سوريا - لبنان - فلسطين

الخيارات الإسرائيلية لمواجهة عمليات المقاومة الفلسطينية


د. مصطفى يوسف اللداوي ||


لم تبق وسيلة لمواجهة الشعب الفلسطيني وقمع انتفاضته، وإخماد مقاومته وإسكات صوته، وتشتيت صفه وإضعاف كلمته، وحرف مقاومته وتشويه صورته، وإخضاعه وكي وعيه، وتركيعه وكسر إرادته، وغير ذلك من الوسائل المكشوفة والخفية، والمباشرة والملتوية، التي يتفتق عنها ذهن الجلادين ويبتدعها عقل العتاة المجرمين، إلا لجأ إليها الاحتلال الإسرائيلي واستخدمها، واعتمدها سياسةً واتخذها منهجاً، ظاناً أنه يستطيع بها أن ينهي مقاومة الشعب الفلسطيني، وأن يتخلص من عناده وثباته، وأن ينهي وجوده ويحارب بقاءه، وأن يمرر على الفلسطينيين عموماً سياساته ونظرياته، ويسلبهم حقوقهم ويطردهم من أرضهم، ويجتث من عمق الأرض جذورهم، فلا يبقي لهم فيها اسماً ولا في قلبها أثراً، ولا تعود عندهم قوة يقاومون بها ولا وجود لهم فيها يشرع مقاومتهم ويعزز مكانتهم ويقوي موقفهم، أو يهدد أمن وسلامة مستوطنيهم، ويعرض كيانهم للخطر ومصالحهم للضرر.

فقد مارس العدو الإسرائيلي على مدى أكثر من سبعة عقودٍ ضد الشعب الفلسطيني مختلف أشكال القهر والإرهاب، واعتمد كل خيارات الحرب والعدوان، وجرب ضده ما أنتجه جيشه المجرم وأجهزته الأمنية القمعية، وما جادت به الأنظمة الاستعمارية الكبرى التي تعادي الفلسطينيين وتتحالف مع الكيان، فزودته بخبراتها وأطلعته على تجاربها، وساهمت معه في تطبيقها، وسهلت له حرية العمل في بلادها، ونفذت في الخارج خاصةً بالنيابة عنه أو بالتعاون معه بعض المهام، وتكلفت بتنفيذ العديد من العمليات، أو تقوم إكراماً له وتعاوناً معه بطرد العديد من الفلسطينيين من بلادها، وحرمانهم من حق الإقامة فيها، أو تسحب جنسيتهم المكتسبة وتحرمهم من أي امتيازاتٍ أو ضماناتٍ تحميهم.

أما جيشه الذي تدرب وتأهل، وأجرى المناورات وحاكى العمليات، فقد داهم واجتاح، واقتحم واخترق، وغار وقصف، واحتل واستوطن، وهدم ونسف، وخرب ورّوَّعَ، واغتال وقتل، وأصاب واعتقل، وطرد وأبعد، وصادر واغتصب، وسرق ونهب، وحرق الأشجار واقتلعها من جذورها، وأتلف المحاصيل وخرب الحقول، وسمَّمَ مياه الشرب وأغرق الأراضي الزراعية بالمياه العادمة، وألحق أضراراً بالمنتجات الزراعية وتسبب في تلفها ومنع تصديرها، ومن قبل كانت قيادته قد سمحت للجنود باستخدام القوة المفرطة، والمباشرة في إطلاق النار على أي هدفٍ يشتبهون فيه، وهو الأمر الذي أشاع جرائم الإعدام الميدانية والقتل في الشوارع والطرقات، بعد أن سمحت وزارة الحرب الإسرائيلية للمستوطنين بحرية إطلاق النار على الفلسطينيين، شأنهم شأن الجيش، الذي لا يسأل عن فعلته ولا يحاسب على جريمته.

ولم يبق جيش الاحتلال في ترسانته العسكرية سلاحاً لم يستخدمه في حربه وعدوانه على الشعب الفلسطيني، إذ استخدم الطيران الحربي والطوافات على أنواعها، وأدخل سلاح المسيرات والقذائف الموجهة الحارقة المدمرة، وقصف البيوت السكنية والمخيمات المدنية بالصواريخ، وطوع في حربه وعدوانه الوسائل التقنية العالية والتكنولوجيا المتطورة، وتحالف مع الدول الكبرى والولايات المتحدة الأمريكية، ونسق مع مختلف الأجهزة الأمنية الصديقة وغيرها، البعيدة عنه والقريبة منه، التي لا تتأخر في تحديث منظوماته وتغذية منصاته، وتعويضه عن أي نقصٍ في الذخائر والقذائف والعتاد العسكري عموماً.

كما تقوم أجهزته الأمنية بالتضييق على المواطنين الفلسطينيين عامةً، تستدعيهم وتعتقلهم، وتحتجزهم وتمنع سفرهم، وفي السجون تعذبهم وتقسو عليهم، وتعاقبهم وتحرمهم، وتجردهم من حقوقهم وتصادر انجازاتهم، وفي مدينة القدس على وجه التحديد تخنقهم وتضيق عليهم، وتطبق عليهم قوانين قاسية بقصد طردهم وإخراجهم من المدينة، إذ تفرض عليهم ضرائب باهظة، وتهدم بيوتهم وتصادر عقاراتهم، وتمتنع عن منحهم تراخيص بالبناء أو الإعمار، وتجيز للمستوطنين بالقوة أو عبر محاكمهم العسكرية طردهم من بيوتهم والاستيلاء عليها والإقامة فيها.

أما المستوطنون وعصاباتهم، والمتشددون ومجموعاتهم، والمتدينون وتشيكلاتهم، فهم لا يتوقفون عن اقتراف الجرائم في حق الشعب الفلسطيني، ولا يترددون في إطلاق النار عليهم وقتلهم، بعد أن شرعت قوانينهم العسكرية وأنظمتهم الداخلية امتلاك السلاح وترخيصه، وحرية استخدامه بحجة حماية أنفسهم أو الدفاع عن بعضهم، ومن قبل سكتت عن قيامهم بدهس الفلسطييين وسحلهم، أو حرق بيوتهم وتخريب ممتلكاتهم، وأجازت لهم إقامة حواجز متنقلة، وإيقاف الفلسطينيين ومصادرة مركباتهم أو إعطابها وحرقها، وسكتت عن قيامهم بالسيطرة على بيوتهم وأرضهم، وإخراجهم بالقوة منها وبناء مستوطناتٍ مكانها، واعتبرت أعمالهم مشروعة ومقاومتهم جريمة، حيث يعمد الجيش غالباً إلى مرافقتهم وحمايتهم، وتأمين سلامتهم ومنع الفلسطينيين من الاعتداء عليهم.

أما الإدارة المدنية الإسرائيلية التي تنفذ ضد الفلسطينيين سياسات الاحتلال بكل شدةٍ وقسوةٍ، ولا تتردد في إخضاعهم لها بالقوة، وإجبارهم على تنفيذها أياً كانت طبيعتها، فقد استنفذت ضدهم أغلب وسائل الضغط والخنق، والعزل والحصار، والتجويع والحرمان، والتحريض والتأليب، والعقاب والحساب، وتدخلت قسراً في شؤون حياتهم اليومية، وسمت قراراتها على قراراتهم الوطنية فيما يتعلق بالسجلات المدنية والمواليد والوفيات والمواريث والممتلكات، وكل ما يمس الحقوق الفردية والشخصية للإنسان الفلسطيني.

لا نعتقد أنه بقي في جعبة هذا المحتل الغازي، المستوطن المعادي، شيئاً لم يستخدمه ضد الشعب الفلسطيني، فقد فرغت جعبته وخلت كنانته، ولم يعد يملك شيئاً جديداً يجربه ضد الفلسطينيين ليخضعوا ويستسلموا، ويقبلوا ويرضوا، ويتنازلوا ويعترفوا، ويفرطوا وينسوا، فهذا الشعب العظيم العنيد، الثابت الصلب، الصادق الأصيل، قد تكسرت على صخرة صموده كل الوسائل والأدوات، وفلت إرادته كل الأسلحة والمعدات، وردت عنه كل السهام والمؤامرات، وهزم أبناؤه كل السياسات والمخططات، فلا يحلمن هذا العدو أنه سينجح في احتلاله، وسيهنأ في مقامه، وسيطيب له العيش في بلادنا، وليدرك يقيناً أن هذا الشعب سيهزمه، وهذه الأمة ستطرده، وهذه البلاد ستلفظه.

 

بيروت في 8/8/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك