الصفحة الإسلامية

معاني الروح المختلفة في القرآن الكريم (ح 4)


الدكتور فاضل حسن شريف

تكملة للحلقات السابقة قال الله تعالى عن كلمة الروح ومشتقاتها "كَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" ﴿الشورى 52﴾ روحا اسم، روحا: قرآناً أو نبُـوّة أو جبريل، روحاً: هو القرآن به تحيا القلوب، وكما أوحينا إلى الأنبياء من قبلك أيها النبي أوحينا إليك قرآنًا من عندنا، ما كنت تدري قبله ما الكتب السابقة ولا الإيمان ولا الشرائع الإلهية؟ ولكن جعلنا القرآن ضياء للناس نهدي به مَن نشاء مِن عبادنا إلى الصراط المستقيم، و "كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ" ﴿المجادلة 22﴾ بروح منه: بنور يقذفه في قلوبهم أو بالقرآن، وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ: ببرهان ونور وهدى، وأيدهم بروح: بنور، لا تجد أيها الرسول قومًا يصدِّقون بالله واليوم الآخر، ويعملون بما شرع الله لهم، يحبون ويوالون مَن عادى الله ورسوله وخالف أمرهما، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو أقرباءهم، أولئك الموالون في الله والمعادون فيه ثَبَّتَ في قلوبهم الإيمان، و "وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ" ﴿التحريم 12﴾ من روحنا: روحًا مِنْ خَلقِـنـَـا بلا توسّط أبٍ (عيسى عليه السلام)، فنفخنا فيه من روحنا: أي جبريل، وضرب الله مثلا للذين آمنوا مريم بنت عمران التي حفظت فرجها، وصانته عن الزنى، فأمر الله تعالى جبريل عليه السلام أن ينفخ فوصلت النفخة إلى رحمها، فحملت بعيسى عليه السلام، و "تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ" ﴿المعارج 4﴾ وَالرُّوحُ: وَ حرف عطف، ال اداة تعريف، رُّوحُ اسم، تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ: تصعد الملائكة وجبريل، دعا داع من المشركين على نفسه وقومه بنزول العذاب عليهم، وهو واقع بهم يوم القيامة لا محالة، ليس له مانع يمنعه من الله ذي العلو والجلال، تصعد الملائكة وجبريل إليه تعالى في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة من سني الدنيا، وهو على المؤمن مثل صلاة مكتوبة، و "تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ" ﴿القدر 4﴾ وَالرُّوحُ: وَ حرف عطف، ال اداة تعريف، رُّوحُ اسم، الروح: جبريل أو جنس من الملائكة أو ما كان من أمر الله حياةَ النفوس، والروح أي جبريل، يكثر نزول الملائكة وجبريل عليه السلام فيها، بإذن ربهم من كل أمر قضاه في تلك السنة، و "فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ" ﴿الواقعة 89﴾، فَرَوْحٌ: فَ حرف استئنافية، رَوْحٌ اسم، فَرَوْحٌ: طيب نسيم، فروْح، أي فله استراحة، فأما إن كان الميت من السابقين المقربين، فله عند موته الرحمة الواسعة والفرح وما تطيب به نفسه، وله جنة النعيم في الآخرة.

تكملة للحلقة السابقة جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: و بعبارة أخرى، فإنّ الروح هي حقيقة من حقائق ما وراء الطبيعة (أي ميتافيزيقية) حيث أنّ تركيبها و فعاليتها تختلف عن تركيب و فاعلية عالم المادة؛ صحيح أنّها مرتبطة مع عالم المادة، إلّا أنّها ليست مادة و لا تملك خواص المادة. في المقابل هناك الفلاسفة الماديون الذين يقولون: إنّنا لا نعرف موجودا مستقلا عن المادة يسمى بالروح، أو أي اسم آخر، و إنّ كل ما موجود هو هذه المادة الجسمية و آثارها الفيزيائية أو الكيميائية. إنّنا نملك جهازا يسمّى (الذهن و الأعصاب) و هو يقوم بقسم مهم من أعمالنا الحياتية، و هو مثل باقي الأجهزة المادية حيث يخضع في نشاطه لقوانين المادة. لماديون يقولون: إن عقلنا و أعصابنا يشبهان عمل الغدد اللعابية و ما شابهها من أجهزة الجسم من حيث العمل الفيزيائي و الكيميائي (حيث يسمّى المجموع فيزيوكيميائي) و هذا العمل الفيزيوكيميائي نحن نسمّيه ب (الظواهر الرّوحية أو الرّوح). الماديون يقولون: عند ما نفكّر تصدر سلسلة من الأمواج الكهربائية من عقلنا، هذه الأمواج يمكن التقاطها اليوم بواسطة أجهزة خاصّة و تدوينها على الأوراق و دراستها، خاصّة في مستشفيات الأعصاب، حيث يتمّ تشخيص‌ الأمراض العصبية و معالجتها، و هذه هي الفعالية الفيزيائية لعقلنا. إضافة إلى هذا، فإنّ خلايا العقل عند التفكير، و كذلك عند النشاطات العصبية المختلفة، تقوم بمجموعة من الأفعال و الانفعالات الكيمياوية. لذلك فإنّ الروح و الصفات الروحية ليست سوى الخواص الفيزيائية و الأفعال الكيميائية للخلايا العقلية و العصبية. الخطأ الكبير الذي وقع فيه الماديون في أدلتهم و استنتاجاتهم، أنّهم خلطوا بين (وسائل العمل) و (القائم بالعمل). و خلاصة القول: إنّ جميع الأدلة التي ذكرها الماديون تثبت وجود الارتباط بين خلايا العقل و الدّماغ و بين إدراكاتنا، إلّا أنّ أيا منها لا يثبت أنّ الدماغ يقوم بالإدراك، بل أنّه مجرّد وسيلة لذلك. و هنا يتّضح لماذا لا يفهم الموتى شيئا، إذ أنّهم و بسبب عدم وجود الارتباط بين الروح و البدن يعجزون عن ذلك، و بالتالي فإنّ الموت لا يعني فناء الروح و انعدامها، و مثل الميت مثل السفينة أو الطائرة التي عطّل فيها جهاز اتصالها (اللاسلكي) فالسفينة و الطائرة بمن فيهما موجودون إلّا أنّ اتصالهم مع الساحل أو المطار مقطوع بسبب فقدانهم لوسيلة الارتباط و الاتصال. إنّ إنسانا في السبعين من عمره لا يبعد أن يكون جسمه قد تغّير عشر مرات، و إذا كان الأمر كما يقول الماديون، من أنّ الإنسان هو نفس جسمه و أجهزته الدماغية و العصبية و خواصه الفيزيائية و الكيميائية، ففي هذه الحالة يجب أن يكون ال (أنا) قد تغيّر عشر مرات خلال هذه السنوات السبعين! و لهذا يكون هذا الإنسان ليس الإنسان السابق، إلّا أنّ هذا الكلام لا يقبله أي وجدان. و من هنا يتّضح أن ثمّة حقيقة واحدة ثابتة على طول العمر، هي غير الأجزاء المادية وهي الروح، هذه الحقيقة لا تتغّير كالأجزاء المادية، و هي أساس وجودنا و تتحكم في حياتنا و هي سبب وحدة شخصيتنا.

جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: تكررت كلمة الروح والمتبادر منه ما هو مبدأ الحياة ـ في كلامه تعالى ولم يقصرها في الإنسان أو في الإنسان والحيوان فحسب بل أثبتها في غيرهما كما في قوله "فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا" (مريم 17)، وقوله "وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا" (الشورى 52) إلى غير ذلك فللروح مصداق في الإنسان ومصداق في غيره. والذي يصلح أن يكون معرفا لها في كلامه تعالى ما في قوله "يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي" (الاسراء 85) حيث أطلقها إطلاقا وذكر معرفا لها أنها من أمره وقد عرف أمره بقوله "إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ" (يس 83) فبين أنه كلمة الإيجاد التي هي الوجود من حيث انتسابه إليه تعالى وقيامه به لا من حيث انتسابه إلى العلل والأسباب الظاهرية. وبهذه العناية عد المسيح عليه ‌السلام كلمة له وروحا منه إذ قال "وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْه" (النساء 171) لما وهبه لمريم عليه ‌السلام من غير الطرق العادية ويقرب منه في العناية قوله تعالى "إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" (ال عمران 59). وهو تعالى وإن ذكرها في أغلب كلامه بالإضافة والتقيد كقوله "وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي" (الحجر 29)، وقوله "وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ" (السجدة 9)، وقوله "فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا" (مريم 17)، وقوله "وَرُوحٌ مِنْهُ" (النساء 171) وقوله: "وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ" (البقرة 87) إلى غير ذلك إلا أنه أوردها في بعض كلامه مطلقة من غير تقييد كقوله "تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْر" (القدر 4) وظاهر الآية أنها موجود مستقل وخلق سماوي غير الملائكة، ونظير الآية بوجه قوله تعالى "تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ" (المعارج 4). وأما الروح المتعلقة بالإنسان فقد عبر عنها بمثل قوله : "وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي" (الحجر 29) "وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ" (السجدة 9) وأتي بكلمة "مِنْ" الدالة على المبدئية وسماه نفخا وعبر عن الروح التي خصها بالمؤمنين بمثل قوله "وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْه" (المجادلة 22) فأتى بالباء الدالة على السببية وسماه تأييدا وتقوية، وعبر عن الروح التي خصها بالأنبياء بمثل قوله "وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ" (البقرة 87) فأضاف الروح إلى القدس وهو النزاهة والطهارة وسماه أيضا تأييدا. وبانضمام هذه الآيات إلى مثل آية سورة القدر يظهر أن نسبة الروح المضافة التي في هذه الآيات إلى الروح المطلقة المذكورة في سورة القدر نسبة الإفاضة إلى المفيض والظل إلى ذي الظل بإذن الله.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك