الصفحة الإسلامية

هل قبر الإمام الحسين (ع) ، روضة من رياض الجنة.


مصطفى الهادي.

الزائر اليوم لأضرحة الأئمة سلام الله عليهم يرى كأنها من بيوت الجنة يكاد بريقها يخطف الأبصار. هذا ما استطاع البشر أن يصنعهُ . وكثير من الزائرين عندما يُقلبّون ابصارهم في هذه الروائع يقولون في قرارة نفوسهم ، اذا استطاع الإنسان ان يصنع ذلك فماذا أعد الله للصالحين.

الجنة ، الحلم الذي طالما سعى الإنسان لتحقيقه او اكتشافه على الأرض انطلاقا مما ورد في الكتب السماوية ، ولكنه لم يفلح لأنهُ سلك الوجهة الخطأ. فمن جنة تشاغوس المفقودة مرورا بـ جنة أورتكند الضائعة في شمال إيران ، وجنة عدن في جنوب العراق إلى مثلث الجنة في فنلندا وجزر الكاريبي إسبانيولا ،بحث الإنسان في كل زاوية. فتركت هذه الأبحاث الأثر الكبير على الأدب العالمي ابتداء من ملحمة الفردوس المفقود لجون ملتون الانكليزي ومرورا برواية الجنة المفقودة للأمريكية أورسولا لي غوين. ثم أظهر لنا علماء الآثار أمكنة عديدة اغلبها في العراق. مثل (الجنائن المعلقة) في بابل أو حولها ، وعدوها من عجائب الدنيا.

 

قضى المستشرقون وبعض المكتشفين والرحالة السنين الطوال وبذلوا الأموال الطائلة وتعرضوا للأخطار من اجل العثور على الجنة المفقودة في الأرض، وأحدث ما قيل عن الجنة بأنها كانت في جنوب العراق ابتداء من شرق مدينة أور حتى آشور القريبة من منابع دجلة، وهذا القول يتوافق مع الرؤية التوراتية وما ذكرته الكتب السماوية عن هذا المكان. وقد بذل البروفيسور وعالم الآثار الأمريكي (جوريس زارين) جهودا كبيرة في بحثه عن جنة عدن، فوجد أنها تقع في جنوب العراق فيما يُسمى الآن القرنة حيث كانت تلتقي هناك أربعة أنهار، انقرض اثنان وبقى دجلة والفرات.(1)

 

بقيت الجنة ذلك الغموض الذي يلف مخيلة الإنسان والذي لا يملك تصور واضح عنها إلا ما ورد عنها في رسالات السماء ، ومنها الكتب المشهورة الثلاث.

ففي الكتاب المقدس ورد اسم الجنة مرتين فقط في سفر التكوين وسفر إشعياء (2) في إشارة إلى جنوب العراق الذي كان يجري فيه أربعة أنهار تسقي الجنة، لم يبق مهما سوى اثنان (دجلة ــ والفرات) فيقول: (وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقا، ووضع هناك آدم الذي جبله ــ يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ــ وكان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة ... حداقل، وهو الجاري شرقي أشور. والفرات . تجري من تحتها الأنهار . وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها).(3)

 

وفي نص آخر يؤكد فيه السيد المسيح بأن (فردوس الله) سيكون في الأرض فيقول : (من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله).(4) وكما هو معروف في التوراة والقرآن فإن شجرة الحياة او شجرة الخلود غرسها الله في جنة عدن جنوب العراق والذي يؤكد ان الجنة في الأرض هو نص سفر التكوين الذي يقول بكل وضوح : (وأنبت الرب الإله من الأرض الجنة، وشجرة الحياة.( (5).

 

الروايات الإسلامية أشارت إلى أن هناك أماكن في الأرض هي قطع من الجنة، مثل (ما بين منبري وقبري روضة من رياض الجنة).(6) و(قبر الحسين روضة من رياض الجنة).(7) وما المانع في ذلك خصوصا وأن الأحاديث أكدت بأن القبر : (إما روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النيران).( 8

 

ألا يتساءل بعضنا عن السر في اهتمام الله تعالى موضع قبر الحسين وتربته؟ حيث أرسل ثلاث من كبار ملائكته ليعطوا من تربة القبر للنبي محمد صلوات الله عليه وآله؟ وهناك اتفاق بين السنة والشيعة على ذلك والملائكة هم: (ملك القطر ، وفطرس ، وجبرئيل) عليهم السلام. فينقل الإمام أحمد في مسندة الرواية التالية: (عن عبد الله بن نجي ، عن أبيه ، أنه سار مع علي فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي : اصبر أبا عبد الله ، اصبر أبا عبد الله بشط الفرات . قلت : وماذا ؟ قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان ، فقلت : يا نبي الله ، أغضبك أحد ؟ وما شأن عينيك تفيضان ؟ قال : بل قام من عندي جبريل قبل ، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات. قال : فقال : هل لك أن أشمك من تربته ؟ قلت : نعم . فمد يده ، فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فاضتا). (9)

