سوريا - لبنان - فلسطين

في ظلال طوفان الأقصى "23"تعثرٌ عسكري في الميدان وتخبطٌ سياسي في الكيان


د. مصطفى يوسف اللداوي ||

 

مضى على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة سبعةٌ وثلاثون يوماً، وما زالت غاراته الجوية والبرية والبحرية لا تتوقف، بل تزداد وتيرتها، وتتنوع أسلحتها، وتتسع مساحتها، ويتضاعف ضحاياها، وتختلف أشكالها، ومضى على ما يسمونه بــــ"المناورات البرية"، التي لم توقف الغارات الجوية ولا القصف البحري، أكثر من أسبوعين، دخل خلالها جيش الاحتلال عبر أكثر من منطقة إلى شمال ومدينة غزة، واستخدم فيها سلاح المدفعية والدبابات بكثافةٍ عاليةٍ، مستهدفاً بها المدنيين في بيوتهم، واللاجئين في المساجد، والمدارس والمقار الأممية، والمستشفيات والمراكز الصحية.

رغم حشود جيش الاحتلال الضخمة، التي زادت عن 350 ألف جندي وضابط حول قطاع غزة، بالإضافة إلى قوات النخبة وعناصر الوحدات الخاصة، وكثافة العمليات وغزارة النيران، والقصف الأعمى الأهوج، إلا أنه لم يتمكن حتى هذه الساعة من تحقيق إنجازاتٍ ملموسة على الأرض، ولم يتقدم في شمال القطاع سوى بضعة أمتارٍ لا أكثر، وإن كان يتحكم في جزءٍ من شارعي صلاح الدين والرشيد بدباباته التي تقصف من بعدٍ، وتقتل المارة في الشارعين، وتمزق أجسادهم وتحولها إلى أشلاء متناثرة في الشوارع.

ورغم ادعاءاته المتكررة على لسان رئيس حكومته، وجنرالات حربه ووزير دفاعه، أنهم استهدفوا مئات المراكز والمقار القيادية لحركة حماس، وأنهم تمكنوا من قتل قياديين كبار في الحركة والمقاومة، واستطاعوا الوصول إلى بعض الأنفاق ومخازن السلاح، وأحبطوا الكثير من العمليات التي كانت تعدها المقاومة لمفاجأتهم بها، إلا أنهم لم يتمكنوا من نشر صورةٍ واحدةٍ تعزز روايتهم، وتؤكد أخبارهم، وتساهم في رفع الروح المعنوية لجنودهم الذين يقتلون، ومستوطنيهم المحبطين اليائسين، الذين باتوا يفضلون إنهاء العمليات البرية، والاكتفاء بما حققه الجيش، والمباشرة في مفاوضاتٍ جادةٍ عبر الوسطاء الدوليين، والاستعداد لدفع أثمانٍ باهظة مقابل استعادة أسراهم وتحرير جنودهم وعودتهم إلى عائلاتهم وذويهم.

يعلم المستوطنون الإسرائيليون الذين يُكَذِّبون رئيس حكومتهم ولا يصدقونه، ويصفونه بالكاذب الانتهازي، أن جُل ما فعله الجيش وحكومته والجنرالات أنهم دمروا أكثر من 65% من قطاع غزة، ودمروا بنيته التحتية وخدماته المدنية، واستهدفوا كل عوامل الصمود والبقاء، وقصفوا المستشفيات والمراكز الصحية، والمخابز والمحال التجارية، والمساجد والأسواق، ومحطات تحلية المياه وخزاناتها، وقتلوا حتى نهاية اليوم السابع والثلاثين للعدوان مع المفقودين أكثر من ثلاثة عشر ألف فلسطيني، أغلبهم من النساء والأطفال.

وفي الوقت نفسه لم يتمكن وجيشه من الوصول إلى مقار المقاومة وقواعدها، ولم يقض على قدراتها السلطوية، ومراكز السيطرة والتحكم لديها، ولم ينجح في منعها من إطلاق الصواريخ القريبة والبعيدة المدى، التي تغطي الغلاف كله وتصل إلى شمال تل أبيب وأطراف مدينة حيفا، وما زال يقف خائفاً حائراً من قدرة عناصر المقاومة التي تلتف، رغم كثافة القصف، خلف خطوط النار، وتباغت جنوده وآلياته وأرتاله العسكرية بقذائف الهاون والأسلحة الرشاشة، وتدمر كلياً وتعطب عشرات الآليات والعربات والجرافات العسكرية. 

أمام هذا الفشل والإحباط الإسرائيلي على الأرض وفي الميدان، والعجز التام عن الإقدام على خطوةٍ أخرى إلى الأمام، وأمام تزايد أعداد القتلى والجرحى في صفوف جنوده وضباطه، وأمام إصرار الشعب الفلسطيني عموماً وفي شمال القطاع على وجه الخصوص، على البقاء في بيوتهم، والثبات على أرضهم، وعدم مغادرة مناطقهم إلى غيرها أياً كانت، جنوباً أو شتاتاً. 

أمام ذلك كله وغيره مما تنتجه التطورات الميدانية، وتبدلات الرأي العام الدولية، واتساع إطار نار الحرب الإقليمية، تقف القيادة السياسية للكيان الصهيوني بكل أركانها، السياسية والعسكرية، عاجزةً ضعيفة، مرتبكة مضطربة، متلعثمة مرتعشة، تتخبط وتتعثر، لا تثبت عل حال، ولا تستقر على قرار، ولا تتمكن من الإعلان عن أي إنجاز، فتراها أمام الميدان الذي خذلها، والجيش الذي عجز عن تحقيق أهدافها، والمقاومة التي صمدت أمامها، وتمكنت من إيذائها وإلحاق الضرر بها، تتراجع ساعةً بعد أخرى عن أهدافها، وتعيد ترتيب أولوياتها، ولا نستغرب في الساعات القليلة القادمة، نزولها عن شجرة عنادها، وانكفائها عن غطرسة قوتها، وقبولها بالتفاوض والخضوع الذليل لشروط المقاومة.

 

بيروت في 12/11/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (سوريا - لبنان - فلسطين)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
مهدي اليستري : السلام عليك ايها السيد الزكي الطاهر الوالي الداعي الحفي اشهد انك قلت حقا ونطقت صدقا ودعوة إلى ...
الموضوع :
قصة السيد ابراهيم المجاب … ” إقرأوها “
ابو محمد : كلنا مع حرق سفارة امريكا الارهابية المجرمة قاتلة اطفال غزة والعراق وسوريا واليمن وليس فقط حرق مطاعم ...
الموضوع :
الخارجية العراقية ترد على واشنطن وتبرأ الحشد الشعبي من هجمات المطاعم
جبارعبدالزهرة العبودي : هذا التمثال يدل على خباثة النحات الذي قام بنحته ويدل ايضا على انه فاقد للحياء ومكارم الأخلاق ...
الموضوع :
استغراب نيابي وشعبي من تمثال الإصبع في بغداد: يعطي ايحاءات وليس فيه ذوق
سميرة مراد : بوركت الانامل التي سطرت هذه الكلمات ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
محمد السعداوي الأسدي ديالى السعدية : الف الف مبروك للمنتخب العراقي ...
الموضوع :
المندلاوي يبارك فوز منتخب العراق على نظيره الفيتنامي ضمن منافسات بطولة كأس اسيا تحت ٢٣ سنة
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
غريب : والله انها البكاء والعجز امام روح الكلمات يا ابا عبد الله 💔 ...
الموضوع :
قصيدة الشيخ صالح ابن العرندس في الحسين ع
أبو رغيف : بارك الله فيكم أولاد سلمان ألمحمدي وبارك بفقيه خراسان ألسيد علي ألسيستاني دام ظله وأطال الله عزوجل ...
الموضوع :
الحرس الثوري الإيراني: جميع أهداف هجومنا على إسرائيل كانت عسكرية وتم ضربها بنجاح
احمد إبراهيم : خلع الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني لم يكن الاول من نوعه في الخليج العربي فقد تم ...
الموضوع :
كيف قبلت الشيخة موزة الزواج من امير قطر حمد ال ثاني؟
فيسبوك