الصفحة الإسلامية

مفهوم الصنم في القرآن الكريم (ح 1)


الدكتور فاضل حسن شريف

قال الله تعالى عن الأصنام "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ" (الانعام 74) واذكر أيها الرسول مُحاجَّة إبراهيم عليه السلام لأبيه آزر، إذ قال له: أتجعل من الأصنام آلهة تعبدها من دون الله تعالى؟ إني أراك وقومك في ضلال بيِّن عن طريق الحق، و "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ" (الاعراف 138) أصنام اسم، وقطعنا ببني إسرائيل البحر، فمرُّوا على قوم يقيمون ويواظبون على عبادة أصنام لهم، قال بنو إسرائيل: اجعل لنا يا موسى صنمًا نعبده ونتخذه إلهًا، كما لهؤلاء القوم أصنام يعبدونها، قال موسى لهم: إنكم أيها القوم تجهلون عظمة الله، ولا تعلمون أن العبادة لا تنبغي إلا لله الواحد القهار، و "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ" (ابراهيم 35) الْأَصْنَامَ: الْ اداة تعريف، أَصْنَامَ اسم، واذكر أيها الرسول حين قال إبراهيم داعيًا ربه بعد أن أسكن ابنه إسماعيل وأمه هاجَر وادي مكة: رب اجعل مكة بلدَ أمنٍ يأمن كل مَن فيها، وأبعِدني وأبنائي عن عبادة الأصنام، و "وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ" (الانبياء 57)، و "قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ" (الشعراء 71) أصناما اسم، قالوا: نعبد أصنامًا، فنَعْكُف على عبادتها.

جاء في کتاب الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى "أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ" (الانعام 74) قال الراغب في المفردات: الصنم جثة متخذة من فضة أو نحاس أو خشب كانوا يعبدونها متقربين به إلى الله تعالى وجمعه أصنام قال الله تعالى "أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً" (الانعام 74)، "لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ" (الانبياء 57)، انتهى، وما ذكره من اتخاذه من فضة أو نحاس أو خشب إنما هو من باب المثال لا ينحصر فيه اتخاذها بل كان يتخذ من كل ما يمكن أن يمثل به تمثال من أقسام الفلزات والحجارة وغيرها، وقد روي أن بني حنيفة من اليمامة كانوا قد اتخذوا صنما من أقط، وربما كانوا يتخذونه من الطين وربما كان صورة مصورة. وكيف كان فقد كانت الأصنام ربما يمثل بها موضوع اعتقادي غير محسوس كإله السماء والأرض وإله العدل ، وربما يمثل بها موضوع محسوس كصنم الشمس وصنم القمر، وقد كانت من النوعين جميعا أصنام لقوم إبراهيم عليه ‌السلام على ما تؤيده الآثار المكشوفة منهم في خرائب بابل وقد كانوا يعبدونها تقربا بها إلى أربابها ، وبأربابها إلى الله سبحانه، وهذا أنموذج بارز من سفه أحلام البشر أن يخضع أعلى حد الخضوع وهو خضوع العبد للرب لمثال مثل به موضوعا يستعظم أمره ويعظمه، وحقيقته منتهى درجة خضوع المصنوع المربوب لصانعه من صانع لمصنوع نفسه كان الواحد منهم يأخذ خشبة فينحت بيده منه صنما ثم ينصبه فيعبده ويتذلل له ويخضع ولذلك جيء بلفظة الأصنام في قوله المحكي "أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً" (الانعام 74) نكرة ليدل على هوان أمرها وحقارته من جهة أنها مصنوعة.

اوضح الشيخ جعفر السبحاني في كتابه سيد المرسلين: لقد حلَّ موسم العيد وخرج أهلُ بابل المغفّلين الجهلة إلى الصحراء للاستجمام ولقضاء فترة العيد وإجراء مراسيمه وقد أخلوا المدينة. ولقد كانت سوابق إبراهيم وتحامله على الأصنام واستهزاؤه بها قد أوجدت قلقاً وشكاً لدى أهل بابل ولهذا طلبوا منه وهم الذين يساورهم القلق من موقفه تجاه اصنامهم الخروج معهم إلى الصحراء والمشاركة في تلك المراسيم ولكن اقتراحهم هذا بل إصرارهم واجه رفض إبراهيم الّذي رد على طلبهم بحجة المرض إذ قال "إِنِّي سَقِيمٌ" (الصافات 89) وهكذا لم يشترك في عيدهم وخروجهم وبقي في المدينة. حقاً لقد كان ذلك اليوم يوم ابتهاج وفرح للموحد والمشرك وأمّا للمشركين فقد كان عيداً قديماً عريقاً يخرجون للاحتفال به واقامة مراسيمه وتجديد ما كان عليه الآباء والاسلاف إلى الصحراء حيث السفوح الخضراء والمراع الجميلة. وكان عيداً لإبراهيم بطل التوحيد كذلك عيداً لم يسبق له مثيل عيداً طال انتظارُه وافرح حضوره وحلوله فها هو إبراهيم يجد المدينة فارغة من الاغيار والفرصة مناسبة للانقضاض على مظاهر الشرك والوثنية وحدث هذا فعلا. فعندما خرج آخر فريق من اهل بابل من المدينة إغتنم إبراهيم تلك الفرصة ودخل وهو ممتلئ ايماناً ويقيناً باللّه في معبدهم حيث الأصنام والأوثان المنحوتة الخاوية وأمامها الأطعمةُ الكثيرة الّتي احضرها الوثنيون هناك بقصد التبرك بها وقد لفتت هذه الأطعمة نظر الخليل عليه‌ السلام فأخذ بيده منها كسرة خبز وقدمها مستهزئ إلى تلك الاصنام قائلا : لماذا لا تأكلون من هذه الاطعمة؟ قد حطم الخليل عليه‌ السلام جميع الاصنام وتركها ركاماً من الاعواد المهشمة والمعدن المتحطم وإذا بتلك الاصنام المنصوبة في اطراف ذلك الهيكل قد تحولت إلى تلة في وسط المعبد. غير ان ابراهيم ترك الصنم الأكبر من دون ان يمسه بسوء ووضع المعول على عاتقه وهو يريد بذلك ان يظهر للقوم بأن محطِمَ تلك الأَصنام هو ذلك الصنمُ الكبير إلاّ أن هدفه الحقيقي من وراء ذلك كان امراً آخراً. فمنذ أن اخذت الشمس تدنو إلى المغيب ويقتربُ موعد غروبها وتتقلص اشعتها وتنكمش من الرَّوابي والسهول أخذَ الناسُ يؤوبون إلى المدينة أفواجاً افواجاً. وعند ما آن موعد العبادة وتوجّهوا إلى حيث اصنامهم واجهوا منظراً فضيعاً وامراً عجيباً لم يكونوا ليتوقّعونه. وقال احدهم: من الّذي ارتكب هذه الجريمة ومن فعل هذا بالهتنا؟ ولقد كانت آراء إبراهيم ومواقفه السلبية السابقة ضد الاصنام وتحامله الصريح عليها تبعثهم على اليقين بأن إبراهيم وليس سواه هو الّذي صنع ما صنع بآلهتم واصنامهم. ولأجل ذلك تشكلت فوراً محكمة يرأسها نمرود نفسه وأخذوا يحاكمون ابراهيم واُمه ولم يكن لاُمه من ذنب إلا أنها أخفت ابنها ولم تُعلِم السلطات بوجوده ليقضوا عليه شأنه شأن غيره من المواليد الذين قضت تلك السلطة الظالمة عليهم حفاظاً على نفسها وكيانها. ولقد أجابت اُم إبراهيم على هذا السؤال بقولها : أيها الملك فعلت هذا نظراً مني لرعيّتك فقد رأيتك تقتل أولاد رعيّتك فكان يذهب النسل فقلت : إن كان هذا الّذي يطلبه دفعتُه إليه ليقتله ويكف عن قتل أولاد الناس وإن لم يكن ذلك فبقي لنا ولدنا. ثم جاء دور مساءلة إبراهيم عليه‌ السلام فسأله قائلا "مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يا إبْراهيْم" (الأنبياء 59) فقال إبراهيم "فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ" (الأنبياء 63).

عن مركز الاشعاع الاسلامي للدراسات والبحوث الاسلامية للسيد جعفر مرتضى العاملي: علي سجد لله لا للاصنام: نص الشبهة: أشكل بعض الناس على الروايات التي تذكر سجود علي عليه السلام في جوف الكعبة حين ولادته. و قال: فقد كانت الأصنام في جوف الكعبة، فيكون سجود علي عليه السلام لها. الجواب: ونقول: أولاً: إن الله عز وجل لم يطلع هذا القائل الغريب الأطوار على غيبه هذا، ولا أخبره به نبي، ولا وصي. وإذا كان السجود من هذا الطفل لا يكون إلا بتدخل إلهي، يهدف إلى إظهار الكرامة له «عليه السلام»، فالله لا يصنع الكرامة لعلي، لكي يعظم الأصنام، بل ليكون تعظيمه له تبارك وتعالى دون سواه. ثانياً: يضاف إلى ذلك: أن النية هي التي تعين من يكون السجود له، ولم يطلع الله أحد على تفصيل نية علي عليه السلام في سجوده آنئذ. ثالثاً: إن النص التاريخي يقول: إنه سجد لله، وشهد بالوحدانية، وبالرسالة. وفي نص آخر: سجد على الأرض، وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأشهد أن علياً وصي محمد رسول الله، وبمحمد ختم الله النبوة، وبي تتم الوصية، وأنا أمير المؤمنين. وفي نص آخر: أنه عليه السلام لما ولد سجد لله على الأرض، وحمده. فلا معنى للإجتهاد في مقابل النص، بادِّعاء: أنه عليه السلام قد سجد للأصنام. رابعاً: إن قول هذا القائل حجة عليه، فهل يستجيز لنفسه أن يغير دينه، ويعبد الأصنام، والعياذ بالله، استناداً إلى وهمه هذا بأن المعجزة قد ظهرت له فيها؟ وهل يمكن أن يظهر الله أمراً يوجب التغرير بعباده، ويوقعهم في الشبهة والباطل؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ولأجل ذلك نقول: إن كل من يسمع منه هذا القول لا بد أن يعلن تكذيبه له، وسخريته به، ويعتقد أن الله لا يصنع للأصنام أي شيء يدل على علو شأنها، وبذلك يحقق توحيد الله، وتنزيهه تبارك وتعالى. وأخيراً: فإنني لا أدري ماذا يقول هذا الرجل عن أهل نحلته، الذين ما زالوا يقولون عن علي عليه السلام إذا ذكروه: كرم الله وجهه، وحجتهم في ذلك أنه «عليه السلام» لم يسجد لصنم قط.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك