الدكتور فاضل حسن شريف
ُوضع علامة الوقف (لا) فوق الكلمة تفيد عدم جواز الوقف عندها او النّهي عن الوقف، والنهي عن البدء بما بعدها. جاء في كتاب الوقف والابتداء في القرآن الكريم دراسة وتطبيقاً للمؤلف عبد الرسول عبائي: ويقول ابن الجزري: وصحّ بل تواتر عندنا تعلّمه والاعتناء به من السلف الصالح كأبي جعفر يزيد بن القعقاع (ت: 132هـ) إمام أهل المدينة الذي هو من أعيان التابعين وصاحبه الإمام نافع ابن أبي نعيم (ت: 169هـ) وأبي عمرو بن العلاء (ت: 154هـ) ويعقوب الحضرمي (ت: 205هـ) وعاصم بن أبي النجود (ت: 127هـ) وغيرهم من الأئمة وكلامهم في ذلك معروف ونصوصهم عليه مشهورة في الكتب ومن ثم اشترط كثير من أئمة الخلف على المجيز أن لا يجيز أحداً إلاّ بعد معرفته الوقف والابتداء وكان أئمتنا يوقفونا عند كل حرف ويشيرون إلينا فيه بالأصابع سنّة لذلك أخذوها عن شيوخهم الأولين رحمة الله عليهم أجمعين وصحّ عن الشعبي (ت: 105هـ) وهو من أئمة التابعين علماً وفقهاً ومقتدى أنّه قال: إذا قرأت "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان ٍ" (الرحمن 26) فلا تسكت حتى تقرأ "وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ" (الرحمن 27). وقال الهذلي (ت: 167هـ) في كامله ( الوقف حلية التلاوة وزينة القارئ وبلاغ التالي وفهم المستمع وفخر العالم وبه يُعرف الفرق بين المعنيَيْن المختلفَيْن والنقيضَيْن المتنافيَيْن والحكمَيْن المتغايرَيْن ). وقال أبو حاتم السجستاني (ت: 248هـ): (من لم يعرف الوقف لم يعرف القرآن). و قال ابن الأنباري (ت: 328هـ): (ومن تمام معرفة إعراب القرآن ومعانيه وغريبه معرفة الوقف والابتداء فيه).
قال الله تعالى في آيات قرآنية فيها علامة (لا: النهي عن الوقف) في سورة آل عمران: "إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا (لا: النهي عن الوقف) أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (ال عمران 77).
جاء في الموسوعة الحرة عن علامات الضبط والوقف في المصحف: الضبط لغة: هو من ضَبَطَ الشيءَ ضَبْطاً، أي: حَفِظَه بالحَزْمِ حِفْظاً بَلِيغاً، وَضَبَطَ الكتاب، أي: صَحَّحَهُ. اصطلاحات ضبط المصحف اصطلاحا: أما اصطلاحات الضبط فيراد منها: ما يتعلق بضبط الحروف بالحركات الإعرابية من فتح وضم، وكسر وسكون، وشد ومد، وهي القواعد التي تضبط ما يتعلق بالحركات المرسومة حول الحروف، وهو ما يسمى عند العلماء بالنقط، وهو نوعان على ما سيأتي. وقد وضع العلماء هذه القواعد والأحكام والعلامات اجتهاد منهم، و وضعوها لضبط المصحف الشريف، لحفظه وسلامته من الغلط في القراءة، وتجنب الخطأ في فهم معاني الآيات القرآنية. نشأتها: كانت المصاحف العثمانية خالية من النقط والشكل اعتمادا على الحفظ والسَّلِيقَةِ العربية السليمة، والتي لا تحتاج إلى علامات ضبط بالحركات، ولا إلى الإعجام بالنقط، والعرب في بداية عهودهم لم يكونوا يحتاجون إلى علامات الضبط لأصالة تلك السليقة. ولما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، وكَثُرَ الداخلون في الإسلام، وكانوا من العرب، ومن غيرهم، واختلط العرب بغيرهم، وضعفت المملكة العربية، والسليقة الأفصحية، ظهرت الحاجة إلى ضبط ألفاظ القرآن الكريم حفاظا على نصه من التبديل والتغيير والتحريف، فظهر هذا العلم الجليل. ولقد مر ظهور هذا الفن بمراحل، وأول هذه المراحل حينما طلب زِيَاد والي البصرة من أَبِي الأَسْوَدِ الدُّؤَلِي أن يضع للناس علامات تدل على الحركات والسكنات. وفي زمن الدولة العباسية قيض لفظ الجلالة عز وجل عالم العربية وخرجتها الخَلِيلَ بنَ أَحْمَدَ الفَرَاهِيدِي للاضطِّلاَعِ بمسؤولية تَعْدِيلِ المَجْهُودَاتِ التِّي سَبَقَتْهُ لضبط حركات وشكل كلمات القرآن الكريم، فجعل النقطة التي تدل على الضم، والنقطة التي تدل على الفتحة ألفا صغيرة مَبْطُوحَةً، والنقطة الدالة على الكسرة ياء صغيرة، ثم ابتكر علامة للشَّدَةِ رَأْسَ شِينٍ لِلْحَرْفِ المُشَدَّد، وللسكون رأس خاء، وجعل علامة خاصة للمد. وفي القرن الثالث الهجري ابْتُكِرَتْ عَلاَمَاتٌ مُمَيِّزَةً، فجعل للحرف المشدد علامة كَالقَوْس، ولألف المد جَرَّة فوقها، أو تحتها، أو وسطها على حسب ما قبلها من فتحة أو ضمة أو كسرة، ثم تدرج العلماء بعد ذلك وأخذوا يُحَسِّنُونَ في هذه العلامات وَتطْوِيرِهَا، وابْتِكَارِ كل ما من شأنه أن يضبط الكلمات القرآنية ويحفظها، حتى وضعوا رموزا خاصة برؤوس الآي، وعلامات الوقف، وعلامة السجدات، وعلامات تَقْسِيم المُصْحَفِ إلى أَجْزَاءَ وَأَحْزَابَ مناع القطان، فقد قُسِّمَ المُصْحَفُ إلى ثَلاَثِينَ جُزْءا، ثُمَّ قَسَّمُوا الجُزْءَ إِلى حِزْبَيْنِ، وَقَسَّمُوا الحِزْبَ إِلى أَرْبَعَةِ أَرْبَاع. وكان أول أمر بذلك المَأْمُونُ العَبَّاسِيِّ، وقد كانوا يَضَعُونَ ثَلاَثَ نُقَاطٍ عند انتهاء الآية، وكانوا يضعون لفظ: (خمس آيات) عند انقضاء خمس آيات، ولفظ (عشر آيات) عند انتهاء عشر آيات، وهكذا يعيدون لفظ العشرة عند تكرار العد. ولقد كان هذا التقسيم لتسهيل حفظ القرآن الكريم خاصة للسور الطِّوَال.
قال الله تعالى في آيات قرآنية فيها علامة (لا: النهي عن الوقف) في سورة المائدة: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ (ج: جواز الوقف) ذَلِكُمْ فِسْقٌ (قلى: الوقف اولى) الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ (ج: جواز الوقف) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ (لا: النهي عن الوقف) فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (المائدة 3)، و "يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ (صلى: الوصل اولى مع جواز الوقف) قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ (لا: النهي عن الوقف) وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ (صلى: الوصل اولى مع جواز الوقف) فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ (صلى: الوصل اولى مع جواز الوقف) وَاتَّقُوا اللَّهَ (ج: جواز الوقف) إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ" (المائدة 4)، و "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (لا: النهي عن التوقف) لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ" (المائدة 9).
جاء في منتدى الدكتورة شيماء عبد الغني عن علامات الوقف بـ"لا" للباحثة صفاء عطاالله: مواضع الوقف بلا. 1- قال الله تعالى ((.. وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا به من قبل وآتو به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون" (البقرة 52)، الوقف هنا ممنوع على قوله تعالى (رزقا)، وقد ورد هذا المنع فى طبعة مصحف الملك فؤاد الثانية، والأزهر، والمدينة وليبيا. والقراء يقولون بمنع الوقف هنا، فالسجاوندى يمنع الوقف لكون (رزقا) جوابا لكلما، ووافقه فى ذلك الأشمونى، حيث قال ((رزقا) ليس بوقف، لأن قالوا جواب كلما)، ومما هو معلوم لدى المعنيين بعلوم اللغويات والأساليب أنه لا يجوز الوقف على الشرط دون جوابه، لأن المعنى لا يتم إلا بذكر الجواب، ونظرية النظم التى أقامها الإمام عبد القاهر فى البلاغة قائمة على الترابط النحوي، وموجب ذلك قوله (واعلم أن ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله، وتعرف مناهجه التى نهجت فلا تزيغ عنها، وتحفظ الرسوم التى رسمت فلا تخل بشيء منها). 2- قال تعالى "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون" (البقرة 159)، الوقف هنا ممنوع على قوله (الكتاب) فى الطبعات الأربعة، وآية ذلك أن الإمام الداني لم يذكر فيه وقفا فقط، وهذا دليل على المنع، والسجاوندي يقول (( (فى الكتاب) لأن أولئك خبر (إن))، وكون الوقف ممنوعا أن قوله (فى الكتاب ) لا يزال القارئ معه فى سياق الابتداء، وما بعده خبر، ولا يفصل بين إن وخبرها بفاصل. ويقول ابن عاشور (وقوله (أولئك) اشارة إلى الذين يكتمون وسط اسم الإشارة بين اسم (إن) وخبرها للتنبيه على أن هناك الحكم الوارد بعد ذلك قد صاروا أحرياء به، لأجل تلك الصفات جعلتهم كالشاهدين للسامع فأشير إليهم، وهو فى الحقيقة إشارة إلى أوصافهم، فمن أجل ذلك أفادت الإشارة التنبيه على أن تلك الأوصاف هى سبب الحكم، وهو إيماء للعلة على حد "أولئك على هدى من ربهم"). 3- "الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (البقرة 262)، الوقف ممنوع على قوله (ولا أذى ) فى طبعات المصاحف الأربعة، والقراء يقولون بمنعه كإبن النحاس القائل (قال نافع: تم وظاهر هذا الكلام غلط، لأن (الذين) إذا كان فى موضع رفع بالابتداء فلم يأت خبره، ومحال أن يتم الكلام وقد بقى خبر الابتداء، إلا أن فيه صلة يجوز أن يكون (الذين) بدلا من (الذين) قبله حسن، ثم تبتدئ (لهم أجرهم)، وليس بوقف إن جعل (لهم) خبر الذين، ومن ثم غلط ابن النحاس نافعا وعاب عليه قوله بالتمام في هذا الموضع. وعلة المنع أن خبر المبتدأ "الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله)، هو قوله (لهم أجرهم)، والخبر هنا جملة مكونة من مبتدأ، وهو (أجرهم)، وخبر وهو الجار والمجرور، والجملة من حيث المبتدأ والخبر في حالة الرفع على المحل خبر للمبتدأ الأول ( الذين )، وبذلك فمن غير الجائز اختيار الوقف قبل مجيء الخبر، وإلا عد الكلام محشوًا بالنقص والبتر الذين يشينان المعنى، ويعتوران الأسلوب بالغثاثة والبرود، ومعاذ الله أن تشوب القرآن شائبة تخل ببلاغة نظمه.
قال الله تعالى في آيات قرآنية فيها علامة (لا: النهي عن الوقف) في سورة المائدة: "وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ (لا: النهي عن الوقف) إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ (ج: جواز الوقف) حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ" (المائدة 53)، و "مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ (لا: النهي عن الوقف) وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ (صلى: الوصل اولى مع جواز الوقف) وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ" (المائدة 103)، و "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ (ج: جواز الوقف) تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى (لا: النهي عن الوقف) وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ" (المائدة 106).
أن الوقف الاختياري على رؤوس الآيات شئ مرغوب فيه ولكن ليس ملزم. فان الفطرة احيانا لا تشعر أن الوقف صحيح لان الجملة او المعنى لا يكتمل. ويوجد حديث نبوي شريف أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان يقف عند رؤوس آيات سورة الفاتحة فإن بعض المختصين أنها صحيحة لسورة الفاتحة ولكنها ليست شرطية لكل آيات القرآن، وحتى آخرين ضعفوا سند الحديث من الأصل. بل هنالك ايات يختل فيها المعنى والتدبر مثل قوله تعالى "فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ" (الماعون 4)، او قوله تعالى "إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ" (العصر 2). ودليل هؤلاء وجود علامات ارشادية على رؤوس الآيات في مصاحف قديمة فبعضها تشير إلى منع الوقف واخرى تشير إلى ضرورة الوقف.
https://telegram.me/buratha
