الصفحة الإسلامية

آيات قرآنية وكتاب المستشرقون للدكتور محمد حسين الصغير (ح 1)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب المستشرقون والدراسات القرآنية لمؤلفه الدكتور محمد حسين علي الصغير عن رده للمستشرق بول: إن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌و آله‌ وسلم لم يرد الحصول على تأييد أهل الكتاب بالمعنى الذي أشار إليه، وإنما هو تعبير عن وحدة الديانات والشرائع والأنبياء في جميع الأطوار، وأنّ أصول هذه الديانات واحدة، وإن تغيير هذه الحقيقة الواقعة يعتبر تحريفا بالمعنى الذي أشار إليه القرآن "يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ" (النساء 46). وفي قوله تعالى "مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً" (النساء 46). والمسلمون جميعا قد اتفقوا على سلامة القرآن من التحريف، فنصوصه هي النصوص نفسها التي نزلت على عهد رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وحفظت وستبقى محفوظة كما تعهد الله تعالى بذلك في الآية التاسعة من سورة الحجر "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ" (الحجر 9). لقد كان الأجدر بالباحث أن يتناول الموضوع بشكل آخر ـ لو كان موضوعيا ـ فيعرض إلى آراء المسلمين بخلو القرآن من التحريف بدلا من تجريح النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ونسبة ما لم يكن إلى المسلمين، بما لا علاقة له بأصول البحث.

وجاء في الفصل الثاني من الكتاب عن ظاهرة الوحي والمستشرقين يقول الدكتور الصغير: في المدينة المنورة حيث العدد والعدة، والنصرة والفداء، نلمس إيحاء قرآنيا بنقطتين مهمتين: الأولى: مواجهته للمنافقين وتحركهم جهرة وخفاء، وتذبذبهم أزاء الرسالة بين الشك المتمادي والتصديق الكاذب، يصافحون أهل الكتاب تارة، ويوالون مشركي مكة تارة أخرى، حتى ضاق بهم ذرعا، ونهاهم القرآن الكريم عن التردي في هذه الهاوية مرارا وتكرارا، وهددهم بالاستئصال والتصفية بعض الأحيان، ولم ينقطع كيدهم، فمثلوا ثورة مضادة داخلية تفتك بالصفوف وتفرق الجموع ، لو لا الوقوف في نهاية الأمر بوجه ترددهم الخائف ، وهزائمهم المتلاحقة ، أثر ما حققه الإسلام من انتصارات في غزواته وحروبه الدفاعية ، إلا أن جذوتهم بقيت نارا تحت الرماد ، وعاصفة بين الضلوع ، تخمد تارة وتهب أخرى. الثانية : مجابهته للفضوليين، الذين كانوا يأخذون عليه راحته ويزاحمونه وهو في رحاب بيته، بين أفراد أسرته وزوجاته، فينادونه باسمه المجرد ويطلبون لقاءه دون موعد مسبق ، بما عبر عنه القرآن بصراحة: "إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ" (الحجرات 4). واستأثر البعض من هؤلاء وغيرهم بوقت القائد، فكانت الثرثرة والهذر وكان التساؤل والتنطع، دون تقدير لملكية هذا الوقت، وعائدية هذه الشخصية فحد القرآن من هذه الظاهرة واعتبرها ضربا من الفوضى، وعالجها بوجوب دفع ضريبة مالية تسبق هذا التساؤل أو ذاك الخطاب، فكانت آية النجوى: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (المجادلة 12). وكان لهذه الآية وقع كبير، فامتنع الأكثرون عن النجوى ، وتصدق من تصدق فسأل ووعى وعلم، وانتظم المناخ العقلي بين يدي الرسول الأعظم صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم فكف الفضول، وتحددت الأسئلة، ليتفرغ النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم للمسئولية القيادية، ولما وعت الجماعة الإسلامية مغزى الآية، وبلغ الله منها أمره، نسخ حكمها ورفع، وخفف الله عن المسلمين بعد شدة مؤدبة وفريضة رادعة وتأنيب في آية النسخ: "أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ" (المجادلة 13). لم يكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدعا من الرسل، ولم يختص بالوحي دونهم بل العكس هو الصحيح، فقد شاركهم هذه الظاهرة، وقد أوحي إليه كما أوحي إليهم من ذي قبل. قال تعالى: "إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً" (النساء 163-164).

وعن ملك الوحي يقول مؤلف الكتاب الدكتور محمد حسين الصغير: ويوحي الله عزوجل لملك الوحي، ما يوحيه الملك إلى النبي عن الله ويتسلم النبي الوحي، فالوحي واحد هنا مع تقاسم المسئولية وهو عام بالنسبة لكل الأنبياء،؛ وخاص بالنسبة لوحي القرآن أيضا، فالملك ويؤدي عن الله لمحمد صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ومحمد صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم يتلقى ذلك الوحي من الملك ويؤدي ما يوحي به إليه إلى الناس وكان ذلك طريق الوحي القرآني فحسب ؛ وقد صرح به القرآن الكريم بقوله تعالى: "وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194)" (الشعراء 192-194) والروح الأمين هو جبرئيل عليه‌ السلام بإجماع الأمة والروايات ؛ قال الطبرسي ( ت : 548 ه) (يعني جبرئيل عليه‌ السلام، وهو أمين الله لا يغيره ولا يبدله لأن الله تعالى يسمعه جبرئيل فيحفظه: وينزل به على الرسول ويقرؤه عليه، فيعيه ويحفظه بقلبه، فكأنه نزل به على قلبه). لقد صرحت الآية: "وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ" (الشورى 51) بطرق الوحي الالهي، وحددت كيفية هذا الوحي، ومراتب إيصاله على النحو الآتي: 1 ـ الوحي: وأصل الوحي هو: الإشارة السريعة على سبيل الرمز والتعريض، وما جرى مجرى الإيماء والتنبيه على الشيء من غير أن يفصح به. 2 ـ سماع كلام الله تعالى مباشرة من وراء حجاب دون معاينة أو رؤية، لامتناع ذلك عقلا وشرعا ؛ كما كلم الله موسى بن عمران عليه‌ السلام "وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً" (النساء 164) وكان ذلك من وراء حجاب (وهو أن يحجب ذلك الكلام عن جميع خلقه إلا من يريد أن يكلمه به نحو كلامه لموسى عليه‌ السلام لأنه حجب ذلك عن جميع الخلق إلا عن موسى عليه‌ السلام وحده، لأن الحجاب لا يجوز إلا على الأجسام المحدودة). 3 ـ أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء، كما في تبليغ جبرئيل عليه‌ السلام لرسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم في صورة معينة أو صور متعددة، وحي القرآن الكريم عن الله، من غير أن يكلم الله نبيه على النحو الذي كلم به موسى عليه‌ السلام.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك