سوريا - لبنان - فلسطين

حكومة اليمين الإسرائيلية فرصةٌ وتحدي أم محنةٌ وتردي


د. مصطفى يوسف اللداوي ||

 

لم تكن الحكومة اليمينية السادسة التي يرأسها بنيامين نتنياهو الأسوأ والأكثر تطرفاً في تاريخ الكيان الصهيوني صادمةً للشعب الفلسطيني أو مفاجئةً له، فهو تنبأ بها وتوقعها، وتهيأ لها وترقبها، ويعرف أنها قادمة لا محالة، ولكنه كان ولا زال على يقين أنها ستسقط لا محالة أيضاً، وسينتهي دورها وستفشل، وستلقي سلاحها وستتخلى عن أفكارها، وستصحو من غفلتها وتستفيق من أحلامها المستحيلة، وأنها التي سيكوى وعيها وستضطر إلى تغيير عقلها وربما سينسحب بعض أقطابها من الساحة السياسية، وسيعتزلون العمل السياسي كمن سبقهم في التطرف والإرهاب أمثال باراك ونفتالي بينت وغيرهم.

الفلسطينيون يرصدون الشارع الإسرائيلي ويعرفون مزاجه، ويقرأون عقله ويدرسون توجهاته، ويحللون آراءه ويتابعون تطوراته، ويدركون أن هذا المجتمع الأصولي المتطرف المنغلق المدعي الفوقية والمتظاهر بالسامية، سينتج مثل هذه الحكومة التي لا ترى غير نفسها، ولا تفكر إلا تحت أقدامها، ولا تقدم إلا على ما يحقق أحلامها ويلبي رغباتها ويستجيب لأفكارها، وينسجم مع هرطقاتها وأساطيرها، ظانةً أنها ستحقق ما تتمنى، وأن الأرض الفلسطينية ستكون أمامهم سهلةً فتطوى، وأن الفلسطينيين سيكونون أمامهم ضعفاء فيهزمون، أو جبناء فيهربون، أو خائفين فلا يقاومون.

 لكن لا يبدو أبداً أن فرائص الفلسطينيين ترتعد منهم وترتجف، وأن أسنانهم تصطك وأطرافهم ترتعش، وأنهم يخافون من حكومتهم ويضطربون، ويخشون بطشها ويرتبكون، ويحسبون حسابها ويتراجعون، إذ أظهرت الأيام القليلة التي مضت على تشكيل حكومة اليمين المتطرفة أن الشعب الفلسطيني أقوى من التهديدات، وأصلب عوداً وأثبت قدماً أمام المحن والابتلاءات، وأكثر جرأة على مواجهة التحديات والتصدي لما يسمونه مستحيلات، فقد أظهر أنه لا يخشى الموت ولا يهاب من القتل الذي بات سلاح المحتل اليومي ضدهم، وشبابهم في كل يومٍ يبتدعون عمليات مقاومةٍ بطوليةٍ ترفع قدر الفلسطينيين وتعز شأنهم، وتذل الإسرائيليين وتكشف ضعفهم.

لا أقلل أبداً من خطورة هذه الحكومة اليمينية الفاشية الكهانية الإسرائيلية، فهي حكومة منفلتة من عقالها، فاقدة لعقلها ورشدها، ولا تجد من داخلها من يردعها أو يلجمها ويمنع اندفاعها، وهي تبدو وكأنها ثيرانٌ هائجة خرجت من حظائرها تهاجم كل من تواجه ويعترض طريقها، وتدوس بحوافرها كل ما تجده أمامها، بشراً كان أو حجراً، وتهدم بهيجانها كل بنيانٍ تصادفه، وتطلق العنان لأتباعها المستوطنين، الذين لا يقلون خطراً عن حكومتهم التي تشجعهم وتحميهم، ولا يتورعون عن ارتكاب أبشع الجرائم ضد الشعب الفلسطيني كله، فهم يقتلون ويحرقون ويدمرون ويخربون، ولا يكاد ينجو من شرورهم أحدٌ من الفلسطينيين وبيوتهم وسياراتهم وحقولهم وبساتينهم وآبار مياههم.

رغم هذه السياسة الرعناء والممارسة العنيفة الهوجاء، إلا أن الفلسطينيين ينظرون إلى هذه الحكومة إلى أنها فرصة للتحدي والمواجهة، وسانحة للدراسة والمراجعة، يستفيدون منها في توحيد صفوفهم، وجمع كلمتهم، والاتفاق على برنامجٍ سياسيٍ واحدٍ يجمعهم، يقوم على قاعدة الحفاظ على الحقوق والتمسك بالثوابت والعودة إلى الأصول، والالتزام بخط المقاومة ومنهاجها العام، والتجديد في أشكالها وأنواعها، وعدم التفريط في أيٍ منها و إهمالها، لكن في ظل التمسك بالخيار العسكري كونه الأقوى والأفضل، والأجدى مع العدو والأفعل، فهو الذي يخشاه ويرهبه، ويتمنى ألا يعود إلى سابق عهده وأيام مجده، فهو يوجعهم ويؤلمهم، ويفكك مشروعهم ويضعف جبهتهم، ويمزق صفهم ويعبد الطريق نحو الهجرة المعاكسة التي تضر بهم.

أمام هذه الفرصة السانحة ينبغي على القيادة الفلسطينية، سلطةً وفصائل ومؤسساتٍ وفعالياتٍ، أن يستفيدوا من الفرصة ويعجلوا الحراك الفاعل، وأن يستغلوا الظروف الراهنة ويوسعوا الإطار الوطني، فالحكومة الصهيونية تلقى معارضة من مختلف الجهات، وتعاني من تصدعاتٍ داخلية وأزماتٍ حزبية، وتواجه معارضة شعبية وحزبية كبيرة، وإلا فإن الفرصة قد تفوت، وتنقلب المنحة إلى محنة، والتحدي إلى تردي، وينجح العدو في تكريس الانقسام وتعميقه، وتفسيخ الشعب وتمزيقه، وفرض إراداتٍ جديدةٍ وسلطاتٍ محلية، وروابط قروية أو لجان عائلية وعشائرية، وهو ما يطمع فيه ويتطلع إليه، فهل نكون أسبق منه وأوعى، وأسرع منه وأحكم، ونفرض الوحدة وننهي الانقسام، ونستعيد زمام المبادرة ونتحكم وحدنا في خيوط اللعبة.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك