الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية في كتاب مجاز القرآن للدكتور محمد حسين الصغير (ح 6)


الدكتور فاضل حسن شريف

يقول الدكتور محمد حسين الصغير القول في كتابه مجاز القرآن خصائصه الفنيّة وبلاغته العربيّة عن الاعجاز في القرآن: كان العرب بفطرتهم النقية أئمة بيان لا شك في هذا، والبيان العربي ذو جذور معرفة في القدم والأصالة يتكون مجموعه من عشرات الآلاف من الألفاظ، ولو كررت الألفاظ نفسها لكان الكلام واحدا، والتفاوت في الجودة والامتياز متلاشيا، وإذا كان الكلام واحدا والتفاوت بين أبعاده مفقودا، لذهبت خصائص البيان الأسلوبية، ولأصبحت حالته متفردة ، غير قابلة للتفاضل ، واذا تحقق هذا، فقد فقدت البلاغة العربية موقعها، والبيان العربي مميزاته، وحينما يكون المنظور الى الفن القولي متساويا، فما معنى الإعجاز البياني واللغوي والبلاغي في القرآن الكريم، وما هي عائدية قوله تعالى في التحدي للبشرية جمعاء حينما يصرخ: "وإن كنتم في ريب ممّا نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين" (البقرة 23). هذا التحدي قائم منصلتا على الإعجاز في القرآن ويعني هذا عجز الكائنات البليغة عن الإتيان ولو بسورة واحدة من جنس هذا البيان، وعدم الاتيان من مثله دليل أصالة القانون البديهي بتفاوت درجات الكلام ومنازله، فكان القرآن أعلاها دون ريب، وكان معجزا بحق. وفي قوله تعالى: "وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم" (المنافقون 4) فقد ذهب بعض الأستاذة المعاصرين: أنهم قالوا أن فيه إطلاق الكل على البعض، والمراد تعجبك وجوههم، لأن الأجسام لا ترى كلها، وإنما يرى الوجه فحسب، ولا أرى تأويلا أبعد من هذا التأويل عن روح الآية، فالجسم وإن كان لا يرى كله، فمن المستطاع أن يدرك الإنسان بنظرة ما عليه الجسم من جمال يبعث على الإعجاب، وقد لا تريد الآية: تعجبك وجوههمولكنها تريد يعجبك ما عليه أجسامهم من ضخامةوما يبدو فيها من مظاهر النماء والقوةوما عليه وجوههم من جمال ونضر.

ويستمر الدكتور الصغير رحمه الله قائلا عن الاعجاز في القرآن: قال تعالى في سورة الإسراء: "نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى" (الاسراء 47). وقال تعالى في سورة الكهف: "فعسى ربّي أن يؤتين خيرا من جنّتك ويرسل عليها حسبانا من السّماء فبصبح صعيدا زلقا (40) أو يصبح ماؤُها غورا فلن تستطيع له طلبا (41)" (الكهف 40-41). والمصدر في الآية الأولى خبر المبتدأ ، وهم يزعمون أن اسم المعنى لا يخبر به عن اسم الذات فتأمل. وفي الآية الثانية خبر الفعل الناسخ. وقال تعالى في مورة الفرقان: "وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هونا" (الفرقان 63) يقول الزمخشري: (هونا حال أو صفة للمشي، إلا ان وضع المصدر موضع الصفة مبالغة). ويعقب المرحوم الدكتور الجواري على هذه الظاهرة بقوله: (وهذا ديدن النحاة إذ أنهم يجنحون إما الى التأويل بتقدير مضاف حتى يكون هو المصدر صالحا لوصف اسم الذات أو الإخبار عنه، وإما الى تفسيره على صورة المبالغة والمجاز. على أن شيوع هذا الاستعمال ووفرته يشعران بأن التأويل والتقدير وصرف المعنى الى المجاز والمبالغة أمور لا ضرورة لها ولا سبب، بل أنها قد تخرج العبارة عن المعنى الذي قصدت إليه). تعود تلك الخصائص ظاهرة لغوية معينة يؤكدها أسلوب القرآن المرة بعد الأخرى، وتمثلها في كتاب الله تعالى عند الآية، هذه الخصائص تتجسد بأبرز مظاهرها الفنية في إسناد الحدث الى غير فاعله، وتحاشي ذكر المسبب في إيجاده، وكان القرآن في هذا وذاك يريد التوجه الجدي الحثيث منصبا الى الحدث ذاته، والتفكير منحصرا في أبعاده دون النظر في الفاعل والمبدع له، أنى كانت نوعيته وكيفيته، وهذا ما حدب على تصويره القرآن في مظهرين عظيمين حينما يتحدث عن يوم القيامة مثلا. المظهر الأدل في مجاله، الحقيقي وتعبيره الأستعمالي الأصل: 1 ـ يتحدث النص القرآني عن أحداث الساعة، والتزلزل الكوني في العالم عندها، والتغيير المفاجىء لمعالم الدنيا البصرية والحسية، فتجيء صفة الأحداث في إسنادها مبنية للمجهول في عشرات الأيات بل مئاتها من القرآن، ولنقف عند سورة التكوير: "إذا الشّمسُ كوّرتْ (1) وإذا النُّجوم انكدرتْ (2) وإذا الجبال سيّرت (3) وأذا العشار عطلّت (4) وإذا الوحوش حشرت (5) وإذا البحار سجّرت (6) وإذا النّفوس زوّجت (7) وإذا الموءودة سئِلت (8) بأيّ ذنب قتلت (9) وإذا الصّحف نشرت (10) وإذا السّماء كشطت (11) وإذا الجحيم سعّرت (12) وإذا الجنّة أُزلفت (13) علمت نفس مّا أحضرت (14)" (التكوير 1-14). وباستقراء هذه الآيات الاربع عشرة ، نجد منها اثنتي عشرة أية قد بنيت أفعالها للمجهول، وطوي ذكر الفاعلى فيها وهي: كورت، سيرت، عطلت، حشرت، سجرت، زوجت، سئلت، قتلت، نشرت، كشطت، سعرت، أزلفت. والقارىء للقرآن يدرك بالفطرة المودعة لديه، أن الفاعل الحقيقي هو الله تعالى بقدرته، أو بأمره، أو بإرادته، أو بتوجيهه لملائكته في تنفيذ ذلك، فصدوره عنه لا شك في ذلك لأنه الجامع بين هذه الأشتات، والمنظم لهذه المتفرقات، أوجدها وسخرها وأنطقها ورتبها، ولكن الخصائص الأسلوبية لهذا النص لا تتعلق بمحدث هذه الأفعال وموجدها، وإنما العناية متجهة نحو الحدث، ولفت الأنظار حوله، والعناية به. لتكون العبرة أشد، واليقظة أعظم.

ويذكر الدكتور محمد حسين الصغير النقطة الثانيةعن التعبير المجازي للقرآن: 2 ـ وفي التعبير المجازي قد يسند الفعل لغير فاعله الحقيقي، تأكيدا على هذه الظاهر، وكأن الفعل متلبس بالفاعل، وكأن الفاعل غير الحقيقي قد توصل إليه ففعله، وإن يكن لهذا الفاعل حول أو طول، أو ليس من شأنه ذلك بل المحدث غيره في كل من قوله تعالى: أ ـ "أقتربت السّاعة وأنشق القمر" (القمر 1). ب ـ ( يوم تمور السّماء مورا (9) وتسير الجبال سيّرا (10)" (الطور 9-10). ج ـ "اذا السّماء انفطرت (1) وإذا الكواكب انتثرت (2)" (الانفطار 1-2). د ـ "فارتقب يوم تأتي السّماء بدخان مّبين" (الدخان 10). وواضح أن الساعة لا تقترب تلقائيا، وأن القمر لا ينشق ذاتيا، وأن الساء لا تمور إراديا، وأن الجبال لا تسير اختياريا، وأن السماء أيضا لا تنفطر من نفسها، وأن الكواكب لا تنتثر بحالها، وأن السماء لا تأتي بدخان مبين بإرادتها. وأنما أضيف لها الفعل لتضخيم الحدث، وليتجه التفكير نحوه، فالفاعل الحقيقي هو غير ما أسند إليه الفعل وتأتي، فالساعة تقترب حتما، والقمر ينشق قطعا، والسماء تمور وتنفطر وتأتي بالدخان مسخرة، والجبال تسير لا شك في هذا، والكواكب تنتثر من تلقاء نفسها، ولا يحتاج كل هذا الى كبير أمر، فقد سخرها ربها لتلقي الحدث فهي صاحبته في مناخ قاهر لا عهد لها به، فتتطوع بهذه الأفعال بذاتيتها دون التلويح الى الفاعل الحقيقي. ومما يؤسف له حقا أن ينشغل أكثر المفسرين عن هذا الملحظ الدقيق، وهذه الظاهرة الأسلوبية النموذجية الى الخوض في تفصيلات الفاعل، وتأويل صدور الفعل عنه. 3 ـ وإذا جئنا الى الاتساع اللغوي في مجاز القرآن وجدنا ظاهرة أسلوبية شامخة، وفصل المجاز اللغوي في القرآن يؤكد هذه الظاهرة بجميع أبعادها في التجوز والاتساع والمرونة، وفيه غنية عن الإفاضة في هذا المدرك لأنه حافل بدلائل سلامة اللفظ اللغوي، وسيرورته في المعاني الجديدة التي لا تعامل الأصل باعتباره منسوخا أو مستغنيا عنه، بل هو هو وهو مضاف إليه هذا الاتساع. تأمل في هوله تعالى: "والله محيط بالكافرين" (البقرة 19) فإنك ستجد بيسر وسهولة كلمة "محيط" غير متخلية عن المعنى الأصل، ولكنها على الصعيد المجازي، تحمل دلالة بارزة جديدة، تتعدى معنى الإحاطة التقليدية، التي اعتاد السامع إدراكها مركزيا من اللفظ ، فليست إحاطته تعالى ههنا إحاطة مكانية، أو طلية، أو جسمية، كإحاطة القلادة بالجيد، أو السوار بالمعصم، أو الخاتم بالبنان، وإنما هي إحاطة مجازية مطلقة عن حدود الإحاطات المتعارفة، وبديهي أن يراد بها إحاطة ذي القوة بمن ليس له قوة، وذي الحول بمن لا حول له.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك