30 اعتقلوا بعد مهاجمة موكب صدام عام 1982 لم يعد منهم 7
الدجيل (العراق): كين إلنغوود وابراهيم الدجيلي *
على مدى أجيال ظلت عائلة محمد تتعطش الى العدالة لكنها ام تتجرأ على تصور طعمها. واول من أمس بدات العائلة تودع غضبا استمر 24 عاما، ان لم يكن ذكريات التعذيب والقتل التي ادين بها صدام حسين وحكم عليه بالاعدام.
وقال علي حسن محمد، 38 عاما، الذي كان فتى عندما تعرضت عائلته الى الاعتقال على يد رجال صدام «لم افكر ابدا بأنني سابقى لكي اظهر كيف ان صدام كان جائرا ومستبدا مع عائلتي. ولكن كان يجري تذكيري دائما بالقول المأثور من أنه سيأتي يوم للطاغية اسوأ من ذلك الذي حل بالضحايا».
وكان علي، وشقيقه أحمد، بين ما يزيد على 30 من أفراد العائلة ممن اعتقلوا بعد محاولة اغتيال صدام حسين في هذه المدينة في الثامن من يوليو (تموز) عام 1982. وبعد سنوات كثيرة علم الشقيقان بان اشقاءهما السبعة قتلوا على يد نظام صدام، وشهد الرجلان في وقت لاحق في محاكمة صدام التي انتهت يوم أول من أمس بالحكم بالاعدام على الرئيس السابق واثنين من المتهمين في قتل 148 من أهالي الدجيل التي تقطنها أغلبية شيعية.
وروى احمد، 39 عاما، الذي كان في الخامسة عشرة عندما اعتقل مع والديه وأشقائه وثلاثة من شقيقاته، تفاصيل عن سلسلة الأحداث. وتحدث عن رؤية حقل من الجثث النصف مغطاة لجيرانه وعن رؤيته وهو في المعتقل ما بدا ماكنة طحن عليها شعر ودم. وقال بالهاتف بعد حضور جلسة اصدار الحكم في بغداد ان «عقوبة الموت ليست كافية للانتقام من صدام، ولكنها العقوبة القصوى. انها لا تعوض عن الأحبة الذين فقدناهم».
وفي بلد حيث كثير من الناس استبشروا بحكم الاعدام، وهم يطلقون الرصاص وأصوات منبهات السيارات، ربما لا يوجد مكان آخر اكثر من هذه المدينة الزراعية الواقعة شمال بغداد والتي تضم 78 ألف نسمة لديه المبرر لمثل هذا الاحتفال. فمباشرة بعد ان اطلق رجال مسلحون النار على موكب صدام حسين عام 1982 رد النظام بوحشية وسرعة، وفقا لتقارير السكان. وحلقت طائرات الهليكوبتر منخفضة لتطلق نيرانها على البيوت. وجاءت البلدوزرات لتسوي البساتين. وانتزع المئات من المواطنين، بينهم صبيان ونساء حوامل من بيوتهم خلال عملية اعتقال جماعي ادت الى محاكمات صورية واعدام كثيرين. ومات بعض المعتقلين تحت التعذيب اثناء التحقيق، وأطلق سراح البعض في وقت لاحق وكان بينهم المتبقون على قيد الحياة من عائلة محمد.
وكان علي حسن في الرابعة عشرة من العمر في ذلك الوقت. وشهد اثناء المحاكمة قائلا انه تعرض الى تعذيب بالصدمات الكهربائية ورأى افراد العائلة ينقلون الى بناية مليئة بالجثث المتعفنة في سجن جنوب العراق. وبقي في السجن لسنوات، ولم يعرف الا بعد عقدين من الزمن حين سقط النظام مصير اشقائه المجهول. فخلال حكم صدام طلب أحد رجال الحكم من الناس في الدجيل عدم السؤال عن المفقودين. وقال علي في مقابلة معه قبل صدور الحكم «سألت احدى نسائنا: أين رجالنا ؟ فردوا عليها: لا تفكري بهم ثانية أبدا. لقد اعدموا. ليس لديك رجال بعد اليوم». وكان أحمد، الذي اطلق سراحه، شأن شقيقه عام 1986، يتوقع ان يطلق سراح أشقائه الآخرين عندئذ ولكنهم لم يعودوا أبدا. غير أن آماله عادت عندما أطيح بالنظام بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. وقال يوم أول من أمس «فكرت بأنهم احياء في مكان ما. وبعد سقوط النظام جئت الى بغداد وكنت هناك عند فتح كل سجن بحثا عنهم». وبدلا من ذلك لم يجد سوى ملفات حكومية تكشف عن أوامر اعدامهم. وقال أحمد انه «بعد ذلك قررت ان أكون أول شاهد ضد صدام».
وعلى خلاف شهود آخرين قدموا شهاداتهم من خلف ستارة ظهر أحمد في العلن وهو ينظر بصورة مباشرة الى المتهم بل انه تبادل حديثا حادا مع صدام. وفي الدجيل تجمع أفراد عائلة محمد مع اصدقاء وداعمين لمراقبة جلسة اصدار الحكم في التلفزيون. وعندما أعلن القاضي حكم الاعدام بحق صدام، اهتز البيت. وأطلقت النساء صرخات الفرح، وراحت الهواتف ترن في الحال. وتعاظم مزاج الاحتفال حيث جلبت العائلة المرطبات وقطع الحلوى. وابتعد علي حسن عن الحشد ونداءات الهواتف المهنئة وراح يصلي. كانت صلاته صلاة شكر. ثم توجه الى خارج البيت وبدأ، وهو مفعم بالمشاعر الجياشة، اطلاق الرصاص في الهواء.
* خدمة «لوس انجليس تايمز»
https://telegram.me/buratha