 

وفي رواية ابن حبان عن أنس بن مالك ، قال : (استأذن ملك القطر ربه أن يزور النبي (ص) فأذن له ، فكان في يوم أم سلمة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : احفظي علينا الباب ، لا يدخل علينا أحد ، فبينا هي على الباب إذ جاء الحسين بن علي فطفر ، فاقتحم ، ففتح الباب ، فدخل ، فجعل يتوثب على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم ، وجعل النبي يتلثمه ويقبله ، فقال له الملك : أتحبه ؟ قال : نعم ، قال : أما إن أمتك ستقتله ، إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه ؟ قال : نعم ، فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه ، فأراه إياه ، فجاءه بسهلة أو تراب أحمر ، فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها.قال ثابت : كنا نقول إنها كربلاء).(10)

 

وفي رواية البحار : قال فطرس (يا رسول الله أما إن أمتك ستقتله وله علي مكافاة ألا يزوره زائر إلا أبلغته عنه ولا يسلم عليه مسلم إلا أبلغته سلامه ولا يصلي عليه مصل إلا أبلغته صلاته ثم ارتفع).(11)

 

عن إسحاق ابن عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إن لموضع قبر الحسين بن علي عليهما السلام حرمة معلومة من عرفها واستجار بها أجير.. وموضع قبره منذ يوم دفن روضة من رياض الجنة، ومنه معراج يعرج فيه بأعمال زواره إلى السماء، فليس ملك ولا نبي في السماوات إلا وهم يسئلون الله أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين عليه السلام ففوج ينزل وفوج يعرج).(12)

 

مما تقدم نفهم لماذا ورد عن الأئمة (ع) أن أمرهم صعب مستصعب، فعن الإمام الصادق (ع) قال : (إن حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، أو مدينة حصينة. قال عمرو: يا أبا الحسن وأي شيء المدينة الحصينة؟ فقال لي: (القلب المجتمع). والمراد بالقلب المجتمع القلب الذي لا يتفرق بمتابعة الشكوك والأهواء ولا يدخل فيه الأوهام الباطلة والشبهات المضلة).(13)

 

المصادر :

1- جوريس زارين Juris Zarins وهو عالم آثار أمريكي-لاتفي وبروفسور في جامعة ولاية ميسوري الأمريكية ومتخصص في الشرق الأوسط أنه.له دراسات حول مكان الجنة المذكور في التوراة فتوجه للعراق واستعان بالأقمار الصناعية .

2- في التوراة في سفر إشعياء 61: 11 يقول : ( كما أن الأرض تُخرج نباتها ،أن الجنة تنبت مزروعاتها).

3- سفر التكوين 2: 9. بما أن الجنة ليس فيها عمل ، فإن قوله (ليعملها ويحفظها) يدل على مكان مادي.

4- سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 2 : 7.

5- سفر التكوين 2: 9. فأنبت الله تعالى من الأرض (الجنة وشجرة الحياة). ورد ذكر شجرة الحياة في المدونات السومرية، وملحمة كلكامش.

6- صحيح البخاري حديث رقم (1888).

7- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩٨ - الصفحة ١١١.وما المانع في ذلك إذا عرفنا أن ارض العراق تحوي ألوف من أجساد الأنبياء لازالت بعض مقابرهم موجودة والأنبياء أجسادهم قطع من الجنة.

8- رواه الترمذي في صحيحه ، حديث رقم (2460).ورواه أيضا الشوكاني في الفوائد المجموعة صفحة : 269.

9- مسند أحمد - مسند العشرة المبشرين بالجنة - مسند الخلفاء الراشدين- : أحمد بن حنبل، ومن مسند علي بن أبي طالب (ع) حديث 649.والرواية موجودة في كتب الشيعة.

10- صحيح ابن حبان باب إخباره عما يكون في امته من الفتن، ذكر الأخبار عن قتل هذه الأمة ابن ابنته المصطفى (ص) ج 15 ص : 142.

11- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٣ - الصفحة ٢٤٤.

12- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩٨ - الصفحة ١١٠.

13- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢ - الصفحة ١٨٣. و : نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٢ - الصفحة ١٢٩.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك