يلقي محمد العنبكي، 55 سنة، نظرة أسى إلى قريته "المجدد" شرق بعقوبة، والتي تهدمت بيوتها وتحولت مزارعها لأراض قاحلة، وكأنها خرجت للتو من حرب طاحنة، وحيث لا ماء ولا كهرباء، ولا شيء يوحي بالحياة سوى غرف قليلة متناثرة بنتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين للمهجرين العائدين.
وكان تنظيم القاعدة الارهابي قد قام بتهجير ما يقارب 300 أسرة من قرية المجدد، والتي كان سكانها يعتمدون في معيشتهم على الزراعة، كما قام بتدمير منازلهم وإحراق محاصيلهم الزراعية.
العودة إلى قرية مهدمة ارحم من التهجيرويقول العنبكي العائد لقريته المدمرة بعد رحلة تهجير دامت ثلاث سنوات، من دون أن يجد أي مسؤول محلي يرحب بهم "لم نجد سوى فريق عمل من منظمة اللاجئين كانوا بنوا لنا منازل، إلا أننا لم نجد أي مسؤول حكومي ينتظرنا ليعدنا بأبسط الوعود لإعادة الحياة لقريتنا".
ويضيف رب الأسرة الكبيرة التي تضم 14 فردا لـ"السومرية نيوز"، وهو يجلس على أرضية منزله الصغير، (40 مترا مربعا)، "لقد عدنا إلى قرية المجدد بعد أن تأكدنا من خلوها من عناصر تنظيم القاعدة، ووصول الأمم المتحدة إليها لمساعدة السكان العائدين".
ويمضي المواطن بالقول وملامح الحزن بدت واضحة على وجهه "لقد هربت من قريتي عام 2007 بعد أن قام تنظيم القاعدة الارهابي بقتل اثنين من أبنائي إلى منطقة الخالص، حيث سكنت وأسرتي المكونة من 14 فرداً في بيت أخي، واضطررت إلى أن أعمل في مجال البناء وهو عمل شاق وقاس بالنسبة لعمري".
أما المواطن كمال حسين علوان، 42 سنة، الذي عاد وأفراد عائلته السبعة إلى قرية المجدد للعيش في منزل مؤلف من غرفة واحدة بعد أن هجرها مضطرا في 2007 فيقول لـ"السومرية نيوز"، "قبل أن تسيطر القاعدة على قريتنا، كنا نعيش في سلام سنة وشيعة، وكنا نعتاش على زراعة المحاصيل، لكن في الأشهر الأولى من عام 2007 بدأت القاعدة باستهداف سكان القرية وتهديدهم بالموت إذا لم يتركوها".
ويضيف علوان "لقد أصبت بجراح قاتلة أنا وشقيقي الأصغر عندما قام عدد من ارهابيي القاعدة بتفجير عبوة ناسفة بباب منزلي، وعلى إثرها أخذت زوجتي وأطفالي وهربت إلى منطقة الحسينية، حيث وجدنا منظمة الصليب الأحمر أمامنا وزودتنا بالخيام وعالجوني".
ويتابع قائلاً "عشنا ظروفاً صعبة في منطقة الحسينية حيث بقينا سنة كاملة في المخيمات بدون عمل، واعتمدت في معيشتي على أهل المنطقة الذين ساعدونا كثيراً، وعلى المعونات التي كنا نتلقاها من منظمة الصليب الأحمر الدولية".
ويرى علوان أن عودته إلى قريته المدمرة كليا "أرحم من البقاء مهجراً هو والأسرة في منطقة الحسينية"، مبينا "حين علمت بسيطرة الجيش العراقي على أمن قريتي، عدت إليها مع عدد من الأسر الأخرى، حيث وجدنا أن منازل القرية تم إحراقها بشكل كامل، واضطررنا إلى المبيت لمدة خمس ليال في أحد المنازل المهدمة قبل أن تباشر المنظمة السامية لشؤون اللاجئين ببناء الوحدات السكنية الصغيرة المكونة من غرفة واحدة فقط".
وتشكو أكثر من 90 قرية بمحافظة ديالى تعرضت لعمليات تهجير، من تدمير البني التحتية فيها، وخصوصا مضخات المياه الصالحة للشرب والخطوط الناقلة للطاقة الكهربائية، إضافة إلى تدمير الطرق المعبدة، التي تربط بين قرى شمال شرق ديالى.
السلطات تتجاهل وضعنا المأساوي من جانبه، ينتقد مختار قرية المجدد المحامي عظيم حسن البو حامد، أداء الحكومة المحلية في محافظة ديالى، ويقول البو حامد لـ"السومرية نيوز"، إن "الحكومة المحلية وأعضاء مجلس المحافظة لم يقوموا ولو بزيارة بسيطة لأهالي قرية المجدد العائدين، وأهالي القرى الأخرى، متجاهلين الوضع المأساوي الذي يعانيه العائدون، وخصوصا قلة الخدمات المقدمة لهم".
ويضيف البو حامد وهو مكفهر الوجه "من المخزي أن نجد المنظمات غير الحكومية، كالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين تساعد أهالي قريتنا وتبني لهم المنازل ولا نجد أي مسؤول حكومي يقوم ولو حتى بالسؤال عن احتياجاتنا"، مؤكدا أن "الكثير من الأسر العائدة تعيش تحت خط الفقر، لأن كل ما تملكه قد دمر، حيث تم إحراق أراضيها الزراعية وتدمير منازلها بالكامل".
ويدعو البو حامد المسؤولين في الحكومة المحلية لمحافظة ديالى إلى أن "يقوموا بزيارة قرية المجدد والقرى الأخرى التي دمرت بالكامل جراء الحرب ضد القاعدة، وأن يسرعوا بتقديم الخدمات لها"، محذرا من "احتمالية عودة ظاهرة النزوح مرة أخرى في حال بقاء هذه القرى كما هي عليها ألان مدمرة وتفتقر إلى الخدمات"
وكانت أعلنت لجنة المصالحة الوطنية أن محافظة ديالى حلت في المرتبة الثانية بعد محافظة بغداد، من حيث عدد الأسر المهجرة التي عادت إلى منازلها، وبلغ عددها منذ عام 2007 وحتى عام 2010 نحو 1416 أسرة، لافتة إلى أن عدد الأسر العائدة إلى محافظات واسط وكربلاء وبابل والانبار خلال نفس الفترة بلغ 415 أسرة.
وذكرت اللجنة في تقرير صدر عنها حول عملها خلال العامين الماضيين، أن مجموع الأسر التي هجرت خلال فترة العنف الطائفي خلال عامي 2006 و2007 وعادت إلى منازلها في جميع محافظات العراق حتى عام 2010 بلغت20650 أسرة، وأن أغلب الأسر المهجرة التي عادت كانت في محافظة بغداد، وبلغ عددها 19256 أسرة مهجرة.
كما أعلنت اللجنة عن عودة نحو 20650 أسرة مهجرة من جميع محافظات العراق إلى مناطقها، منذ عام 2007، مشيرة إلى بناء 3172 مأوى للأسر المهجرة في ديالى، فضلا عن تنفيذ 450 مشروعا صغيرا للأسر العائدة في جميع أنحاء العراق.
الوضع الأمني يحول دون وصول المسؤولين للقرى المدمرة من ناحيتها، تعزو رئيس لجنة الخدمات في مجلس محافظة ديالى إيمان عبد الوهاب تجاهل الحكومة المحلية لتلك القرى والمناطق إلى "الوضع الأمني المتدهور، الذي حال دون وصول المسؤولين لتلك المناطق".
وتضيف عبد الوهاب في حديث لـ"السومرية نيوز"، أنه "رغم عدم استطاعتنا للذهاب لتلك المناطق، إلا أننا عملنا بكل طاقاتنا لتوفير الخدمات الأساسية لأهاليها، مثل إرسال خزانات الماء الصالح للشرب وإنشاء وحدات طبية لهم، إضافة إلى منحهم مبالغ مادية لبدء حياتهم من جديد".
وترجع عبد الوهاب أسباب عدم تقديم مجلس المحافظة المساعدات الكافية للمواطنين العائدين، إلى "ضعف الميزانية المالية المخصصة للمحافظة والبالغة 122 مليون دينار عراقي فقط، والتي ذهب أغلبها إلى الديون المترتبة على المحافظة من العام السابق"، مؤكدة أن "مجلس ديالى وضع خطة مستقبلية لأعمار تلك القرى المدمرة، كما اتفق مع عدد من الشركات الأجنبية للمشاركة في عملية إعادة الأعمار، وسيكون دفع مستحقاتها بطريقة الآجل أي الدفع بالتقسيط المريح".
الوحدات السكنية الصغيرة بداية لخطط كبيرة لأعمار قرى ديالى من جهته، يقول مدير المنظمة السامية لشؤون اللاجئين دانيال أندرسن إن "المنظمة وضعت خططاً كبيرة وموسعة لإعادة إعمار القرى المدمرة في ديالى، والبالغ عددها 90 قرية".
ويضيف أندرسون في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "المنظمة تمت دعوتها من قبل لجنة المصالحة الوطنية في ديالى للمشاركة في إعادة تأهيل تلك المناطق حسب الأمر الديواني المرقم 54 لعام 2009".
ويتابع مدير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالقول إن "منظمتنا تعمل بالشراكة مع 100 منظمة محلية أخرى، إضافة إلى العمل بالشراكة مع منظمة اليونيسيف العالمية، لتوفير أكثر من 2000 فرصة عمل للعائدين في تلك القرى وتوفير الخدمات الأساسية لهم ولأسرهم، مثل إعادة أعمار المدارس وتوفير الأجهزة الطبية في المراكز الصحية في تلك القرى"، مشيرا إلى أن "نسبة الأسر التي عادت إلى قراها عام 2009 بلغت 70% من الأسر التي نزحت عام 2007، وهي نسبة كبيرة جدا نظرا إلى الدمار الذي وقع في تلك المناطق من ديالى".
ويشير أندرسن إلى أن "ملف النازحين في ديالى، ملف مهم جداً لذلك فهو يأتي بالمرتبة الأولى بالنسبة لمنظمتنا، لأنه يعطي نموذجاً لإمكانية العودة وبناء الحياة من جديد في المناطق التي دمرت بسبب ازدياد نشاط الجماعات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة وأنصار السنة"، لافتاً إلى أن "الجهد الذي تقوم به المنظمة سوف يستمر إلى أن ترتفع نسبة عودة النازحين لأكثر من 90 %".
ويضيف أندرسون أن "المنظمة السامية لشؤون اللاجئين تسعى لتطبيق ملف ديالى في المحافظات العراقية الأخرى التي عانت من النزوح والعنف"، معربا عن "اعتقاده بأن السنتين المقبلتين ستشهدان عودة أكثر النازحين في جميع مناطق العراق، وليس فقط في محافظة ديالى، إذا توفرت لهم ضروريات المعيشة والخدمات والأمن".
https://telegram.me/buratha

