سوريا - لبنان - فلسطين

ما هي اسباب تأجيل العدوان الغربي على سوريا؟

1264 17:50:00 2013-08-30

في صيف عام 2003، وبعد بضعة اشهر من الغزو، ومن ثم الاحتلال الاميركي للعراق، كنت مشاركا (الكاتب عبد الباري عطوان) في ندوة اقامتها كلية الحقوق في جامعة هامبورغ الالمانية وكان خصمي فيها ريتشارد بيرل (امير الظلام) رئيس لجنة مستشاري الرئيس جورج بوش الابن للشؤون الدفاعية، واحد ابرز مهندسي الحرب على العراق.

 النقاش كان ساخنا جدا، حيث جادلت بشدة حول عدم قانونية او شرعية هذه الحرب الاميركية، واستنادها الى اكذوبة اسلحة الدمار الشامل، ووجدت تجاوبا من المئات من الخبراء والدبلوماسيين الذين حضروا الندوة من مختلف انحاء البلاد، ليس لوجودي، وانما لمشاركة خصمي، ومكانته في الادارة الاميركية، والرغبة في التعرف على آرائه.

في حديث جانبي خاص، وبعد انتهاء المحاضرة، قال لي بيرل ان الادارة الاميركية كانت تعرف بخلو العراق من اسلحة الدمار الشامل، وانها ادركت ان المفتشين الدوليين بقيادة هانز بليكس سيقدمون تقريرا الى مجلس الامن يؤكدون فيه هذه الحقيقة، الامر الذي سيجبرها على رفع الحصار عن العراق، وخروج صدام حسين بطلا شعبيا، اقوى مما كان عليه، وبما يمكنه من اعادة بناء برامجه من اسلحة الدمار الشامل في غضون خمس سنوات لوجود علمائه الذين يملكون خبرات كبيرة في هذا الصدد.

تذكرت هذه الواقعة، مثلما تذكرت ايضا منظر كولن باول وزير الخارجية الاميركي الاسبق وهو يلوح امام جلسة خاصة لمجلس الامن قبل الحرب بأيام، بصور قال انها لمعامل كيماوية وبيولوجية عراقية متنقلة (شاحنات) لتبرير قرار بلاده بشن العدوان لاطاحة نظام الرئيس صدام، واحتلال العراق، تذكرتهما وانا اشاهد واراقب ادارة الرئيس اوباما وحلفاءها الانكليز والفرنسيين وهم يقرعون طبول الحرب في المنطقة مجددا، استنادا الى ادلة دامغة لديهم حول مسؤولية النظام السوري عن استخدام اسلحة كيماوية ضد ابناء شعبه في الغوطة الدمشقية.

الاستعدادات لتوجيه حمم الصواريخ والقنابل الاميركية على اهداف سورية بدأت، والمفتشون الدوليون يقومون بمهامهم على الارض، ويجمعون الادلة والقرائن، لتحديد نوعية الاسلحة المستخدمة اولا، والجهة التي استخدمتها، مما يؤكد ان الرئيس اوباما لا يريد لهؤلاء ان يكملوا مهمتهم بعد ان سمح لهم النظام بالقيام بها، لانه يملك الادلة الدامغة.

عندما بحثنا عن هذه الادلة لدى الرئيس اوباما وحلفائه في لندن وباريس، قالوا لنا انها اسرائيلية، وان اجهزة امن دولة الاحتلال الاسرائيلي رصدت مكالمات بين ضباط سوريين تؤكد استخدامهم لهذه الاسلحة. نريد تحقيقا دوليا محايدا، لاننا لم نعد نثق بكل اجهزة الاستخبارات الغربية ولا حتى بالسياسيين الغربيين، او معظمهم، خاصة من امثال توني بلير اكبر سياسي كاذب ومزور في التاريخ الحديث.

