الصفحة الإسلامية

اشارات السيد مصطفى الخميني قدس سره عن القرآن الكريم من سورة البقرة (ح 9)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب بصر الهدى للسيد مصطفى الخميني: التّخلّق بأخلاق الله: اعلم يا أخي في الله، أنّ الله تبارك وتعالى مع كمال غنائه في ذاته عن جميع ما سواه، ونهاية استغنائه عن كافّة الأشياء بقضّها وقضيضها، يلاحظ في مقام الأمر والنّهي جانب الرّأفة والرّحمة وطرف الأدب والتّعظيم، حتّى يجد العبد السّالك من كلامه نوراً يمشي به في ظلمات الأنفس والآفاق، فإذا نظرت وتأمّلت بعين البصيرة ونور العرفان والشّهود في هاتين الآيتين "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة 21-22)، تجد أنّ الآية الأولى مشتملةٌ على الأمر، والثّانية على النّهي، ولا شبهة أنّ الأمر والنّهي متضمّنان نوعاً من المرارة وجانباً من التّحقير والاستعباد، لأنّ الأمر ولا سيّما من العالي وهكذا النّهي، على خلاف استكبار الإنسان، ولأجل ذلك شفع الأمر والنّهي بالجهات الكاشفة عن الرّجاء والأمل، وأنّ الله تعالى مع كمال عظمته الّتي لا يمكن إدراكها، والعبد مع نهاية صغره الذي لا ينال حدّه إلا الله، يخاطب الإنسان ويتوجّه إليه ويأمره بلينٍ ورأفةٍ ورفقٍ، ويترك جانب الغلظة، فيقول: "اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ" (البقرة 21) حتّى يتوجّه العبد إلى حكم الفطرة السّليمة، وأنّ عبادة الربّ الحقيقيّ لازمةٌ عقلاً، أَمَرَ المولى أم لم يأمر، ثمّ يقول: "وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ" (البقرة 21) حتّى لا يتأثّر الإنسان من توهّم أنّه مخلوقٌ دون غيره، فيجد أنّ الكلّ مخلوقٌ، ثمّ يردف ذلك بقوله: "لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة 21) حتّى يذوق أنّ الله يأمل ذلك، ويرجو تقواه وإيمانه وعبادته، ولا يكون الأمر أمر تشديدٍ، ولا نهي غلظةٍ وسلطةٍ. نعم يقول بعد ذلك: "الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً" (البقرة 22)، فيكون هو الرّؤوف الرّحمن والرّحيم العطوف، والذي جعل لكم السّماء بناءً، وهكذا صنع كذا وكذا "فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً" (البقرة 22) فإذا كان الله تعالى في وعظه وإرشاده يراعي نهاية الرّفق والأدب، ويلاحظ غاية البلاغة والشّرف، حتّى يقول "وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة 22)، مع أنّ الانسان لا يعلم حسب كثيرٍ من الآيات شيئاً، وأقلّ شيءٍ قُسّم بين العباد هو اليقين والعلم. فيا عزيزي ويا أخي وشقيقي، إذا كان هو تعالى في هذه المنزلة من التّواضع، فأنت لا تكن جبّاراً متكبّراً ولا آثماً وعاصياً لمثله العزيز. إلهي وسيّدي أرجو أن تهدينا إلى سواء السّبيل، ونأمل أن تعيننا على طاعتك وعبادتك، ولا تؤاخذنا يا رفيق، ويا عطوفاً بعباده وخلائقه، واجعلنا من عبادك الصّالحين المتّعظين بوعظك حتّى لا نعبد إلا إيّاك، ونخلص لك عبادتنا وأعمالنا، واهدِ الغافلين منّا وأهل الشّدة والغلظة إلى أن يتحقّقوا بهذه الآيات حتّى يكونوا مثالاً لنبيّك الأعظم ووليّك الأفخم. آمين يا ربّ العالمين.

 

عن کتاب البيع للسيد مصطفى الخميني قدس سره: آية حل البيع أي قوله تعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا" (البقرة 275). وغاية ما يمكن دعواه حولها: هو أنها في مقام تحليل البيع بتحليل الحاصل منه، وهو الربح المقابل للزيادة الملحوظة في المعاملة الربوية، فلا تدل على حلية الطبيعة، ولا التصرفات، لان حلية الطبيعة كانت معلومة، وما كانت مورد ادعاء التسوية، وحلية التصرفات غير محتاج إليها، لان الطبيعة المحللة تلازم جواز التصرف عرفا. فهي ناظرة إلى نفي التسوية المتخيلة، وهي بين البيع الربوي وغيره، فإن البيع غير الربوي يورث النفع كالربوي، فإذا حلت الارباح فإطلاقها يفيد اللزوم، لا نه بعد الفسخ محلل أيضا. ولا وجه لتوهم الشبهة الموضوعية هنا، فيقال: بعدم جواز التمسك، ضروره أن الحلية متعلقة بأمر خارج عن الطبيعة، وهي الزيادة والربح، وبإلغاء الخصوصية يعلم لزوم سائر العقود. ولو قيل: ليس مورد الحلية الربح، بل المورد الربح الحاصل من البيع، فإذا تحقق الفسخ يحتمل انتفاء البيع الذي هو قيد الموضوع. قلنا: قد مضى آنفا أن اعتبار الفسخ حل العقد والعهد، دون عناوين المعاملات، فإنها موضوعات للاسباب المتعقبة بالمسببات في الجملة، وسيأتي زيادة توضيح في ذيل الاية الاتية إن شاء الله تعالى. أقول: كما يمكن صرف الاية الاولى بذيلها وصدرها، يمكن صرف ذيلها بها، فإن قوله تعالى: "وحرم الربا" (البقرة 275) ربما يفسر بأنه يفيد حرمة البيع الربوي، لا مطلق الربا، ولذلك اختلفت كلمات القوم في حرمتها في غيره، إلا القرض فإنها فيه محرمة قطعا، فعلى هذا تكون الاية جملة إخبارية عن الحلية المتعلقة بالطبيعة المخصوصة، والحرمة المتعلقة بها كذلك، وبذلك يرتفع غائلة التسوية. ولعمري، إنه أظهر المحتملات حولها، لان مدعي التسوية لا يسأل إلا عن الفرق بين البيع الربوي وغير الربوي، وهي تنادي بذلك، وتكون ناظرة إلى دفع وهمهم، فلا إطلاق لها حتى يتم الاستدلال بها حينئذ، وقد مضى بعض البحث فيها.

 

وعن کتاب الخلل لصلاة للسيد مصطفى الخميني: التخصيص المتسهجن غير الحكومة المستهجنة، وهكذا الاباء عن التخصيص صحيح، بخلاف الاباء عن الحكومة، فإنه ليس شئ آبيا عن التخصيص مثل ما ورد في حكم حرمة الربا، وهو قوله تعالى: "فأذنوا بحرب من الله" (البقرة 279) إلا أنه ورد بلسان الحكومة، كثيرة، نفي الموضوع، كقوله عليه السلام: لا ربا بين الولد والوالد وهكذا.

 

وعن كتاب بصر الهدى للسيد مصطفى الخميني: الموت والحياة: اعلم أنّ الكفر من جنود الشّيطان، وأعظم جندٍ في العالم الإنسانيّ والمحيط البشريّ، وضدّه الإيمان، وأمّا الحياة والممات فهما من جنود العقل، ولذلك لم يذكر في حديث سماعة بن مهران المشتمل على جنود العقل والجهل البالغ جندهما إلى أكثر من سبعين، لم يذكر فيه الموت من جنود الجهل، فالموت ليس شيئاً مذموماً ولا صفةً شيطانيّةً، ولأجل ذلك عدّ خلق الموت والحياة من صفاته تعالى، فقال: "وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ" (البقرة 28). فيا عزيزي وشقيقي ويا قرّة عيني وثمرة فؤادي: كيف تكفرون بالله؟ وكيف تكفرون بهذا الموجود العزيز الرّؤوف بالعباد، الذي يهتمّ بهداية البشر نهاية الاهتمام، بإرسال الرّسل وإنزال الكتب وتحمّل رسوله المصائب والبلايا، والمتصبّر في ذات الله سنين كثيرةٍ؟ فكيف تكفرون ولا تذعنون إذعاناً لا باللّسان والألفاظ، ولا بالعلم والعقل، بل بالقلب والرّوح؟ وكيف لا تؤمنون بهذا الإله الخلّاق القادر العالم الذي يقلّبكم مراراً من الموت إلى الحياة، ليصير وجودكم كاملاً حيّاً باقياً بالحياة الطّيّبة الأبديّة، وباقياً بالبقاء الشّامخ السّرمديّ، والّذي يراعي حياتكم بخلق هذه الأنظمة العالميّة والأكوان السّفليّة والعلويّة، والذي يخلق لكم ما تحتاجون إليه من بدوّ ظهوركم في الأصلاب إلى أن تنتقلوا إلى الأرحام، ثمّ إلى الدّنيا والبرزخ والعقبى، فهيّأ لكم تمام الأسباب، وسوّى لكم جميع الحوائج والشّرائط بأحسن النّظام وأسهل الأمر؟! فكيف ترضون بالكفر به وإنكاره وجحوده عبادةً وقولاً ونفساً وروحاً وقلباً؟ ولأيّة جهةٍ تختارون الباطل عليه، وتسيرون سيراً ضد الفطرة، وعلى خلاف الهداية والسّعادة. فعليكم بالتّدبّر والتّفكّر في ألطافه ومراحمه ورأفته ومحبّته، مع غاية استغنائه عنكم، وعن خلقكم وخلق ما في الأرض وما في السّماء، ونهاية بعده عمّا بين أيديكم من الأشياء الخطيرة والمحقّرة، فهل من العدل والإنصاف، أو من شرط التعقّل والإدراك، التغافل عنه والغفلة عن نعمه، بصرف النّظر إلى غيره، ولفت التوجّه إلى ندّه وضدّه؟ كلّا والقمر، حاشا والبشر. فيا أيّها العزيز والأخ في الله: قوموا عن نومتكم، واستيقظوا من غفلتكم، وتوجّهوا وأنيبوا إلى ربّكم، وأسلموا له ولا تكفروا كفراً ولا كفراناً، ولا تلدوا فاجراً ولا كفّاراً.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك