بسم الله الرحمن الرحيم
" إنه من يأت ربه مجرماً فإن له جهنم لايموت فيها ولايحيى"
ياأبناء الشعب العراقي العزيز
لقد كنتم تنتظرون اليوم الذي يقف فيه الجلاد في قفص الإتهام ليحاكم على ماإرتكبت أياديه الآثمة من جرائم بحق العراقيين من جميع الطوائف والمذاهب والقوميات، وها هو اليوم الذي ترون فيه الدكتاتور بعد إلقاء القبض عليه في حفرته الحقيرة ومحاكمته وهو يواجه العقوبة التي يستحقها.
ويؤكد الحكم الذي أصدرته المحكمة الجنائية الخاصة هذا اليوم قوة وإستقلالية القضاء العراقي وقدرته في محاكمة المجرمين والإقتصاص منهم، فالعدالة أقوى من أعداءها والقانون هو الذي ينتصر في نهاية المطاف.
إن حكم الإعدام على مجرم كصدام وأعوانه لايمثل عندي شيئاً كبيراً وإن إعدامه لايساوي قطرة من دم المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر أو الشهيد السيد محمد صادق الصدر أو الشهداء من آل الحكيم وشهداء الدعوة الإسلامية والشهداء العلماء الشيخ عبد العزيز البدري والشيخ ناظم العاصي أو أي شهيد من أبناء العراق من الكرد والتركمان والكلدوآشوريين.
إن الحكم على رأس النظام البائد لايمثل حكماً على شخص إنما على حقبة مظلمة لم يشهد لها تأريخ العراق مثيلاً. لقد تعامل القضاء بكل شفافية ونزاهة في محكمة جنائية مع حاكم إرتكب أبشع الجرائم بحق الشعب. لقد أعدم خيرة العلماء و المثقفين والأكاديميين والمفكرين
ويمثل حكم العدالة الصادر اليوم إستجابة لأنين أمهات وآباء وأخوات وأبناء مئآت الآلاف من المعدومين والمسجونين في زنزانات نظام صدام ولعله يقدم بعض العزاء ويكفكف دموع الأرامل واليتامى والثكالى الذين منعوا من إقامة مراسم العزاء وامروا بدفن أعزاءهم سراً وكبت آهاتهم ومشاعرهم الإنسانية وإلزامهم بدفع ثمن رصاصات الجلادين كما تحملوا عقوبات جائرة تمثلت في حرمانهم من أبسط الحقوق الإنسانية كالدراسة والوظيفة حتى الدرجة الرابعة.
من حق ذوي الشهداء وحق جميع العراقيين أن يبتسموا ويفرحوا قليلاً بحكم الإعدام الصادر بحق هذا المجرم وأزلامه ولكن ماذا يعوض إعدامه من خسائر هائلة في الأرواح والممتلكات وهل يعيد الإعدام عزيزاً؟ أم تعوض عالماً ربانياً مثل الشهيد الصدر ومئات الآلاف من الرجال والنساء الأبرار.
إن صدام حسين هو أسوء حاكم في تأريخ العراق فهو الوحيد الذي قتل هذا الكم الهائل من أبناء الشعب كما إن حزبه هو أسوء حزب في تأريخ العراق أيضاً كونه الأداة القمعية التي إستهدفت الشعب العراقي على مدى خمسة وثلاثين عاماً ومايزال يبطش به من خلال العمليات الإرهابية التي ينفذها الصداميون وحلفاؤهم التكفيريون.
هذا المصير هو لكل من تجاوز على حرمة المواطنين وسفك الدماء الطاهرة وإنتهك الحرمات وهذه النهاية المهينة لكل من عرض الوطن إلى سلسلة من المحن والآلام والتمزق والحروب الطائشة التي كادت أن تمزق نسيجه الإجتماعي وسلامة أرضه وهدر ثرواته وتسخيرها على أوهامه وأحلامه المريضة وشراء الذمم والظمائر والأقلام والفضائيات المأجورة.
لاتحصى الأرواح البريئة التي أزهقت في حروبه ومغامراته، في حرب طائشة مرة ضد الجمهورية الإسلامية ومثلها في غزو الكويت إضافة إلى ماكان قد تسبب بإنهيار الدولة ومؤسساتها ودخول البلاد في حالة من الفوضى بعد ماكان المجرمون مقربون منه وبعدما أصبح حزبه حزب البعث قطعاناً من الوحوش والقتلة المتمرسين.
