الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية من كتاب مراسم عاشوراء للسيد العاملي (ح 1)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في کتاب مراسم عاشوراء للسيد جعفر مرتضى العاملي: جاءت الآيات الشريفة لتأمر بالتذكير بأيام الله، وبتعظيم شعائر الله سبحانه. قال تعالى: "ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ" (الحج 32). وورد عن الأئمة الأطهار عليهم السلام أوامر كثيرة تحث على إحياء أمرهم عليهم السلام، خصوصاً ذكرى عاشوراء. ولا يصغى إلى الشبهات التي تثار حول كون عاشوراء من هذه لشعائر، أو ليست منها، فإنها لا تعدو كونها شبهة في مقابل بديهة، يلقيها غافل تارة، وحاقد أخرى، وجاحد تارة ثالثة. استدل القائلون بحرمة جرح الرؤوس، بالأدلة التالية: الدليل الأول على التحريم: النواهي الشرعية عن إلقاء النفس في التهلكة. وعمدة أدلتهم على ذلك هو الآية الشريفة: "وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة" (البقرة 195). واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (النور 63). وبقوله تعالى: "وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ" (ال عمران 28)، ونحو ذلك. المناقشة: أولاً: إنه ليس في اللطم العنيف، وجرح الرأس، وضرب السلاسل هلاك، ليقال: إنه إذا لطم أو جرح رأسه، فإنه يلقي بنفسه إلى التهلكة. ثانياً: إنه لو سلم أن ذلك قد يحصل، فإن الحرام منه يكون خصوص ما يؤدي إلى ذلك، أو خيف أن يؤدي إليه أو احتمل ذلك احتمالاً يعتدّ به العقلاء، ويقفون عنده ولا يتجاوزونه، وإلا للزم تحريم ركوب الدابة، والسيارة، والقطار، والطائرة، فإن احتمالات الهلاك فيها أكثر من اللطم المؤلم، وضرب السلاسل، وجرح الرأس. ثالثاً: إن قوله تعالى: "وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" (البقرة 195)، ناظر إلى التهلكة في الآخرة، لأنها تتحدث عن الإنفاق في أمر الجهاد، وأن الامتناع عن هذا الإنفاق يعرِّض الإنسان لعقاب الله سبحانه، وللهلاك في الآخرة. رابعاً: وأما سائر الآيات التي ذكروها دليلاً فهي لا تدل على ذلك، إذ هي ناظرة إلى العذاب الإلهي في الآخرة، كما يظهر لمن يرجع إليها. فإن الله سبحانه حين يحذر الناس نفسه، إنما يحذرهم من العذاب الذي يواجههم به في الآخرة. كما أنه قد حذّرهم من الفتنة من جهة، ومن العذاب الأليم من جهة أخرى، والعذاب الأليم إنما هو في الآخرة، وأما الفتنة فليست هي الهلاك والموت، وذلك ظاهر.

ويستطرد السيد العاملي في كتابه عن شبهة مراسم عاشوراء قائلا: وجرح الرؤوس في مراسم عاشوراء، وكذلك ضرب السلاسل، فضلاً عن اللطم، ليس بأشد من أمر الحجامة، فضلاً عما هو أعظم منها كما سنرى.. فكيف يدَّعى أن ذلك حرام ذاتاً، أو قبيح عقلاً، وأنه من الضرر الواجب دفعه؟ إن هذه الدعوى فيها الكثير من المجازفة.. خصوصاً إذا لاحظنا أنه لا يترتب على هذه الأفعال، لا هلاك، ولا مرض، بحسب العادة. وفي مختلف الأحوال فإن ذلك كله إذا تعنون بعنوان راجح: واجب أو مستحب، فإنه يأخذ حكم ذلك العنوان. وإذا تعنون بما هو مبغوض ومرجوح، فكذلك الأدلة السمعية على حرمة الضرر. هذا كله لو كان الدليل على حرمة الضرر المحتمل أو المظنون، أو المقطوع به، هو العقل، أما لو كان الدليل عليه هو الأدلة السمعية، فنقول: إنه ليس ثمة من دليل سمعي، قادر على إثبات أن الأضرار بالنفس، وإيذاءها محرم بجميع مراتبه، بل إن ذلك لم يقل به أحد ممن يعتد بقوله من العلماء. فالقدر المتيقن من الإيذاء المحرم، هو ما يؤدي إلى الهلاك، أو ما كان ضرراً بالغاً، يصل إلى حد قطع عضو، أو التسبب بحدوث مرض عضال. ولم يوردوا أدلة سمعية على ذلك سوى ما ذكرناه، من الاستناد إلى قوله تعالى: "وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" (البقرة 195)، وقد ذكرنا فيما تقدم: أنها إنما تنهى عن الهلاك الأخروي الذي هو التعرض لغضب الله عز وجل، بسبب عدم امتثال أوامره في الإنفاق في الجهاد.. فالتهلكة في الآية هي الأخروية. وهناك إشكالات أخرى على استدلالهم بهذه الآية تقدمت، فلا حاجة لإعادتها. واستدلوا له أيضاً بقوله تعالى: "وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً" (النساء 29). حيث دل على حرمة قتل النفس، ولا سيّما بملاحظة الآية التالية لها، وهي قوله تعالى: "وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً" (النساء 30). ولكن في دلالة هذه الآية أيضاً مناقشات. لكن الذي يهون الخطب، هو: أن حرمة أن يقتل الإنسان نفسه، مما لا ريب فيها، ولا شبهة تعتريها، حتى إنها قد تلحق بالضروريات. فلا حاجة إلى إقامة الأدلة على ذلك، ولا ضرورة للنقض والإبرام فيها. وأما ما دون القتل من مراتب الأذى، فلا يمكن الحكم بحرمته بصورة قاطعة، بل لا شك في جواز بعض مراتبه كما ظهر مما تقدم.

وعن الضرر والهلاك في النصوص والآثار يقول السيد جعفر مرتضى العاملي: أن الضرر ذو مراتب، وعلى أن ما كان من مراتبه محكوماً بالحرمة، فليس لأجل أن حرمته ذاتية، أو لأنه قبيح عقلاً، بل هو تابع في ذلك لما يعرض له من عناوين، وأنه قد تعرض عليه عناوين مختلفة الأحكام، فمنها ما هو حرام، ومنها ما هو واجب، ومنها المستحب والمكروه، والمباح. بل قد قلنا: إنه حتى قتل النفس، ليس حراماً ذاتاً، وإنما الميزان هو ما يطرأ عليه من عناوين. ولذلك أمر الله تعالى نبيه إبراهيم عليه السلام بذبح ولده. كما أن الشارع قد أوجب هذا القتل، كما في صورة القصاص، وكما في قوله تعالى، مخاطباً بني إسرائيل: "فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ" (البقرة 54). وعلى كل حال، فإن ثمة نصوصاً كثيرة قد تحدثت عن حكم ما فيه أذى وجرح، قد يصل إلى حد إتلاف بعض الأعضاء، أو فوق ذلك، أو دونه كما سنرى وهناك نصوص تحدثت أيضاً عما فيه خوف ضرر تارة, وعما فيه خوف هلاك أخرى. وهي نصوص تضمنت أقوالاً، وأفعالاً، للأئمة أنفسهم عليهم السلام تارة وفي حضورهم أخرى. وفي تلك النصوص الحديث المرسل والمسند، وفيها الصحاح والحسان، وغير ذلك. وكلها تؤكد حقيقة واحدة، وتشير على أمر فارد، وهو أن جميع ذلك ليس قبيحاً عقلاً، وأن في بعضه اقتضاء للقبح، قد يزيله ويحل محله مقتضٍ آخر، وقد يبقى على حاله. وبعضه لا دليل على وجود اقتضاء ذلك فيه أصلاً. وكلا الصنفين يكون خاضعاً في موارده للعناوين الطارئة، وتابعاً في أحكامه، للوجوه والاعتبارات المختلفة. فإذا كان جرح الرأس، واللطم وغير ذلك من موارد ومصاديق إحياء أمرهم عليهم السلام، الذي ورد الأمر به عنهم، ومنهم عليهم السلام فإن ذلك الضرب والجرح والألم يصبح من الأمور المحبوبة والمطلوبة لله تعالى. بل لقد صدر عن الأنبياء والأئمة عليهم السلام، أو بحضورهم كما نطقت به النصوص والآثار الآتية، ما هو أعظم من اللطم، أو جرح الرؤوس: وكفى شاهداً على ذلك ما فعله النبي يعقوب بنفسه على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام حين بكى على ولده، حتى ابيضت عيناه من الحزن وكاد أن يهلك كما قال له أبناؤه. وقال له أبناؤه: "تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ" (يوسف 84). وهذا خير دليل على أن فعل ما يؤدي إلى العمى أو إلى الهلاك، ليس قبيحاً عقلاً، ولا هو حرام ذاتاً، بل هو تابع للعناوين التي تَعْرُضُ له، أو توجب المصير إليه.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك