سوريا - لبنان - فلسطين

في ظلال طوفان الأقصى "20" الدوافع الأمريكية وراء الهدنة الإنسانية الزائفة


د. مصطفى يوسف اللداوي ||

 

فجأةً يعلو الصوت الأمريكي بدعوة الطرفين للقبول بهدنة إنسانية لعدة أيام، يتم بموجبها الإفراج عن خمسة عشر أسيراً إسرائيلياً، مقابل إدخال المؤن والمساعدات وقوافل الإغاثة العربية والدولية إلى قطاع غزة. 

تنشط الإدارة الأمريكية في المنطقة للترويج للهدنة المقترحة، وتشجع الدول ذات الصلة على القبول بها والدعوة إليها، والتأثير على حركة حماس للموافقة عليها والالتزام بها، في ظل تسريبات متعمدة من العدو الإسرائيلي أنه سيلتزم بها إذا التزمت بها حركة حماس، إلا أنه يمهد لعدم الالتزام بها، والعودة إلى القصف والتدمير، بحجة شكه بأن حركة حماس لن تلتزم بها، ولن تفي بوعودها بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين المتفق عليهم.

إنها ليست صحوة ضمير بعد أربعة وثلاثين يوماً من العدوان الإسرائيلي بالسلاح والقرار الأمريكي على قطاع غزة، الذي أحدث فيه دماراً مهولاً وخراباً واسعاً، وأفضى إلى استشهاد ما يربو على الثلاثة عشر ألف شهيدٍ فلسطيني، بالنظر إلى أن المفقودين وعددهم يقترب من الثلاثة آلاف يعدون شهداء، فضلاً عن أكثر من ثلاثين ألف مصابٍ. 

رغم ذلك لم تتحرك الإدارة الأمريكية ولا دول أوروبا لفرض هدنةٍ إنسانيةٍ وإجبار العدو الإسرائيلي على احترامها، بل قامت بعكس ذلك تماماً، إذ أيدت الإدارة الأمريكية ورئيس الحكومة البريطانية استخدام إسرائيل القوة المميتة ضد الفلسطينيين، وزودتا الكيان بأسلحة جديدة وقنابل ذكية وصواريخ فتاكة، لاستخدامها في المعركة ضد قطاع غزة، للتعجيل في حسم الحرب وتحقيق الأهداف المتفق عليها فيما بينهم.

للولايات المتحدة الأمريكية مآرب أخرى من الهدنة المقترحة، آخرها وربما ليس منها أبداً، الحاجات الإنسانية لسكان قطاع غزة، وتجنيبهم ويلات الحرب المدمرة، وتزويدهم بمتطلبات الحياة البسيطة، إذ لا يعنيها السكان ولا تهتم لشأن الفلسطينيين، ولكن يبدو أن الصور المنقولة من أرض القطاع، ومشاهد الدمار وحالات القتل المروعة، حركت الشارع في مختلف الولايات الأمريكية، وبدأ الحراك الشعبي الآخذ في التمدد والاتساع يضغط على صناع القرار الأمريكي، وينذرهم من العواقب الوخيمة لسياسات البيت الأبيض الداعمة للكيان.

يبدو أن استطلاعات الرأي في الشارع الأمريكي تثير قلق وخوف الإدارة الأمريكية والحزب الديمقراطي، من تزايد الأصوات العربية والإسلامية وغيرها التي باتت تنتقد السياسة الأمريكية وتتهمها بمساعدة الكيان وحمايته، وتهدد بعدم التصويت للحزب الديمقراطي، خاصةً أنهم يقفون على بعد سنة واحدة فقط من الانتخابات الرئاسية.

كما تتخوف الإدارة الأمريكية من اتساع دائرة الحرب، ودخول المنطقة كلها في دوامة عنفٍ لا تستطيع السيطرة عليها، في ظل تزايد استهداف قواتها وقواعدها ومصالحها في المنطقة، وهو ما قد يؤثر على دورها ويعطل مصالحها، ويدفع الصين وروسيا لاستغلال تورطها في الحرب لتحقيق أهدافهما الاستراتيجية، سواء بحسم المعركة روسياً في أوكرانيا، أو بتغيير الأوضاع صينياً في تايوان.

كما تشعر الإدارة الأمريكية من خلال مستشاريها العسكريين المشاركين في العدوان على قطاع غزة، أن إسرائيل غير قادرة على تحقيق أهدافها التي أعلنتها، وأنها عاجزة عن تحقيق نصرٍ حاسمٍ ضد حركة حماس، وأن أقدمها تسوخ في رمال غزة يوماً بعد آخر، وفي الوقت نفسه لا تستطيع بيان برنامجها السياسي، وخطتها في القطاع بعد انتهاء العمليات الحربية، مما يجعل المستقبل مبهماً والمغامرة خطيرة.

أمام هذه المخاوف السالفة الذكر وغيرها، التي تدركها المقاومة الفلسطينية وتعلمها، وتعرف خبثها وسوء طويتها، وهي منها حذرة ويقظة، ترى الإدارة الأمريكية أنها قادرة على خداع الشعب الفلسطيني ومقاومته، والدول العربية وأنظمتها، من خلال فرض هدنة تحمل الصفة الإنسانية، تذر من خلالها الرماد في العيون، وتسكت المعارضة وتوقف المظاهرات، وتهدئ الرأي العام الدولي.

في الوقت الذي تقوم فيه بإعادة تموضع الجيش الإسرائيلي في المناطق التي يتواجد فيها شمال القطاع، وتعيد تنظيم صفوفه، وتزويده بالذخائر المطلوبة والخطط المناسبة لمواصلة القتال بعد انتهاء أيام الهدنة المعدودة، حيث تمنى الإدارة الأمريكية نفسها والعدو الإسرائيلي بتحديد أهداف جديدة، ورصد مواقع وشخصيات المقاومة، في ظل حالة الاسترخاء النسبي التي تفرضها الهدنة، وتدفع الإنسان عموماً إلى حرية الحركة والعمل، وهو ما من شأنه أن يساعد في تجديد بنك الأهداف الإسرائيلية.

 

بيروت في 9/11/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (سوريا - لبنان - فلسطين)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
مهدي اليستري : السلام عليك ايها السيد الزكي الطاهر الوالي الداعي الحفي اشهد انك قلت حقا ونطقت صدقا ودعوة إلى ...
الموضوع :
قصة السيد ابراهيم المجاب … ” إقرأوها “
ابو محمد : كلنا مع حرق سفارة امريكا الارهابية المجرمة قاتلة اطفال غزة والعراق وسوريا واليمن وليس فقط حرق مطاعم ...
الموضوع :
الخارجية العراقية ترد على واشنطن وتبرأ الحشد الشعبي من هجمات المطاعم
جبارعبدالزهرة العبودي : هذا التمثال يدل على خباثة النحات الذي قام بنحته ويدل ايضا على انه فاقد للحياء ومكارم الأخلاق ...
الموضوع :
استغراب نيابي وشعبي من تمثال الإصبع في بغداد: يعطي ايحاءات وليس فيه ذوق
سميرة مراد : بوركت الانامل التي سطرت هذه الكلمات ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
محمد السعداوي الأسدي ديالى السعدية : الف الف مبروك للمنتخب العراقي ...
الموضوع :
المندلاوي يبارك فوز منتخب العراق على نظيره الفيتنامي ضمن منافسات بطولة كأس اسيا تحت ٢٣ سنة
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
غريب : والله انها البكاء والعجز امام روح الكلمات يا ابا عبد الله 💔 ...
الموضوع :
قصيدة الشيخ صالح ابن العرندس في الحسين ع
أبو رغيف : بارك الله فيكم أولاد سلمان ألمحمدي وبارك بفقيه خراسان ألسيد علي ألسيستاني دام ظله وأطال الله عزوجل ...
الموضوع :
الحرس الثوري الإيراني: جميع أهداف هجومنا على إسرائيل كانت عسكرية وتم ضربها بنجاح
احمد إبراهيم : خلع الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني لم يكن الاول من نوعه في الخليج العربي فقد تم ...
الموضوع :
كيف قبلت الشيخة موزة الزواج من امير قطر حمد ال ثاني؟
فيسبوك