أقول لكل الواهمين من أزلام النظام البائد إن حقبة صدام وحزبه أصبحت من الماضي كما هي حقبة الدكتاتوريين من أمثال هتلر وموسيليني، نحن مصممون على بناءعراق بدون مقابر جماعية ولاأنفال ولاحروب ولاإنقلابات عسكرية ولاقمع لأسباب عنصرية أو طائفية، نريد عراقاً يتساوى فيه العراقيون في الحقوق والواجبات. لقد ولت وإلى غير رجعة سياسة التهميش والإقصاء والتمييز، فالعراق الجديد هو الذي سيكون فيه القانون فوق الجميع، ولن يكون لأي جهة أو فئة الحق في أن تسلب إرادة الآخرين وتتحكم في مصائرهم.
ياأبناء الشعب العراقي العزيز
إننا نرفض رفضاً قاطعاً تصنيف صدام على أي طائفة لأن المجازر التي إرتكبها بحق الشعب لاتشرف أحداً وليس من الحكمة والحصافة أن نضع مكوناً مهماً من مكونات الشعب العراقي وكأنه مدافع عن الطاغية.
إن سجل النظام البائد في مجال حقوق الإنسان يمثل وصمة عار في جباه المدافعين عنه من المحسوبين على القانون حين وضعوا أنفسهم خصوماً للشعب العراقي وتجاوزوا على مشاعره وآلامه في مئآت المقابر الجماعية المنتشرة في طول البلاد وعرضها.
إننا نستغرب أشد الإستغراب من مطالبة البعض لدول أجنبية بالتدخل للإفراج عن الدكتاتور، فالآخرون ليسوا قضاة، والمحاكم العراقية وحدها التي تملك الحق في الحكم على أي متهم أو تبرأته.
ويعد الحكم الصادر على الدكتاتور درسا بليغا لكل المجرمين والإرهابيين الذين ستطالهم قبضة العدالة وسينالون الجزاء آجلاً أم عاجلاً في محاكم عادلة ونزيهة. وأدعو جميع المغرر بهم من الذين لم تتلطخ أياديهم بدماء الأبرياء لإعادة النظر في مواقفهم ومراجعة حساباتهم فالحكومة ليست ضد من يعارضها سلمياً وسياسياً وهي قد فتحت الباب واسعاً أمام الجميع للمشاركة في العملية السياسية من خلال مبادرة المصالحة الوطنية والحوار الوطني التي أطلقناها وحظيت بتأييد القوى السياسية العراقية.
إن حزب البعث مسؤول عن كل الجريمة ولم يكن المجرم صدام ليكون لولا أن تحول البعثيون إلى أسلحة للقتل والتخريب وأقلامهم إلى تقارير تنتهي بالأبرياء إلى السجون والمعتقلات.
ياأبناء قواتنا المسلحة البطلة
أنتم اليوم حراس الوطن وحماته وعيونه الساهرة لتوفير الأمن لأبناءه. إن على جميع الأجهزة العسكرية والأمنية أن تكون على اهبة الإستعداد لحماية ممتلكات الدولة والشعب وأن تتصدى بحزم وقوة لكل من يحاول أن يعبث بأمن وإستقرار البلاد وأن من كل يتهاون في أداء واجبه سيلاحق قانونياً. إن ثقة الحكومة والشعب بقواتنا المسلحة عالية وكبيرة ولن تتزعزع أبداً، فالقوات المسلحة من الجيش والشرطة قد ساهمت في دعم وحماية الإنتخابات وقدمت الشهداء في طريق إقامة المؤسسات الدستورية وتشكيل الحكومة المنتخبة ديمقراطياً. إن حكومة الوحدة الوطنية ترفض بقوة ولن تسمح لأي جهة كانت أن تسيء إلى قواتنا المسلحة أو أن تضعها في خانة الإتهام لأن ذلك من شأنه أن يعرض سيادة البلاد وأمنه إلى مخاطر حقيقية.
ياأبناء الشعب العراقي العزيز
إن الحكم على الدكتاتور الذي يعد إنصافاً لعوائل ضحايا مجزرة الدجيل وإنتصاراً لجميع ضحايا النظام البائد ، يمثل نهاية مرحلة سوداء وبداية مرحلة جديدة لبناء عراق حر ديمقراطي إتحادي يسود فيه حكم القانون ودولة المؤسسات ويتساوى فيه الجميع، فالعراق اليوم لكل العراقيين، يشمخ بعزتهم وترتفع رايته بوحدتهم الوطنية.وقل إعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نوري كامل المالكي
رئيس وزراء جمهورية العراق
5/11/2006
"
https://telegram.me/buratha