هناك نسبة كبيرة سقطوا بقصف النظام وغاراته، والبقية برصاص قوات المعارضة المسلحة وقصفها ايضا، باسلحة حصلوا عليها من دول عربية، والمملكة العربية السعودية وقطر على وجه الخصوص، ولكن نحن الآن امام غزو واحتلال لبلد عربي ربما يؤدي الى اشتعال حرب اقليمية وربما دولية تؤدي الى مقتل مئات وربما ملايين الاشخاص. لان ألسنة لهب هذه الحرب لن تتوقف عند حدود سوريا.

البرلمان البريطاني هزم ديفيد كاميرون رئيس الوزراء الذي ارسل بوارجه الحربية وطائراته المقاتلة الى قبرص استعدادا للمشاركة في الضربة، هزمه لانه غير مقتنع بمبررات هذه الحرب القانونية والانسانية، ولا بالادلة التي تدين النظام السوري باستخدام الاسلحة الكيماوية. وهناك اكثر من ستين بالمئة من الاميركيين يتبنون الموقف نفسه.

الرئيس اوباما الذي بات اسير خطوطه الحمر بدأ يتراجع تدريجيا، واول الغيث في هذا الصدد اعلانه امس انه لم يتخذ قرارا بعد ببدء الحرب، واطلاق الصواريخ لضرب اهداف سورية، لعله ادرك انه بات محاصرا بالشكوك بنواياه وصدقيته.

لقد ولى الزمن الذي كانت تحسم فيه الضربات القوية المفاجئة الحروب في العالم، وتدفع بالمستهدفين الى رفع رايات الاستسلام على غرار ما حدث في حرب عام 1967، والحروب السهلة بالمعايير والمواصفات القديمة انقرضت ايضا.

اميركا والغرب خاضا ثمانية حروب في دول عربية واسلامية على مدى الخمسة عشر عاما الماضية ربحتها جميعا، ولكنها انتصارات كلفتها اكثر من خمسة آلاف مليار دولار وما يقرب من سبعة آلاف من جنودها، بالاضافة الى سمعتها كدولة غازية معتدية. وما الانهيار الاقتصادي والمالي الذي تعيشه الا نتيجة لهذه الانتصارات!

نتحفظ كثيرا على نظرية الضربات المحدودة هذه التي تروج كأحد خيارات اوباما واكثرها ترجيحا، مثلما نتحفظ على العناوين الانسانية لتبريرها، فجميع الحروب السابقة بدأت تحت الذرائع نفسها، وتطورت الى احتلالات او تغيير انظمة، ولنا في العراق وليبيا وافغانستان ثلاثة امثلة، وسوريا لن تكون استثناء.

اوباما خائف ومتردد لانه سمع كلامنا وغيرنا في هذا الاطار من قبل، خائف من النتائج لان سوريا ليست وحدها، وحلفاؤها يدركون جيدا ان هذه الحرب لن يكون بعدها اخرى، ستكون آخر الحروب في المنطقة، وسقوط سوريا يعني سقوطهم ايضا، مثلما كان سقوط العراق سقوط لانظمة عربية اخرى، وتعزيزا للهيمنتين الاميركية والاسرائيلية.

الشاب الجبوري الذي "فبرك" او فبركت له المخابرات الاميركية اكذوبة المعامل الكيمياوية والبيولوجية العراقية المتنقلة، وخدع باول نفسه ودفعته الى الاعتذار عن هذه الاكذوبة علنان، يعمل حاليا خادما في مطعم "بيرغر كنغ" في احدى المدن الالمانية، واعترف باكذوبته التي كلفت شعبه مليون شهيد وخمسة ملايين من الجرحى، ودمرت بلاده ونسيجها وتعايشها الاجتماعي امام عدسات التلفزة العالمية.

هل سنكتشف دورا اسرائيليا، او فبركة اميركية لاحقا، وهل سنتعرف مستقبلا على "جبوري سوري"؟ ولكن بعد خراب سوريا ومقتل مئات الآلاف من ابنائها وربما ابناء الدول المجاورة؟

عبد الباري عطوان

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك