الصفحة الإسلامية

اشارات السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره عن القرآن الكريم من سورة المائدة (ح 39)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب التنقيح في شرح العروة الوثقى للمرجع الاعلى السيد ابو القاسم الخوئي قدس سره - الشيخ ميرزا علي الغروي: اذا كانت المعاطاة المقصود بها الملك المترتّب عليها الملك أيضاً لزوماً كان أو على نحو الجواز ، فهي أيضاً كما إذا كانت المعاطاة من الطرفين ويجري فيها جميع الأدلّة التي أقمناها على إفادتها الملك واللزوم كقوله تعالى "أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" (المائدة 1) أو غيرها من الأدلّة التي أسلفناها سابقاً وذلك لأنّها بيع عرفاً وشرعاً. وما أفاده شيخنا الاُستاذ قدّس سرّه من أنّ البيع عبارة عن مبادلة مال بمال وهي تستلزم التبديلين لا محالة والمفروض أنّ التبديل في المقام من طرف واحد ولا مبادلة فيها ، فممّا لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، لما ذكرناه سابقا من أنّ المراد بالمبادلة ليس هو المبادلة الخارجية والمكانية، بل المراد بها هو المبادلة في عالم الاعتبار المبرزة في الخارج بالفعل أو القول، وهذا المعنى متحقّق في المقام أيضاً لأنّهما قصدا المبادلة بين المالين حسب الفرض وقد أبرزاها باعطاء أحدهما وأخذ الآخر له في مقابلة العوض، هذا كلّه. مضافاً إلى أنّه يمكن أن يقال : إنّ المعاطاة من الجانبين قليلة جدّاً بل كلّ ما يقع في الخارج من المعاطاة معاطاة من جانب واحد فالبائع مثلا يبرز اعتباره باعطاء ماله والمشتري يبرز قبوله بأخذه ، فيكون إعطاء الثمن بعد ذلك وفاءً بالمعاملة التي أوقعاها بالاعطاء والأخذ لا أنّه مقوّم للمعاطاة والمعاملة كما هو ظاهر، فلذا لو سألنا المشتري عن المبيع أنّه مال مَن، قبل أن يدفع عوضه إلى لبائع، يجيبنا بأنّه مالي اشتريته بكذا وكذا، إلاّ فيما إذا لم يطمئن البائع بالمشتري فأعطى بإحدى يديه المبيع وأخذ بالاُخرى الثمن حين دفعه المبيع، وهو قليل جدّاً كما هو واضح. لا يمكن أن يقال إنّ هذا بائع وذاك مشتر لأنّه ليس بأولى من عكسه والعجب من شيخنا الاُستاذ قدّس سرّه حيث إنّه ذكر أنّ أحدهما لا بعينه بائع في هذه الصورة وأحدهما الآخر لا بعينه مشتر ولا تعيّن لشيء منهما في الواقع. وفيه: أنّا ذكرنا مراراً أنّ أحدهما لا بعينه لا مصداق له خارجاً، فهو معاملة مستقلّة يمكن تصحيحها بعموم "أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" (المائدة 1) ولا يكون بيعاً، بل هي التي ينبغي أن يقال إنّها مبادلة مال بمال التي ذكرنا أنّها ليست تعريفاً للبيع حقيقة. ولعلّ مراد صاحب المصباح بقوله: وهو في الأصل مبادلة مال بمال، أنّه في الابتداء كان البيع بينهم بمبادلة مال بمال وعرض بعرض لما أشرنا إليه سابقاً من أنّهم كانوا يتبادلون مالا بمال ثمّ بعد ذلك اخترعت النقود، لا أنّ المراد بالأصل في كلامه هو اللغة كما ذكره بعض المحشّين وإلاّ لكان عليه أن يذكر في كلّ كلمة يفسّرها أنّها في اللغة كذا، مع أنّه بنفسه من كتب اللغة فلا معنى لأن يقال إنّه في اللغة كذا.

جاء في كتاب البيان في تفسير القرآن للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: فإن للقرآن في أنظمته وتعاليمه مسلكا يتمشى مع البراهين الواضحة، وحكم العقل السليم، فقد سلك سبيل العدل، وتجنب عن طرفي الافراط والتفريط. فتراه في فاتحة الكتاب يطلب عن لسان البشر من الله الهداية إلى الصراط المستقيم. وهذه الجملة على وجازتها واختصار ألفاظها واسعة المعنى بعيدة المدى. وسنتعرض لما يتيسر من بيان ذلك عند تفسيرنا للآية المباركة إن شاء الله تعالى. وقد أمر القرآن بالعدل وسلوك الجادة الوسطى في كثير من آياته. فقال: "اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" (المائدة 8).

جاء في كتاب المساقاة للسيد أبوالقاسم الخوئي: قد استدل على حرمة الانتفاع بمطلق المتنجس بجملة من الآيات والروايات. اما الآيات فمنها قوله تعالى: "يا ايها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه" (المائدة 92). فان المتنجس رجس فيجب الاجتناب عنه. وفيه ان الرجس وإن اطلق على الاعيان النجسة كثيرا، كما اطلق على الكلب في صحيحة البقباق إلا ان الآية لا ترتبط بالمدعى لوجوه منها الاول: ان الظاهر من الرجس هي الاشياء التي يحكم عليها بالنجاسة بعناوينها الاولية، فيختص بالاعيان النجسة، ولا يشمل الاعيان المتنجسة، لان النجاسة فيها من الامور العرضية. الثاني: أن الرجس في الآية لا يراد منه القذارة الظاهرية لكي ينازع في اختصاصه بالاعيان النجسة، أو شموله الاعيان المتنجسة ايضا. بل المراد منه القذارة المعنوية: أي الخمسة الموجودة في الامور المذكورة في الآية، سواء كانت قذرة بالقذارة الحسية أيضا أم لم تكن، والذي يدل على ذلك من الآية إطلاق الرجس على الميسر والانصاب والازلام، فان من البديهي أن قذارة هذه الاشياء ليست ظاهرية ولا شبهة في صحة إطلاق الرجس في اللغة على ما يشمل القذارة الباطنية أيضا، وعليه فالآية إنما تدل على وجوب الاجتناب عن كل قذر بالقذارة الباطنية التي يعبر عنها في لغة الفرس بلفظ بليد فتكون المتنجسات خارجة عنها جزما. الثالث: أن جعل المذكورات في الآية من عمل الشيطان، إما من جهة كون الافعال المتعلقة بالخمر والانصاب والازلام رجسا من عمل الشيطان، كما يشير إليه قوله تعالى "إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله" (المائدة 93). فان الرجس قد يطلق على مطلق القبائح والمعاصي، وقد عرفت ذلك في الهامش من القاموس وغيره. وإما من جهة كون تلك الامور نفسها من عمل الشيطان، فعلى الاول تكون الآية دالة رجس نجس لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء. على وجوب الاجتناب عن كل عمل قبيح يصدق عليه أنه رجس، وأما ما لم يحرز قبحه فلا تشمله الآية، وعلى الثاني يكون موضوع الحكم فيها كل عين من الاعيان صدق عليها أنها من عمل الشيطان، وعليه فكل عين محرمة صدق هذا العنوان عليها تكون مشمولة للآية ومن الواضح أن الخمر من عمل الشيطان باعتبار صنعها، أو بلحاظ أن اصل تعليمها كان من الشيطان، وكذلك النصب بلحاظ جعلها صليبا، والازلام بلحاظ التقسيم، كالحظ والنصيب في الزمن الحاضر المعبر، وأما مالا يصدق عليه ذلك وإن كان من الاعيان النجسة كالكلب والخنزير فضلا عن المتنجسات فلا تشمله الآية الرابع: إذا سلمنا شمول الآية للنجاسات والمتنجسات فلا دلالة فيها على حرمة الانتفاع بالمتنجس، فان الاجتناب عن الشئ إنما يكون باجتناب ما يناسب ذلك الشئ، فالاجتناب عن الخمر عبارة عن ترك شربها إذا لم يدل دليل آخر على حرمة الانتفاع بها مطلقا، والاجتناب عن النجاسات والمتنجسات عبارة عن ترك استعمالها فيما يناسبها، ومن القمار عن ترك اللعب، ومن الامهات والبنات والاخوات والخالات وبقية المحارم عبارة عن ترك تزويجهن، كما أن الاجتناب عن المسجد هو ترك العبادة فيه، والاجتناب عن العالم ترك السؤال عنه، والاجتناب عن التاجر ترك المعاملة معه، والاجتناب عن أهل الفسوق ترك معاشرتهم وهكذا وعلى الجملة نسبة الاجتناب إلى ما يجب الاجتناب عنه تختلف باختلاف الموارد، وليست في جميعها على نسق واحد، وعليه فلا دلالة في الآية على حرمة الانتفاع بالمتنجس مطلقا، بل الامر في ذلك موقوف على ورود دليل خاص يدل على وجوب الاجتناب مطلقا. قوله: (مع أنه لوعم التنجس لزم أن يخرج عنه أكثر الافراد). اقول: لا يلزم من خروج المتنجسات كلها من الآية تخصيص الاكثر فضلا عما إذا كان الخارج بعضها، فان الخارج منها عنوان واحد ينطبق على جميع أفراد المتنجس انطباق الكلي على أفراده نعم لو كان الخارج من عموم الآية كل فرد فرد من افراده للزم المحذور المذكور.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك