الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية من كتاب الدور الثقافي والسياسي للامام زين العابدين للشيخ الآصفي (ح 1)


الدكتور فاضل حسن شريف

تضمن الكتاب موضوعات سياسة المقاومة لحكام بني أمية، رسالته الى الزهري وحواره مع عباد البصري، الحالة السياسية والاجتماعية، معاني الاضطرار والانقطاع والنصر، مركز ومسؤولية الانسان في الحياة، الحقوق الذاتية، الدعوة الى المقاومة والصبر والثبات، طلب العلم، الحكمة، دعاء كميل، خطبه في وعظ الناس، مواقف السؤال، أحوال ما بعد الموت، المعاصي والركون الى الدنيا، الهوى والطاغوت، التقوى والزهد، التأريخ، العلاقة بالنفس وغربتها وعودتها، معرفة الله، و الخلوات النافعة. تشير حلقات المقال الى اشارات الكتاب لآيات القرآن الكريم.

 

جاء في کتاب الإمام زين العابدين، علي بن الحسين صفحة من دوره الثقافي و جهاده السياسي للشيخ محمد مهدي الآصفي: سياسة المقاطعة والمعارضة لحُكّام بني أميّة: سياسة المقاطعة والمعارضة لحُكّام بني أميّة وعمّالهم كانت من الثوابت السياسيّة لعلي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، ولا نعرف في حياته وسيرته أنه عدل عن هذه السياسة في وقت من الأوقات، حتى في الأيّام الأوائل من عودته من الشام إلى المدينة، حيث كان يسعى للتغيّب عن مجتمع المدينة لم يتخلّ عن هذه السياسة. ولم يكن من رأي الإمام عليه السلام أن المبرِّرات التي تبرّر عدم التصدّي للمقاومة المسلّحة تبرّر السكوت عن المعارضة والمقاطعة لحكومة بني أمية. مع عبد الملك بن مروان: وكان يعلن هذه المعارضة إعلاناً للناس، ويريد أن يظهر للناس أنّه لا يعترف لهذا النظام بشرعيّة واحترام. روى المجلسيّ عن الخرائج والجرائح عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: كان عبد الملك يطوف بالبيت، وعليّ بن الحسين يطوف بين يديه ولا يلتفت إليه، ولم يكن عبد الملك يعرفه بوجهه. فقال: من هذا الذي يطوف بين أيدينا، ولا يلتفت إلينا؟ فقيل: هذا عليّ بن الحسين عليه السلام، فجلس مكانه، وقال ردّوه إليّ. فقال له: يا عليّ بن الحسين إنّي لست قاتل أبيك، فما يمنعك من المصير إليّ؟ فقال عليّ بن الحسين عليه السلام: (إن قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه، وأفسد أبي عليه بذلك آخرته، فإن أحببت أن تكون هو، فكن وكأنّما استشعر الإمام من كلمة عبد الملك تهديداً له، فأجابه بهذا الجواب فإن أحببت أن تكون هو فكن). وروى المجلسيّ في البحار عن البرقيّ في (المحاسن) قال: بلغ عبد الملك أن سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عنده- زين العابدين عليه السلام، فبعث يستوهبه منه ويسأله الحاجة، فأبى عليه. فكتب إليه عبد الملك يهدّده وأنّه يقطع رزقه من بيت المال، فأجابه عليه السلام: (أمّا بعد فإن الله ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون، والرزق من حيث لا يحتسبون. وقال جلّ ذكره: "إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ" (الحجّ 38). فانظر أيّنا أولى بهذه الآية).

 

وعن رسالة الإمام عليه السلام إلى محمّد بن مسلم الزهريّ‌ يقول الشيخ الآصفي رحمه الله: روى ابن شعبة الحرّاني في تحف العقول: إن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام كتب إلى محمّد بن مسلم الزهريّ: كفانا الله وإيّاك من الفتن، ورحمك من النار، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك، فقد أثقلتك نعم الله بما أصحّ من بدنك، وأطال من عمرك، وقامت عليك حجج الله بما حمّلك من كتابه، وفقّهك من دينه، وعرّفك من سنّة نبيّه محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم، فرضي لك في كلّ نعمة أنعم بها عليك، وفي كلّ حجة احتج بها عليك الفرض بما قضى، فما قضى إلا ابتلى شكرك في ذلك، وأبدى فيه فضله عليك، فقال: "لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ" (إبراهيم 7). فانظر: أيّ رجل تكون غداً إذا وقفت بين يدي الله فيسألك عن نعمه عليك، كيف رعيتها؟ وعن حججه عليك، كيف قضيتها؟ ولا تحسبنّ الله قابلًا منك بالتعذير، ولا راضياً منك بالتقصير! هيهات هيهات، ليس كذلك أخذ على العلماء في كتابه إذ قال: "لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ‌" (آل عمران 187). واعلم أن أدنى ما كتمت، وأخفّ ما احتملت أن آنست وحشة الظالم، وسهّلت له طريق الغيّ بدنوّك منه حين دنوت، وإجابتك له حين دُعيت. فما أخوفني أن تبوء بإثمك غداً مع الخونة، وأن تُسأل عمّا أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة. إنّك أخذت ما ليس لك ممّن أعطاك، ودنوت ممن لم يردّ على أحد حقّاً، ولم ترد باطلًا حين أدناك، وأحببت من حادّ الله. أوليس بدعائه إيّاك، حين دعاك، جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسلّماً إلى ضلالتهم. داعياً إلى غيّهم، سالكاً سبيلهم، يُدخِلون بك الشكّ على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم؟ فلم يبلغ أخصّ وزرائهم، ولا أقوى أعوانهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم، واختلاف الخاصّة والعامّة إليهم. فما أقلّ ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، وما أيسر ما عمّروا لك في جنب ما خرّبوا عليك. فانظر لنفسك، فإنّه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول. وانظر كيف شكرك لمن غذّاك بنعمه صغيراً وكبيراً؟ فما أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه: "فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى‌ وَ يَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا" (الأعراف 169). إنك لست في دار مقام، أنت في دار آذنت برحيل، فما بقاء المرء بعد قرنائه؟ طوبى لمن كان في الدنيا على وجل. يا بؤس من يموت وتبقى ذنوبه من بعده. إحذر فقد نُبِّئت، وبادر فقد اجّلت. إنّك تعامل من لا يجهل، وإن الذي يحفظ عليك لا يغفل. تجهّز فقد دنا منك سفر بعيد، وداوِ دينك فقد دخله سقم شديد. ولا تحسب أنّي أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك، لكنّي أردت أن ينعش الله ما فات من رأيك، ويردّ إليك ما عزب من دينك، وذكرت قول الله تعالى في كتابه: "وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى‌ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ‌" (الذاريات 55). ما لك لا تنتبه من نعستك؟ وتستقيل من عثرتك؟ فتقول: والله ما قمتُ لله مقاماً واحداً أحييتُ به له ديناً، أو أَمَتُ له فيه باطلًا، فهذا شكرك من استحملك؟ ما أخوفني أن تكون كما قال الله تعالى في كتابه‌: "أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا" (مريم 59).

 

وعن حوار الإمام مع عباد البصريّ يقول الشيخ محمد مهدي الآصفي رحمه الله في كتابه: وفي طريق الحجّ يلقى عباد البصريّ الإمام زين العابدين عليه السلام وهو مقبل على الحجّ على طريق مكّة، فيقول للإمام: تركت الجهاد وصعوبته، وأقبلت على الحجّ ولينه؟ ثمّ قرأ عبّاد قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ" (التوبة 111). فقال له الإمام عليه السلام: اقرأ بعدها: فقرأ: "التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ"‌ (التوبة 12). فقال زين العابدين عليه السلام: إذا ظهر هؤلاء لم نؤثر على الجهاد شيئاً. والإمام عليه السلام يُعرِّض بالقيادة الأمويّة الظالمة التي كانت تتصدى يومئذ للقيادة والخلافة في العالم الإسلاميّ. ويقول لعباد البصري: إنَّ القيادة الحاضرة المتصدّية لا تصلح للإمامة والقيادة، ولا يجوز الركون إليها، لقوله تعالى: "وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ" (هود 113). وكيف يصلح لإمامة المسلمين (رجل، فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمه، معلن الفسق). (رجل ينكح امّهات الأولاد والبنات والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة). وعلى هذا النهج كان عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام يُعرِّضُ بخلفاء بني أميّة الفاسدين ويطعن فيهم، وينفي صلاحيتهم لإمامة أمّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، وينكر على المتعاونين معهم تعاونهم معهم وركونهم إليهم.

 

وعن الحالة السياسيّة والاجتماعيّة في عهد بني أميّة يقول الشيخ الآصفي في كتابه: ولحمايّة هذا الميراث الحضاريّ والتشريعيّ العظيم لابدّ من وجود قيادة أمينة، مستوعبة لشريعة الله وأحكامه وقيم هذه الشريعة ومعاييرها في التنظيم والتقييم وفي غير هذه الصورة إذا حدثت انتكاسة في المواقع القياديّة في المجتمع، وتولّى قيادة الأمّة الناشئة اناس من نفس الطبقة التي كانت تحكم المجتمع الجاهلي من قبل، فقد تكوّنت عقولهم ونفوسهم في الحضارة الجاهلية فسوف يكون لهذه الانتكاسة تأثير كبير في تحريف دين الله وأحكامه وقيمه، ولعلّ اهتمام الإسلام بسلامة المواقع القياديّة (الإمامة) في المجتمع لهذا السبب. وقد طلب إبراهيم عليه السلام بعد أن امتحنه الله بالكلمات الصعبة، "وَ إِذِ ابْتَلى‌ إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ‌" (البقرة 124)، ورزقه الإمامة العامّة في حياة الناس‌ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً (البقرة 124). طلب إبراهيم عليه السلام من الله أن يجعل الإمامة في ذرّيته‌ "قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي‌" (البقرة 124). فاستجاب الله تعالى لدعاء عبده وخليله إبراهيم، ولكن الله تعالى ذكّره بأن عهده في الإمامة وقيادة الأمّة، لا ينال الظالمين‌ "قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‌" (البقرة 124)، ولن يكون الظالمون أهلًا لاستلام موقع الإمامة والقيادة في المجتمع الإسلاميّ. الأمّة، وهي الكيان الحضاريّ المبارك الذي جعله الله أمّة وسطاً، وأمّة شاهدة على الناس، وحاملة للتوحيد، وقيّمة على البشريّة "وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً" (البقرة 143). وبناء هذا الكيان هو كلّ عمل الأنبياء وجهدهم وجهادهم في التاريخ. وهذه الأمّة هي التي حملت كلمة التوحيد إلى أرجاء المعمورة، وحملت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم تبليغ هذه الرسالة، وتحمّلت مسؤوليّة إزالة الاستكبار والشرك والكفر والفساد من وجه الأرض. تلك هي المواريث الثلاثة الكبيرة التي أورثها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أجيال المسلمين من أمّته من بعده.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك