الصفحة الإسلامية

معاني الروح المختلفة في القرآن الكريم (ح 1)


الدكتور فاضل حسن شريف

قال الله تعالى عن كلمة الروح ومشتقاتها "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" ﴿الإسراء 85﴾ الرُّوحِ: ال اداة تعريف، رُّوحِ اسم، عن الروح: الذي يحيا به البدن، ويسألك الكفار عن حقيقة الروح تعنتًا، فأجبهم بأن حقيقة الروح وأحوالها من الأمور التي استأثر الله بعلمها، وما أُعطيتم أنتم وجميع الناس من العلم إلا شيئًا قليلا، و "نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ" ﴿الشعراء 193﴾ نزل به الروح الأمين: جبريل، وإن هذا القرآن الذي ذُكِرَتْ فيه هذه القصص الصادقة، لَمنزَّل مِن خالق الخلق، ومالك الأمر كله، نزل به جبريل الأمين، فتلاه عليك أيها الرسول حتى وعيته بقلبك حفظًا وفهمًا؛ لتكون مِن رسل الله الذين يخوِّفون قومهم عقاب الله، فتنذر بهذا التنزيل الإنس والجن أجمعين. نزل به جبريل عليك بلغة عربية واضحة المعنى، ظاهرة الدلالة، فيما يحتاجون إليه في إصلاح شؤون دينهم ودنياهم، و "رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ" ﴿غافر 15﴾ الروح: الوحي، سمي روحاً لأنه حياة من موت الكفر أو القرآن أو جبريل، يلقي الروح: يُنزل الوَحْيَ أو القـرآن أو جبريل، يُلْقِيِ الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ: ينزل الوحي من أمره، يلقي الروح: الوحي، ومن رحمته بعباده أن يرسل إليهم رسلا يلقي إليهم الوحي الذي يحيون به، فيكونون على بصيرة من أمرهم، و "يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَابًا" ﴿النبإ 38﴾ الرُّوحُ: جبريل، يوم يقوم جبريل عليه السلام والملائكة مصطفِّين، لا يشفعون إلا لمن أذن له الرحمن في الشفاعة، وقال حقًا وسدادًا، و "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ" ﴿البقرة 87﴾ بِرُوحِ: بِ حرف جر، رُوحِ اسم، بِرُوحِ القُدُسِ: جبريل عليه السلام، بروح القدس: من إضافة الموصوف إلى الصفة أي الروح المقدسة جبريل لطهارته يسير معه حيث سار فلم تستقيموا، ولقد أعطينا موسى التوراة، وأتبعناه برسل من بني إسرائيل، وأعطينا عيسى ابن مريم المعجزات الواضحات، وقوَّيناه بجبريل عليه السلام.

قوله تعالى "وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ" (المجادلة 22) روي عن الإمام الباقر والصادق عليهما السلام أنّ المراد بالروح في هذه الآية الإيمان. عن أبي بكير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام في قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم (إذا زنا الزاني فارقه روح الإيمان) قال عليه السلام (هو قوله تعالى "وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ" (المجادلة 22) ذلك الذي يفارقه). قال الشيخ الصدوق: الإعتقاد في الروح أنّه ليس من جنس البدن، وأنّه خلق آخر لقوله تعالى "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" (المؤمنون 14)، وإذا فارقت الأبدان فهي باقية، منها منعّمة، ومنها معذّبة إلى أن يردّها الله تعالى بقدرته إلى أبدانها.

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى‌ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ‌" (غافر 15) و هذه الروح هي نفس القرآن و مقام النبوّة و الوحي، حيث تحيي هذه الأمور القلوب، و تكون في الإنسان كالروح بالنسبة لجسد الإنسان. إنّ قدرته من جانب، و درجاته الرفيعة من جانب آخر، تقتضي أن يعلن عزّ و جلّ عن برنامجه و تكاليفه عن طريق الوحي، و هل ثمّة تعبير أجمل من الروح، هذه الروح التي هي سرّ الحياة و الحركة و النشاط و التقدم. لقد ذكر المفسّرون احتمالات متعدّدة لمعنى الروح، لكن من خلال القرائن الموجودة في الآية، و ممّا تفيده الآية (2) من سورة النحل التي تقول: "يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى‌ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ" (النحل 2)‌ و كذلك ممّا تفيده آية (52) من سورة الشورى التي تخاطب الرّسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و توضح له نزول القرآن و الإيمان و الروح بقوله تعالى: "وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ" (الشورى 52)‌ من كلّ ذلك يتبيّن أنّ المقصود بالروح في الآية التي نحن بصددها، هو الوحي و القرآن و التكليف الإلهي. تفيد عبارة "من أمره" أنّ ملك الوحي المكلّف بإبلاغ هذه الروح، إنّما يتحدث و يتكلّم بأمر اللّه لا من عند نفسه. أمّا قوله تعالى: "عَلى‌ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ‌" (النحل 2) فلا تعني أنّ هبة الوحي تعطى لأي كان، لأن مشيئته تعالى هي عين حكمته، و كل من يجده مؤهلا لهذا المنصب يخصه بهذا الأمر، كما نقرأ في الآية (124) من سورة الأنعام حيث قوله تعالى: "اللَّهُ أَعْلَمُ‌ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ‌" (الانعام 124). و عند ما نجد بعض الرّوايات المروية عن أهل البيت عليهم السّلام تفسّر الروح في الآية أعلاه ب "روح القدس" و تخصّها بالنبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الأئمّة المعصومين من أهل البيت عليهم السّلام، فإنّ ذلك لا يتعارض مع ما قلناه، لأنّ "روح القدس" هي نفس الروح العلوية المقدسة و المنصب المعنوي العظيم الذي يتجسّد كاملا في الأنبياء و الأئمّة المعصومين عليهم السّلام، و كثيرا ما يتجلّى جزء منها في الأشخاص الآخرين الذي متى ما ساعدتهم فيوضات روح القدس فإنّه سيقومون بأعمال مهمّة، و تنطق لسانهم بالحكمة. الملفت للنظر هنا أنّ الآيات السابقة كانت تتحدث عن رزق الأجساد من مطر و نور و هواء، فيما تتحدث هذه الآيات عن الرزق الروحي و المعنوي المتمثل في نزول الوحي. و الآن لنرى ما هو الهدف من إنزال روح القدس على الأنبياء عليهم السّلام، و لماذا يسلك الأنبياء هذه الطرق الطويلة المليئة بالعقبات و الصعاب. الإجابة يقدمها القرآن في نهاية الآية بقوله: "لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ" (غافر 15)‌.

جاء في كتاب فقه الاخلاق للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: أنَّ الفلاسفة والعارفين ذكروا أنَّ مراتب الخلق أو الكون على أربعة أقسام: المرتبة الأولى: عالم الطبيعة أو الناسوت، وهو عالم الأجسام وهو عالمنا الذي نعيشه. المرتبة الثانية: عالم الملكوت، وهو عالم النفوس. المرتبة الثالثة: عالم الجبروت، وهو عالم العقول. المرتبة الرابعة: عالم اللاهوت، وهو عالم الروح. وقالوا: إنَّ الإنسان مكونٌ من كلِّ هذه المراتب الأربعة، لأنَّ له جسماً ونفساً وعقلاً وروحاً، وكلٌّ منها ينتمي إلى أحد هذه العوالم أو المراتب.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك