الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية في كتاب نظرات معاصرة في القرآن الكريم للدكتور محمد حسين الصغير (ح 10)


الدكتور فاضل حسن شريف

قال الدكتور محمد حسين الصغير رحمه الله عن الخمر في كتابه نظرات معاصرة في القرآن الكريم: الخمر لغةً: ما أسكر من عصير العنب لأنها خامرت العقل. قال ابن الاعرابي: وسميت الخمر خمراً لأنها تركت فاختمرت، وإختمارها تغير ريحها. والخمر: ما خمر العقل، وهو المسكر من الشراب. وهي: خمرة وخمر وخمور بزنةِ: تمرة وتمر وتمور. والعرب تسمي العنب خمراً باعتبار ما يؤول إليه، فالتسمية مجازية، وعليه حمل قوله تعالى "إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا" (يوسف 36). فهو يعصر العنب الذي سيصير خمراً. والخمرة محرمة شرعاً، وحرمتها ثابتة تشريعاً في نصوص قرآنية غير قابلة للتأويل، ومنصوص عليها، روائياً في أحاديث غير خاضعة للاجتهاد، فلا إجتهاد مقابل النص. ليس لنا بعد هذا أن نبيح ما حرّم الله، وليس لنا أيضاً أن نحرم ما أباح الله، سواءً أكان ذلك صادراً عن الله في كتابه، أو عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم في سنته، أو عن الائمة الطاهرين في صحاح ما روي عنهم. كل أولئك لما ورد أن: حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة. في هذا الضوء من الاستقرار يمكننا التحدث عن تحريم الخمر في القرآن الكريم ضمن نصوصه التي لا تقبل الردّ أو الاجتهاد لأنها نصوص مقدسة أملاها الوحي من كلام الله على رسوله الأمين. "وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195)" (الشعراء 192-195).

واستطرد الدكتور الصغير عن الخمر قائلا: ويتكفل البحث في معالجة هذا الموضوع إنطلاقاً من تلك النصوص بحسب أسبقيتها في النزولمكّيها ومدنيّها لنصل إلى رؤية معاصرة تتولى رعاية هذا الملحظ الجدير بالأهمية. أولاً: الذي يبدو للبحث أن أول ما نزل في الموضوع : قوله تعالى "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ" (الاعراف 33). والفواحش في تصوّر أولي هي تلك المعاصي الكبيرة التي يبالغ في سَوءَتِها إلى درجة التشنيع، والأثم هو الذنب الذي يورث المرء هواناً وإنحداراً عن الاسراع في تحصيل الثواب. ثانيا: وفي مجال إحصاء ما يتخذه الناس من ثمرات النخيل والاعناب قال تعالى "وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" (النحل 67). قال الراغب (والسُكرُ حالة تعرض بين المرء وعقله، وأكثر ما يستعمل ذلك في الشراب والسَكَر بفتحتين اسم لما يكون منه السكر). ال الطباطبائي في الميزان (ولا دلة في الآية على إباحة استعمال المسكر، ولا على تحسين استعماله، إن لم تدل على نوع من تقبيحه من جهة مقابلته بالرزق الحسن، وإنما الآية تعد ما ينتفعون به من ثمرات النخيل والأعناب، وهي مكية بخاطب المشركين، وتدعوهم إلى التوحيد). ثالثاً: وفي عملية لفرز مضار الخمر عن منافعها المتصورة قال تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا" (البقرة 219). فبيّن سبحانه وتعالى أن في الخمر والميسر إثماً كبيراً، والإثم هو الوزر العظيم، وفيهما أيضاً منافع للناس بما يتخيلونه نفعاً من أثمانها في بيعها وشرائها، وما يتوهمونه من النشوة في شرب الخمر ومعاقرتها، وما يأخذونه من السحت في لعب القمار، وما يجدونه من الغلبة حيناً فيها، وما يتمتعون به من اللهو واللعب والعربدة في الاجتماع عليهما.

وعن تحريم الخمر يقول الدكتور محمد حسين علي الصغير رحمه الله: وهذا النفع المتصور ينحصر بالمضاربات المالية وما يترتب عليها في البيع والشراء ، وما يصاحب ذلك من العبث واللهو والاسراف في كل من الخمر والميسر ، وكل أولئك منافع على سبيل الحياة الدنيا فهي من المعاني الاعتبارية الزائلة، ولكن الاثم بهما مما يوجب الغضب المطبق في الآخرة ، ويستنزل سخط الباري، وهذا مما لا يقوم له شيء، فالأثم إذن أكبر من النفع. قال الطبرسي (ت: 548 ه‌) وفي الآية تحريم الخمر من وجهتين: أحدهما قوله "وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ" (البقرة 219) فإنه إذا زادت مضرة الشيء على منفعته إقتضى العقل الامتناع عنه. الثاني أنه بيّن أن فيهما الاثم، وقد حرم في آية أخرى الأثم فقال "إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ" (الاعراف 33). وآية الأعراف مكية سبقت هذه الآية المدنية، والإثم هناك منصوص عليه إما بإعتباره خمراً، وإما بإعتبار الآية تحرم مطلق الاثم، والخمر أجد مصاديق هذا الاثم. وفي هذه الآية على إقتراف الاثم، وإقتراف الاثم من المحرمات، فالخمر حرام بدلالة الآيتين معاً. وهذا مَعلَمٌ دقيق المسلك. ولدى تجاوز المسلمين ـ بعضهم بالطبع ـ بعض هذه التعليمات الصريحة في دلالتها نزل قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ" (النساء 43) وفي الآية نهي صريح عن مقاربة الصلاة حال السكر متلبسين بذلك، وفيه إشارة إلى تحريم السكر قبل الصلاة لأن الاتجاه بالصلاة إلى الله ينافيه ابطال العمل بالسكر ، فالمعنى ليس لكم أن تسكروا وتتجهوا إلى الصلاة، فللصلاة مقام عظيم في نهج المرء التعبدي، وهذا المقام ينبغي أن يضل ملازماً للطهارة الروحية والبدنية ، والسيطرة في تخليص النفس من الرجس العارض لتلك الطهارة إنما يتم بالعقل المسيطر في إدراك علماً يقينياً بعيداً عن التلوث والتدرن بسكر الخمر ، فإذا لم يعلم ما يقول ، وقد فقد أعز ما يملك وهو العقل الدال على إرادة فعل الصلاة إمتثالاً للأمر المولوي فلا معنى لتلك العبادة الفاقدة لشرائطها في الانتهاء عن الخمر، فإذا هم انتهوا عن ذلك ، وطهروا نفوسهم عن شربها، ولا معنى لامتثال أمره تعالى مع عبادة غيره، لا سيما وأن هذه العبادة بالذات تقتضي حضور القلب، ولا حضور لغائب العقل حتى يعلم ما يقول، وكيف له أن يعلم ما يقول وهو يعاقر الخمرة التي تذهب بالعقول. وليس المراد أن الصلاة قد تصح من السكران لو علم ما قال، فهذا لا يقول به أحد من المسلمين بل على العكس. قال الطبرسي (وفي الآية دلالة على أن السكران لا تصح صلاته، وقد حصل الاجماع على أنه يلزمه القضاء). وقد تأتي سكارى بالمعنى المجازي، أو أنها تحمل على المعنى المجازي، بمعنى إتيان الصلاة متكاسلاً أو متثاقلاً، أو مستغرقاً بالانصراف عنها بأثار النوم والنعاس كما في تفسير العياشي عن الامام محمد الباقر عليه‌السلام أنه قال(لا تقم إلى الصلاة متكاسلاً ولا متقاعساً ولا متثاقلاً فإنها من خلل النفاق، فإن الله نهىٰ المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى). فقد يكون هذا من باب التشبيه التمثيلي للمتكاسل والمتقاعس والمتثاقل بحال السكران، والله أعلم. ولا يصح لنا علمياً القول بأن هذه الآية قد نزلت قبل تحريم الخمر كما عن بعض المفسرين، لأن آية التحريم المكية قد سبقت إلى ذلك، والآية مدنية بالأجماع. وقد سبقتها آية البقرة وهي مدنيّة أيضاً.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك