الصفحة الإسلامية

آيات العاقبة في القرآن الكريم (ح 3)


الدكتور فاضل حسن شريف

تكملة للحلقتين السابقتين قال الله عز وجل عن العاقبة "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" ﴿النحل 36﴾ ولقد بعثنا في كل أمة سبقَتْ رسولا آمرًا لهم بعبادة الله وطاعته وحده وتَرْكِ عبادة غيره من الشياطين والأوثان والأموات وغير ذلك مما يتخذ من دون الله وليًا، فكان منهم مَن هدى الله، فاتبع المرسلين، ومنهم المعاند الذي اتبع سبيل الغيِّ، فوجبت عليه الضلالة، فلم يوفقه الله، فامشوا في الأرض، وأبصروا بأعينكم كيف كان مآل هؤلاء المكذبين، وماذا حلَّ بهم مِن دمار، لتعتبروا؟ و "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ" ﴿طه 132﴾ وَالْعَاقِبَةُ: الواو حرف استئناف، ال اداة تعريف، عاقبة اسم، وَأْمُرْ أيها النبي أهلك بالصلاة، واصطبر على أدائها، لا نسألك مالا، نحن نرزقك ونعطيك. والعاقبة الصالحة في الدنيا والآخرة لأهل التقوى، و "الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ" ﴿الحج 41﴾ الذين وعدناهم بنصرنا هم الذين إنْ مكَّنَّاهم في الأرض، واستخلفناهم فيها بإظهارهم على عدوهم، أقاموا الصلاة بأدائها في أوقاتها بحدودها، وأخرجوا زكاة أموالهم إلى أهلها، وأمروا بكل ما أمر الله به مِن حقوقه وحقوق عباده، ونَهَوْا عن كل ما نهى الله عنه ورسوله. ولله وحده مصير الأمور كلها، والعاقبة للتقوى، و "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ" ﴿النمل 14﴾ فانظر أيها الرسول كيف كان مصير الذين كفروا بآيات الله وأفسدوا في الأرض، إذ أغرقهم الله في البحر؟ وفي ذلك عبرة لمن يعتبر، و "فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ" ﴿النمل 51﴾ فانظر أيها الرسول نظرة اعتبار إلى عاقبة غَدْر هؤلاء الرهط بنبيهم صالح؟ أنا أهلكناهم وقومهم أجمعين، و "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ" ﴿النمل 69﴾ قل أيها الرسول لهؤلاء المكذبين: سيروا في الأرض، فانظروا إلى ديار مَن كان قبلكم من المجرمين، كيف كان عاقبة المكذبين للرسل؟ أهلكهم الله بتكذيبهم، والله فاعل بكم مثلهم إن لم تؤمنوا، و "وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ" ﴿القصص 37﴾ وقال موسى لفرعون: ربي أعلم بالمحقِّ منَّا الذي جاء بالرشاد من عنده، ومَن الذي له العقبى المحمودة في الدار الآخرة، إنه لا يظفر الظالمون بمطلوبهم.

جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى: "وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ" (لقمان 22) استئناف ويحتمل أن يكون حالا من مفعول "يَدْعُوهُمْ" (لقمان 21) وفي معنى الجملة الحالية ضمير عائد إليهم ، والمعنى : أو لو كان الشيطان يدعوهم إلى كذا والحال أن من أسلم وجهه إلى الله كذا فقد نجا وأفلح والحال أن عاقبة الأمور ترجع إلى الله فيجب أن يكون هو المعبود. وإسلام الوجه إلى الله تسليمه له وهو إقبال الإنسان بكليته عليه بالعبادة وإعراضه عمن سواه. والإحسان الإتيان بالأعمال الصالحة عن إيقان بالآخرة كما فسره به في أول السورة "هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ" (لقمان 3-4) والعروة الوثقى المستمسك الذي لا انفصام له. والمعنى: ومن وحد الله وعمل صالحا مع اليقين بالمعاد فهو ناج غير هالك البتة في عاقبة أمره لأنها إلى الله وهو الذي يعده بالنجاة والفلاح. ومن هنا يظهر أن قوله: "وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ" (لقمان 22) في مقام التعليل لقوله: "فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى" (لقمان 22) بما أنه استعارة تمثيلية عن النجاة والفلاح. و قوله تعالى: "وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ" (الاعراف 84) ذكر الأمطار في مورد ترقب ذكر العذاب يدل على أن العذاب كان به وقد نكر المطر للدلالة على غرابة أمره وغزارة أثره ، وقد فسره الله تعالى في موضع آخر بقوله: "وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ" (هود 83). وقوله: "فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ" (الاعراف 84) توجيه خطاب إلى النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله ليعتبر به هو وأمته. قوله تعالى: "ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ" (الروم 10) بيان لما انتهى إليه أمر أولئك الظالمين ولذا عبر بثم، و "عاقِبَةَ" بالنصب خبر كان واسمه "السُّواى" قدم الخبر عليه لإفادة الحصر و "أَساؤُا" مقطوع عن المتعلق بمعنى عملوا السوء، والسوآى الخلة التي يسوء صاحبها والمراد بها سوء العذاب و "أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ" بحذف لام التعليل والتقدير لتكذيبهم بآيات الله واستهزائهم بها. والمعنى : ثم كان سوء العذاب هو الذي انتهى إليه أمر أولئك الذين عملوا السوء لم تكن لهم عاقبة غيرها لتكذيبهم بآيات الله واستهزائهم بها.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ان رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: يا رسول الله أوصني، فقال له: فهل أنت مستوص إن أنا أوصيتك؟ حتى قال له ذلك ثلاثا، وفي كلها يقول الرجل: نعم يا رسول الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: فإني أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبر عاقبته فإن يك رشدا فامضه وإن يك غيا فانته عنه. عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لمحمد بن الحنفية قال: من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطاء، ومن تورط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفظعات النوائب، والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم، والعاقل من وعظه التجارب، وفي التجارب علم مستأنف، وفي تقلب الأحوال علم جواهر الرجال. قال أبو عبد الله عليه السلام: ليس لحاقن رأي، لا لملول صديق، ولا لحسود غنى، وليس بحازم من لا ينظر في العواقب، والنظر في العواقب تلقيح للقلوب. عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: (لا عليكم أن تعجبوا بأحد حتّى تنظروا بما يختم له، فإنّ العامل يعمل زماناً من عمره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنّة ثمّ يتحوّل فيعمل عملاً سيّئاً). نظر أمير المؤمنين عليه السلام إلى رجل أثّر الخوف فيه، فقال: (ما بالك؟) قال: إنّي أخاف الله، فقال: (يا عبد الله خف ذنوبك، وخف عدل الله عليك في مظالم عباده، وأطعه فيما كلّفك، ولا تعصه فيما يصلحك، ثمّ لا تخف الله بعد ذلك فإنّه لا يظلم أحداً، ولا يعذّبه فوق استحقاقه أبداً إلّا أن تخاف سوء العاقبة بأن تغيّر أو تبدّل، فإن أردت أن يؤمنك الله سوء العاقبة، فاعلم أن ما تأتيه من خير فبفضل الله وتوفيقه، وما تأتيه من سوء فبإمهال الله وإنظاره إيّاك وحلمه وعفوه عنك). عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يزال المؤمن خائفاً من سوء العاقبة لا يتيقّن الوصول إلى رضوان الله حتّى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له). عن الإمام الكاظم عليه السلام أنّه قال: (إنّ خواتيم أعمالكم قضاء حوائج إخوانكم والإحسان إليهم ما قدرتم، وإلّا لم يقبل منكم عمل، حنّوا على إخوانكم وارحموهم تلحقوا بنا). عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: (الصدقة تمنع ميتة السوء). ورد من موجبات حسن العاقبة قراءة دعاء العديلة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك