الصفحة الإسلامية

كلمات مختارة من القرآن الكريم (يجحدون) (ح 1)


الدكتور فاضل حسن شريف

قال الله تبارك وتعالى عن يجحد ومشتقاتها "وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ ۚ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَمِنْ هَـٰؤُلَاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ" ﴿العنكبوت 47﴾ وكما أنزلنا أيها الرسول الكتب على مَن قبلك من الرسل، أنزلنا إليك هذا الكتاب المصدق للكتب السابقة، فالذين آتيناهم الكتاب من بني إسرائيل فعرفوه حق معرفته يؤمنون بالقرآن، ومِن هؤلاء العرب من قريش وغيرهم مَن يؤمن به، ولا ينكر القرآن أو يتشكك في دلائله وبراهينه البينة إلا الكافرون الذين دَأْبُهم الجحود والعناد، و "بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ" ﴿العنكبوت 49﴾ بل القرآن آيات بينات واضحة في الدلالة على الحق يحفظه العلماء، وما يكذِّب بآياتنا ويردها إلا الظالمون المعاندون الذين يعلمون الحق ويحيدون عنه، و "وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ" ﴿لقمان 32﴾ وإذا ركب المشركون السفن وعَلَتْهم الأمواج مِن حولهم كالسحب والجبال، أصابهم الخوف والذعر من الغرق ففزعوا إلى الله، وأخلصوا دعاءهم له، فلما نجاهم إلى البر فمنهم متوسط لم يقم بشكر الله على وجه الكمال، ومنهم كافر بنعمة الله جاحد لها، وما يكفر بآياتنا وحججنا الدالة على كمال قدرتنا ووحدانيتنا إلا كل غدَّار ناقض للعهد، جحود لنعم الله عليه، و "قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ" ﴿الأنعام 33﴾ يَجْحَدونَ: يعاندون الحق، يجحدون: يكذبون، إنا نعلم إنه ليُدْخل الحزنَ إلى قلبك تكذيبُ قومك لك في الظاهر، فاصبر واطمئن؛ فإنهم لا يكذبونك في قرارة أنفسهم، بل يعتقدون صدقك، ولكنهم لظلمهم وعدوانهم يجحدون البراهين الواضحة على صدقك، فيكذبونك فيما جئت به، و "الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ" ﴿الأعراف 51﴾ يَجْحَدونَ: يكفرون و يتكبرون، الذين حَرَمهم الله تعالى من نعيم الآخرة هم الذين جعلوا الدين الذي أمرهم الله باتباعه باطلا ولهوًا، وخدعتهم الحياة الدنيا وشغلوا بزخارفها عن العمل للآخرة، فيوم القيامة ينساهم الله تعالى ويتركهم في العذاب الموجع، كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، ولكونهم بأدلة الله وبراهينه ينكرون مع علمهم بأنها حق، و "وَتِلْكَ عَادٌ ۖ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ" ﴿هود 59﴾ جَحَدوا: كفروا و أنكروا، وتلك عاد كفروا بآيات الله وعصَوا رسله، وأطاعوا أمر كل مستكبر على الله لا يقبل الحق ولا يُذْعن له.

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: الكافرون والظالمون نواجه في الآيات المتقدمة آنفا هذا التعبير وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون ومرة أخرى نواجه المضمون ذاته مع شئ من التفاوت فبدلا من كلمة الكافرون جاءت كلمة الظالمون وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون. والموازنة بين التعبيرين تدل على أن المسألة ليست من قبيل التكرار، بل هي لبيان موضوعين، أحدهما يشير إلى جانب عقائدي " الكافرون " والآخر يشير إلى جانب عملي الظالمون. فالآية الأولى "وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ" ﴿العنكبوت 47﴾ تقول: إن الذين اختاروا الشرك والكفر بأحكامهم المسبقة الباطلة وتقليدهم الأعمى لأسلافهم، لا يرون آية من آيات الله إلا أنكروها وإن تقبلتها عقولهم أما التعبير الثاني "وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ" ﴿العنكبوت 49﴾ فيقول: إن الذين اختاروا بظلمهم أنفسهم ومجتمعهم طريقا يرون فيه منافعهم الشخصية، وعزموا على الاستمرار في هذه الطريق، لا يذعنون لآياتنا. لأن آياتنا كما أنها لا تنسجم مع خطهم الفكري، فهي لا تنسجم مع خطهم العملي أيضا. ونكرر أن التعبير بالجحد يكون في مورد ما لو أن الإنسان يعتقد بالشئ وينكره على خلاف ما يعلمه. ومع الالتفات إلى أن مفهوم الجحود، هو أن يعتقد الإنسان بشئ بقلبه وينكره بلسانه. يجحدون مشتقة من مادة جحد وهي في الأصل تعني إنكار الشئ الموجود في القلب والنفس. بمعنى أن الإنسان يقر في نفسه وقلبه بعقيدة أو نشئ ما، وفي نفس الوقت ينفيه ويتظاهر بعكسه أو يعتقد بعدمه في نفسه ويثبته في لسانه. ويطلق وصف الجحود على البخلاء والذين لا يؤمل منهم الخير ويتظاهرون بالفقر دائما. أما الأرض الجحدة فهي التي لا ينبت فيها النبات إلا قليلا. بعض علماء اللغة أوجز في تفسير جحد و جحود بقولهم: الجحود الإنكار مع العلم. وبناء على ما تقدم فإن الجحود يتضمن في داخله نوعا من معاني العناد في مقابل الحق، ومن الطبيعي أن من يتعامل مع الحقائق بهذا المنظور لا يمكن أن يستمر في طريق الحق، فما لم يكن الإنسان باحثا عن الحقيقة وطالبا لها ومذعنا أمام منطقها فسوف لن يصل إليها مطلقا. إن لفظة كفر تعني في الأصل الستر والإخفاء وأما في المصطلح الديني فتعطي معنى أوسع، فهي تعني كل مخالفة للحق وكل جحد وعصيان سواء في الأصول والاعتقاد، أو في الفروع والعمل، فلا تدل كثرة استعمالها في الجحود الاعتقادي على انحصار معناه في ذلك، ولهذا استعملت في ترك الحج.

عَنْ أَبِي عُمَرَ الزُّبَيْدِيِّ او الزُّبَيْرِيِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ:‌ الْكُفْرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَلَى خَمْسَةِ وُجُوهٍ فَمِنْهُ كُفْرٌ بِجُحُودٍ وَ هُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ جُحُودٌ بِعِلْمٍ وَ جُحُودٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَأَمَّا الَّذِينَ جَحَدُوا بِغَيْرِ عِلْم فَهُمُ الَّذِينَ حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ‌ وَ قالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُوَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ‌" (الجاثية 24) وَ قَوْلِهِ "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ‌" (البقرة 6) فَهَؤُلَاءِ كَفَرُوا وَ جَحَدُوا بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَ جَحَدُوا بِعِلْمٍ فَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى‌ "وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ‌" (البقرة 89) فَهَؤُلَاءِ كَفَرُوا وَ جَحَدُوا بِعِلْمٍ‌.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك