الصفحة الإسلامية

آيات قرآنية من كتاب دعاء الأسحار للامام السجاد برواية الثمالي للشيخ الآصفي (ح 2)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في کتاب دعاء الأسحار للإمام علي بن الحسين السجاد برواية أبي حمزة الثمالي للشيخ محمد مهدي الآصفي: يستطرد الشيخ الآصفي رحمه الله عن المكر قائلا: إن الظالمين يلاقون في هذه الدنيا نتائج أعمالهم قبل الآخرة وقد عاصرنا كثيراً من الظالمين أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، ولقوا في هذه الدنيا نتائج عدوانهم وظلمهم يقول تعالى: "وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ‌" (فاطر 43) "فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ"‌ (الأنعام 10) "فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ" (النحل 34). وهذه العقوبات تعم الدنيا والآخرة، وهي بحكم نتائج أعمال الإنسان في سنن الله تعالى. من العقوبات عقوبة المجرمين بنفس جرائمهم فإن لأعمال الإنسان ظاهراً في هذه الدنيا، وباطناً في الآخرة، فإذا انتقل الإنسان من الدنيا إلى الآخرة وجد أعماله أمامه قد سبقه إليها، غير ان هذه الأعمال أحضرت له هذه المرة بصورة أخرى غير التي كان يعرفها في الدنيا، وهي باطن الأعال وجوهرها. فإن لأعمال الإنسان صورة ظاهرة في الدنيا، وحالة باطنة هي جوهر العمل وروحه، والذي يحضر للإنسان من عمله في الآخرة هو باطن العمل وليس ظاهره. يقول تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً" (آل عمران 30). ويقول تعالى: وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً" (الكهف 49). ويقول تعالى: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ* فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‌" (الزلزلة 7-8). وهذه الآيات وأمثالها في القرآن ظاهرة في أن أعمال الإنسان نفسها تنتقل إلى الآخرة. (راجع في توضيح وتفصيل هذا البحث الكتاب القيم:(العدل الإلهي)، للشهيد الشيخ مرتضى المطهري، فصل( عذاب الآخرة)).

 

ويستمر الشيخ الآصفي رحمه الله في كتابه متحدثا عن المكر: وأن الإنسان عندما يحشر يواجه عمله الذي قدّمه بين يديه إلى الله "يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً" (آل عمران 30) (والذي يحضر للإنسان في الآخرة هو عمله من خير أو شرّ. غير أن الذي يعرفه الإنسان من عمله في الدنيا هو ظاهر عمله، ولأعمال الإنسان ظاهر يعرفه في الدنيا، وباطن يعرفه ويلقاه في الآخرة، وهو يختلف اختلافاً نوعياً عمّا يعرفه من ظاهر عمله في الدنيا. فالذي يأكل الأموال اليتامى ظلماً، لا يعرف من عمله إلّا هذه الصورة التي ترغّبه وتشهّيه في هذا الإثم، وهو التمتع بأموال الأيتام ... ولهذا الإثم صورة أخرى، هي باطن العمل، تظهر له في الآخرة، وتلك قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى‌ ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً" (النساء 10). وهذه النار التي يلقاها الإنسان في الآخرة هي باطن هذا الإثم، ولو كان يشهد باطن في عمله في الدنيا لم يرتكبه قطّ. ويقول تعالى: "وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ‌" (الحجرات 12). إن للغيبة ظاهراً وباطناً أما الظاهر منه فهو الذي يشهّي الناس ويرغبهم فيها، وأما باطنها فهو أكل لحوم الأموات. وفي الحياة الدنيا لا يرى الناس إلّا هذا الظاهر الذي يشهّيهم في الغيبة، ولو كانوا يرون باطن الغيبة، ويعرفون أنهم يلوكون بالغيبة لحوم إخوانهم لاشمأزوا ونفروا من الغيبة. إنّ ما يلقاه المجرمون في نار جهنم من عذاب وسعير إنما هي أعمالهم تجسدت لهم في الآخرة بهذه الصورة وكذلك العكس ما يلقاه المؤمنون أصحاب التقوى والعمل الصالح من نعيم ورحمة في الجنة هو أعمالهم الصالحة تلقوها في الآخرة بهذه الصورة الجديدة التي لم يألفوها من قبل في الدنيا. إن عمل الإنسان لا ينعدم من خير أو شر، فإذا مات الإنسان واجه عمله بعينه، غير أنه في الآخرة يظهر له بشكل آخر غير ما كان يعرفه في الدنيا.

 

ويستطرد الشيخ محمد مهدي الآصفي رحمه الله عن دعاء أبي حمزة الثمالي قائلا: عن ابي حمزة الثمالي رحمه الله قال: كان زين العابدين عليه السلام يصلي عامة الليل في شهر رمضان، فإذا كان في السحر دعا بهذا الدعاء: (وَمِنْ أَينَ ليَ النَجاةُ وَلَا تُسْتَطاعُ إلّا بِكَ لا الّذي أَحَسَنَ اسْتَغْنى عَنْ عَوْنِكَ وَرَحمَتِكَ، وَلَا الذي أساءَ واجْتَرَأَ عَلَيكَ وَلمْ يُرْضِكَ خَرَجَ عَنْ قُدْرَتِكَ‌). فإن الله تعالى هو الذي يمكّن الإنسان من النجاة بما يلهمه من الهداية، ولا يملك الإنسان خيراً ولا نجاة من دونه تعالى. يقول تعالى: "ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ" (النساء 79). في هذه الفقرة من الدعاء يضع الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام الإنسان في موضع وسط بين الفقر إلى الله والتسليم لسلطان الله وقهره. وليس بوسعه ان يستغنى الله عن الله في فقره، وأنّى له ان يستغنى عن الله في فقره إليه تعالى، وليس بوسعه ان يخرج عن سلطان الله في قهره تعالى، وأنّى له ان يخرج عن حوزة سلطان الله، والكون كله حوزة سلطان الله خاضع لأمره ونهيه، فيقول الإمام عليه السلام: (من أين لي الخير يا رب ولا يوجد الا من عندك؟). من أين للعبد ان يظفر بشي‌ء من الخير إلّا ان يكون ذلك من عند الله وبإذن الله، وأنّى للعبد أن يظفر بالنجاة إلّا إذا رزقه الله النجاة. فإن الإنسان يولد من أمه جاهلًا لا يعلم شيئاً، ولكنه وعاء صالح للعلم والمعرفة، يتلقّى العلم والمعرفة من لدن الله بالوسائل التي يسّرها الله تعالى لذلك. يقول الله تعالى: "وَ اللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً" (النحل 78)، وقال: عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ" ‌(سورة العلق 5). ويولد الإنسان وهو لا يعي من أمر المعرفة والهداية شيئاً، ولكنه وعاء صالح للمعرفة والهداية، فيرزقه الله تعالى الهداية والمعرفة: "وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى" ‌(الضحى 7). "إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى‌ (الليل 12). ان هذا الوعاء وعاء خير ولم يخلق الله تعالى الإنسان وعاءً للشر، وهو وعاء صالح وليس وعاءً فاسداً وهذا الخير والصلاح مغروسان في فطرة الإنسان. يقول تعالى: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ‌ إن الدين القيم الذي جاء به الأنبياء عليهم السلام من عند الله يطابق الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها. إن الإنسان يحب الصدق، والأمانة، والإيثار، والعدل، والإحسان، والاستقامة، والوفاء، والعفاف، والشجاعة، والإنصاف. ويكره الكذب، والخيانة، والحنث، وسوء الأخلاق، والابتذال، والإساءة، والجبن، والبخل، والشح، واللؤم. ويحترم العلم ويحبه، ويكره الجهل ويزدريه ويحب الجمال في كل شي‌ء، ويكره القبيح في كل شي‌ء. كما يحب النظافة، ويكره القذارة، ويحب الروائح الطيبة، ويكره الروائح النتنة، ويحب النظام، ويكره الفوضى ويحب الطيب من الطعام والشراب والنكاح، ويكره الخبيث منه. وليس الأمر كما يقول منظروا الفلسفة الوجودية: إن الإنسان يوجد، ثم تتقرر ماهيته، ووجوده يسبق ماهيته بل يوجد الإنسان بهويته وماهيته الخاصة الإنسانية، وهي الفطرة التي فطره الله تعالى عليها.

 

وعن الافاضات الالهية يقول الشيخ الآصفي في كتابه: وهذه الإفاضات الإلهية وغيرها من إفاضات الرحمة الربانية تفيض على الإنسان من خزائن رحمة الله. "وَ إِنْ مِنْ شَيْ‌ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ" ‌(الحجر 21). هذه الإفاضات الربانية من خزائن رحمة الله على قلب الإنسان ونفسه وعقله، لم يفسد الإنسان وعاء نفسه. ومن إفاضات الرحمة التي يفيضها الله تعالى على عباده الصالحين: المغفرة والشكر، والذكر، والرضا، والحب. ونقصد بالشكر هنا شكر الله لعبده، فإن الله غفور لعباده، شكور، يشكر لهم عبوديتهم وطاعتهم واستجابتهم لأمره، ويغفر لهم سيئاتهم وذنوبهم، إذا تابوا إلى الله، "إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ( فاطر 34). وكما يذكر العبد ربه، يذكر الله عبده. "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ‌" (البقرة 152). وكما يحب العبد ربه، يحب الله تعالى عبده، إذا أحبه عبده، واتبع رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم. "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ‌" (آل عمران 31). وكما يرضى العبد عن ربه ويرضى بقضائه يرضى الله تعالى عن عباده، ويبادله الرضا بالرضا. "رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ"‌ (المائدة 119). إذن يفيض الله على الصالحين من عباده عفوه وشكره، ورضاه، وحبه، وذكره. إن وعاء النفس الإنسانية من أشرف الأوعية التي خلقها الله تعالى، يتنزل عليها من عند الله النور والبصيرة، والهدى، والمغفرة والاستقامة، ورضاه تعالى، وشكره، وذكره لعبده. وما أكثر بؤس الإنسان وشقاؤه، وظلمه لنفسه، وجنايته عليها عندما يجهل قيمة هذا الوعاء الذي رزقه الله دون كثير من خلقه‌ "إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا" (الأحزاب 72). من هذه الإفاضات إفاضة النصر على المؤمنين، فإن النصر من عند الله، يهبه لمن يشاء من عباده، طبقاً لسنن وقوانين إلهية في الحياة، كما أن التوفيق في الحياة من مواهب الله تعالى لعباده، يهبه لمن يشاء من عباده، طبقاً لقوانين وسنن يقرره الله. ومن هذه المواهب الإلهية: الرزق، فإن الرزق من عند الله، يهبه الله لمن يشاء، طبقا للسنن الإلهية في حياة الناس، وهكذا الإنسان فقير إلى الله في كل شي‌ء، لا يملك شيئاً من الرزق والنصر والتوفيق والسلامة والعافية والعزة والكرامة، إذا لم يرزقه الله تعالى منه. ولا يملك شيئاً من النور والهدى، والبصيرة والإيمان، والإخلاص، والتقوى، والرحمة والرقة، والدعاء، والتوبة إذا لم يرزقه الله تعالى وهذا هو قوله تعالى: "يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" (فاطر 15).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك