سوريا - لبنان - فلسطين

في ظلال طوفان الأقصى "19"طوفان الأقصى معركة الحق الأبلج مع الباطل اللجلج


د. مصطفى يوسف اللداوي ||

 

لم ينجل غبارها بعدُ ولم تضع أوزارها، فما زالت الحرب متقدة ونارها مشتعلة، تقتل وتخرب وتدمر، وتجوع وتعطش وتخنق، وتبيد شعباً بأكمله، وتشطب عائلاتٍ كاملةً من سجل الأحياء، وتقصف بحممها الأطفال والنساء وعامة الناس، وتسحقهم تحتها كرحى لا تتوقف عن الدوران، وتتهاوى أمام أعتى أسلحة الحضارة المزيفة وقيم التمدن الكاذبة المباني والمساكن، والمساجد والمدارس، والأسواق والمخابز، ومحطات التحلية وخزانات المياه، وتستمر بجنونٍ ووحشيةٍ كأبشع ما تكون الحروب، وأسوأ ما تكون الأخلاق، وأردأ ما تكون عليه الدول، التي تجيز القتل أو تشارك فيه، وتنصر القاتل أو تحميه، وتعكس المعايير وتقلبها، وتقتل المظلوم وتعاقبه، وتحاصره وتعتدي عليه، وتنكر وجوده ولا تعترف بحقه.

هذه الحرب الضروس التي لم تتوقف ساعةً واحدةً منذ ثلاثة وثلاثين يوماً متواصلة، كشفت عن عوارٍ كبيرٍ في القيم الدولية والمفاهيم الإنسانية، وأظهرت زيف العالم الحر وكذب الدول المتقدمة، وخواء دعاة الحضارة والمنادين بحقوق الإنسان، فظهرت فيها الدول على حقيقتها، وعادت إلى ماضيها الاستعماري، ونزعت القناع الناعم عن وجوهها، وكشفت عن تحالف الظلام واتحاد القتلة، وجمعت معاً تكتل المجرمين أصحاب السوابق، الذين اشتركوا في قتل ملايين البشر، ونهبوا خيرات الشعوب، واستعبدوا الأمم، وفرضوا على المستضعفين قوانين بها سادوا وحكموا، وتحكموا وتغطرسوا، وقلبوا الحقائق إلى أباطيل، واستبدلوا الحق بالباطل، وأعلوا مفاهيم الظلم وطمسوا قيم العدل، وجعلوا من أنفسهم سادةً واستعلوا، ونفوا عن غيرهم أصل المساواة وظلموا.

كشف الشعب الفلسطيني المظلوم، ومعركة طوفان الأقصى المباركة، أن دول الاستكبار العالمي القديمة ما زالت هي نفسها، بفكرها وقوانينها وسياساتها، فهم الذين صنعوا الكيان الصهيوني وأوجدوه من العدم، وزرعوه بيننا كخنجرٍ في خاصرتنا، وأمدوه بالقوة والسلاح، ورعوه حتى كبر، ووقفوا إلى جانبه حتى قويَّ، وساندوه عندما ظلم، وسكتوا عنه عندما اعتدى، وهبوا لنجدته عندما صرخ واستغاث، وجاؤوا بكل قوتهم ليحموه من ظلمه، ويساندوه في ضعفه، وينصروه في عجزه، فقد علموا أنه وحده ضعيفٌ لا يقوى على المواجهة، وأنه بمفرده لا يستطيع حماية نفسه ولا صد المقاومين عن جيشه.

كما أظهرت معركة طوفان الأقصى عجز الأنظمة العربية وضعفها، وكشفت عن خوفها وجبنها، وعن هزالها وهوانها، وربما عن تآمرها وصمتها، واشتراكها في الجريمة وتحالفها مع العدو، وقد كان حرياً بها أن ترفع الصوت وتحذر، وأن تحمل السيف وتهدد، وأن تستغل سلاحها في المعركة وتقاتل، أو تستخدم نفوذها وتمارس الضغط على صناع القرار وحماة الكيان الصهيوني، ولكنها آثرت الصمت أو الاستنكار الهادئ والشجب المتواضع، وخفت صوتها على استحياءٍ وهي تطالب بوقف الحرب وإنهاء القتال، وساوت بين العدو القاتل والشعب المظلوم، وأيدت حق الأول في الدفاع عن نفسه وحماية مستوطنيه، لكنها دانت الشعب الفلسطيني وشجبت مقاومته، وأنكرت حقه في الدفاع عن نفسه، والمقاومة في سبيل حريته واستعادة أرضه وتحرير وطنه.

كشفت معركة طوفان الأقصى التي مثلت معركة الحق الأبلج الأصيل مع الباطل اللجلج الدخيل، أن العدو الإسرائيلي لا يقاتلنا وحده، ولا يعتدي علينا بجيشه المردوع الذي أظهرت المقاومة عجزه وضعفه، وعدم قدرته على المواجهة، وكشفت عن صورته الوهمية وسمعته الزائفة، وأثبتت أنه ليس إلا نمراً من وروق، وأن بيته أوهن بكثيرٍ من بيت العنكبوت، إنما يقاتلنا بأمريكا وحلفائها، ويقتلنا بسلاحهم الفتاك وذخيرتهم التي لا تتوقف، ومالهم الذي لا ينفذ، ولولا أنهم وقفوا معه لسقط، ولهرب مستوطنوه ورحلوا. 

وقد بات المستوطنون يدركون يقيناً أن جيشهم لا يحميهم، وكيانهم لا يصمد، والفلسطينيون لا يضعفون ولا يتراجعون، ولا ينسون ولا يتنازلون، ولا يجبنون ولا يترددون، فهم الأقوى والأقدر، والأثبت والأصدق، والأجرأ والأشجع، وهم أصحاب الحق وأهل الأرض وسكانها الأصليون الشرعيون، وغيرهم إليها وافد وفيها مستوطنٌ، لكنه فيها أبداً لن يعيش، وعنها لا محالة سيرحل، والفجر حتماً سيطلع، وشمس الحرية ستسطع، وسيعلو حقنا على باطلهم، إن الباطل كان زهوقاً.

 

بيروت في 8/11/2023

moustafa.leddaw

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (سوريا - لبنان - فلسطين)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
مهدي اليستري : السلام عليك ايها السيد الزكي الطاهر الوالي الداعي الحفي اشهد انك قلت حقا ونطقت صدقا ودعوة إلى ...
الموضوع :
قصة السيد ابراهيم المجاب … ” إقرأوها “
ابو محمد : كلنا مع حرق سفارة امريكا الارهابية المجرمة قاتلة اطفال غزة والعراق وسوريا واليمن وليس فقط حرق مطاعم ...
الموضوع :
الخارجية العراقية ترد على واشنطن وتبرأ الحشد الشعبي من هجمات المطاعم
جبارعبدالزهرة العبودي : هذا التمثال يدل على خباثة النحات الذي قام بنحته ويدل ايضا على انه فاقد للحياء ومكارم الأخلاق ...
الموضوع :
استغراب نيابي وشعبي من تمثال الإصبع في بغداد: يعطي ايحاءات وليس فيه ذوق
سميرة مراد : بوركت الانامل التي سطرت هذه الكلمات ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
محمد السعداوي الأسدي ديالى السعدية : الف الف مبروك للمنتخب العراقي ...
الموضوع :
المندلاوي يبارك فوز منتخب العراق على نظيره الفيتنامي ضمن منافسات بطولة كأس اسيا تحت ٢٣ سنة
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
غريب : والله انها البكاء والعجز امام روح الكلمات يا ابا عبد الله 💔 ...
الموضوع :
قصيدة الشيخ صالح ابن العرندس في الحسين ع
أبو رغيف : بارك الله فيكم أولاد سلمان ألمحمدي وبارك بفقيه خراسان ألسيد علي ألسيستاني دام ظله وأطال الله عزوجل ...
الموضوع :
الحرس الثوري الإيراني: جميع أهداف هجومنا على إسرائيل كانت عسكرية وتم ضربها بنجاح
احمد إبراهيم : خلع الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني لم يكن الاول من نوعه في الخليج العربي فقد تم ...
الموضوع :
كيف قبلت الشيخة موزة الزواج من امير قطر حمد ال ثاني؟
فيسبوك