراحة، لا تستطيع أن تقضي بمفردها على الفساد المستشري فيها، خاصة في ظل الظروف الحالية".
وبينت: "إن البرلمان العراقي يمكن أن يصبح وسيلة رقابة ناجعة على أعمال الإدارة، وأن يكون البرلمانيون على مستوى كبير من التطلع لخدمة ناخبيهم، والقدرة على متابعة مختلف مراحل القرار الإداري بحنكة ودراية بأساليب تقنيات المراقبة".
ودعا الخبير الاقتصادي معن الصالح إلى: "تفعيل أجهزة الرقابة، خاصة هيئة النزاهة، وديوان الرقابة المالية، ورفدها بالوسائل المادية والبشرية التي تمكنها من أداء مهامها، بما في ذلك تقنيات الرقابة الحديثة وتدقيق الحسابات وتشكيل لجان كفوءة للمشتريات والمخازن، وتفاصيل العمل ذات العلاقة في دوائر الدولة".
وقال: "إن نتائج التقرير تثير تساؤلات ومخاوف كثيرة لتعلق الأمر بالمال العام، والذي يدفع إلى التخوف أكثر، هو أن تتحول الدولة إلى راعية للفساد".
إلى ذلك، وجه أكاديميون ونشطاء في منظمات مدنية انتقادات للفساد في مؤسسات الدولة، معتبرين أن رواتب النواب التي وصفوها بالضخمة وشهادات بعضهم المزورة تعد احد أشكال الفساد في البلاد، داعين إلى مواجهة الفساد عبر تقوية المؤسسة القضائية.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة صلاح الدين، شيرزاد النجار إن "آخر تقرير لمنظمة الشفافية الدولية يشير إلى أن الفساد ينخر ثلاثة أرباع العالم والعراق"، داعيا إلى "معالجة مشكلة الفساد وفق البرامج والمساعدات وتقوية القضاء والحكم الصارم ضد المفسدين".
وأضاف إننا "اليوم في العراق نجد ظواهر للفساد بعدة أشكال، منها امتيازات أعضاء البرلمان العراقي الضخمة والشهادات المزورة، ونحن نسير عكس الديمقراطية، بسبب الفساد والاختلاس"، مستدركا "بسبب مشاكل العراق المعقدة لا يمكننا القضاء على الفساد بل نستطيع مكافحته، وعلينا العمل جميعا من اجل التوعية والتنبيه بمخاطره".
وكان التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2009 أظهر أن دول العراق والسودان وبورما احتلت المرتبة الثالثة، من حيث نسبة الفساد في العالم، فيما احتلت الصومال المرتبة الأولى في التقرير وتبعتها أفغانستان، فيما اعتبر التقرير الذي يغطي 180 دولة أن "الدول التي تشهد نزاعات داخلية تعاني من حالات فساد فالتة من أي رقابة، فضلا عن نهب ثرواتها الطبيعية، وانعدام الأمن والقانون فيها".
الباحث الاميركي من اصل عراقي عباس كاظم وهو خبير في شؤون الامن القومي طرح تساؤلات مشروعة عن مدى تمكن العراق من ارساء الديموقراطية وسيادة القانون، وترويج التنمية الاقتصادية والبشرية وسط ظروف تجعله ثالث أسوأ بلد في العالم من حيث الفساد في 2006 و2007 و2008، ورابع اسوأ بلد في العام 2009؟..
وذكر مركز "كارنيغي للسلام" ذكر في تقرير له ان الفساد السياسي واستغلال السلطة ينبعان من الكثير من مكامن الخلل البنيوية، مشيرا الى ان "المالكي كان يشيح بنظره عما يجري، وحتى عندما كان فساد الوزراء كبيرا جدا"، مستنتجا ان "عجز آليات الدولة العراقية الجديدة عن تقديم الحقائق والتعاطي معها ليست الا فعلا مناقضا لجوهر الديموقراطية".
https://telegram.me/buratha

