الصفحة الإسلامية

فاطمة أم أبيها وما أدراك ما أم أبيها


* د. جميل ظاهري

قال رسول الله الحبيب محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى اهل بيته وأصحابه الأخيار "يا سلمان، من أحبَّ فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي، ومن أبغضها فهو في النار، يا سلمان حبُّ فاطمة ينفع في مائة من المواطن، أيسر تلك المواطن: الموت، والقبر، والميزان، والمحشر، والصراط، والمحاسبة، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة، رضيت عنه، ومن رضيت عنه رضي الله عنه، ومن غضبت عليه ابنتي فاطمة غضبت عليه، ومن غضبت عليه غضب الله عليه، يا سلمان، ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين علياً ، وويل لمن يظلم ذرِّيتها وشيعتها" – رواه الخوارزمي في كشف الغمة 1 / 467.

شاء الله سبحانه وتعالى أن تكون سيدتنا فاطمة الزهراء النبي محمد صلات الله عليهما، فريدة في سجاياها ومناقبها وخصائصها وأدوارها وحتى في ظُلامتها، لتضحى متميزة في كل شيء؛ فاجتباها خالق الكونين بأن تكون سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.. وتبعاً لهذا الإجتباء والإصطفاء فقد أولاها أباها المصطفى الأمين الذي "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى" - النجم: 3و4، من التقدير والاحترام والاهتمام ما لم يولِ أحداً سواها وسوى زوجها الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام؛ كل ذلك بتدبير رباني وحكمة إلآهية لتعرف البشرية جمعاء والمسلمين خاصة قدرها ومنزلتها الفريدة وعظم شأنها، ولكي لا ينافسها أحدٌ في ما خصَّها الله تعالى فكناها الحبيب محمد بـ"أم أبيها"- رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (22 / 397)، والذهبي في "تاريخ الإسلام" (2 / 29)، والحافظ ابن حجرفي "الإصابة" (14 / 87)، والاربلي في كشف الغمة 2/ 90، وفي مقاتل الطالبيين: 29، والمناقب لابن المغازلي: 340 ح 392، وأُسد الغابة: 5 | 520، والإستيعاب: 4 | 380، وتهذيب التهذيب: 12 | 440 وغيرهم لا يتسع مقالنا لذكرهم جميعاً.

أن تكنى سيدتنا فاطمة الزهرا عليها السلام بـأم أبيها دليل بارز ومصداق واضح الأدلة والبراهين في اهتمام نبي الرحمة بريحانته وروحه التي بين جنبيه دون نساءه، وعلى مرأى ومسمع كل الصحابة وزوجاته يسترعي الانتباه الخاص خاصة وأن هذه الكنية تحمل في طياتها دلالات ظريفة وعميقة في نفس الوقت، حيث هناك أكثر من سبب وراء تكنية سيدتنا الزهراء بهذه الكنية.. حيث ذهب البعض الى انها كانت ترعى والدها خاتم المرسلين رعاية متميزة كرعاية الأم لولدها، بل وأكثر حناناً وعطفاً وشفقة من الأم، فيما ذهب الآخر الى أن الصادق الأمين أراد بكنيته هذه لها أن يظهر تقديره وحبه وحنانه تجاهها بإظهار محبته صلوات الله عليه لأمه البارة الحنونة السيّدة آمنة بنت وهب رضوان الله عليها، فيما فسر القسم الثالث ذلك ولعله السبب الأهم في تكنيتها بـ"أم أبيها" هو إظهار أفضلية الزهراء عليها السلام على نساء النبي وأمهات المؤمنين، فأراد الرسول أن يبين أن إبنته فاطمة الزهراء أرفع شأناً ومنزلة حتى من أزواجه أمهات المؤمنين، فهن رغم ما لهن من المنزلة والاحترام، إلا أن فاطمة الزهراء أعلا شأناً منها لأنها أم النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الأخيار وهو أشرف الخلق وأفضلهم جميعاً بما فيهم المؤمنين والمؤمنات بل الأنبياء والمرسلين، فأين هذه الفضيلة من تلك.

"مرحباً بأم أبيها" الحديث الكنية هذا يستوجب علينا الوقوف عنده لنستلهم منه المعاني الرائعة والجميلة التي تضمنها بين طياته، فكلمة "أم أبيها" كلمة عذبة أفضل ما تفوهت به حنجرة رسول الله (ص)، فهذه الكلمة رغم أنها صغيرة ولكنها في نفس الوقت كبيرة مملوءة بالحب والأمل والعطف وكل ما في القلب البشري من الرقة والعذوبة، لذا لا بد من تسليط الأضواء على هذه الكلمة لكي نستخلص روائع الفكر من هذا الحديث الشريف الذي قلده رسول المحبة والمودة لا بنته فاطمة فجعل جيدها يشع نوراً لمن أراد أن يستضي من نور معرفته.. جاء في صحاح اللغة العربية أن معنى كلمة أم هو الأصل كما هو معروف في لسان القرآن الكريم حيث عبر عن مكة المكرمة بـ(أم القرى) أي أصل القرى في الجزيرة العربية، ومنها انطلقت روح الحياة لكي تغذي القرى ومن حولها وتقوم برعيايتها، وذلك لما لها من مكان وموقع جغرافي في قلب الجزيرة العربية مما جعلها قطب الرحى لبقية القرى ... وعلى هذا الأساس نفهم معنى هذا الحديث "أم أبيها" حيث نستطيع تفسير بأن فاطمة عليها السلام كانت مصدر ذرية الرسول ومنبع نسله وهذا ينطبق ويتماشى مع تفسير "الكوثر" الذي هو مصدر ذلك، ومن خلال التأمل في حياة سيدتنا فاطمة واستقراء حياتها في ظل رعاية أبيها رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله نجد عدة معاني وتفاسير تجعل هذا الحديث وهذه الكلمة "أم أبيها" كنظرية ولها تطبيقات عديدة في حياة الصديقة الطاهرة، ومن هنا نتأكد من أن الوقوف مع هذا الحديث يزيدنا معرفة في فاطمة عليها السلام ويجعلنا نتقرب من الأسرار التي كانت تحيط بحياتها الشخصية.

التسمية الألهية هذه لمولاتنا فاطمة الزهراء تؤكد بوضوح الكلمة جملة وتفصيلاً على افضليتها على سائر نساء العالمين مهما كانت مقاماتهن ومنزلتهن وقربهن من النبي الأكرم (ص)، ويشدد على أن رضا أزواج النبي لا وزن ولا قيمة له أمام رضى فاطمة الزهراء الذي هو رضى النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الأخيار، وهو بكل تأكيد رضى الله سبحانه وتعالى، والحبيب الأمين يقول "إن الله ليرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها..ويا فاطمة إن الله ليرضى لرضاك ويغضب لغضبك.. ورضى فاطمة من رضاي وسخطها من سخطي" - جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم في الجزء الثالث في باب ذكر مناقب فاطمة رضي الله عنها برقم (4789) وتعقبه الذهبي، وفي الاصابة، ويرويه صاحب كنز العمال (34237) عن أبي يعلى والطبراني وأبي نعيم، والويل لمن غضبت عليه فغضبها يعني غضب الله سبحانه وتعالى، وإذا غضب الله جل وعلا على أحد أحل به نقمته، وجنّبه رحمته وهو القائل في القرآن الكريم (ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى)- طه: 81.

كان لأم أبيها فاطمة الزهراء (ع) التي نعيش هذه الأيام (20 جمادي الثاني) ذكرى مولدها المبارك والميمون، الدور الريادي الكبير في الحفاظ على الفكر الاسلامي وما شهده المسلمون في الوقائع التي تلت رحيل والدها نبي الرحمة (ص) واستطاعت بكل قوة أن تعبّر عن معارضتها بخطاباتها التي تمثل وثائق حيّة في الفكر والتشريع الاسلامي ومفرداته السياسية، كما أنها (ع) أكملت احتجاجها بعد موتها عندما أوصت بعلها الامام علي أمير المؤمنين عليه السلام بأن يدفنها ليلاً وأن لا يحضر جنازتها الذين ظلموها حقها واضطهدوها؛ إنها أرادت أن تعبّر عن معارضتها واحتجاجها وغضبها بعد الموت، كما عبّرت عن ذلك قبل الموت، ليتساءل الناس: لماذا أوصت أن تُدفن ليلاً؟ وما هي القضية؟ هذا أمر لم يسبق له مثيل في الواقع الاسلامي، الجميع كانوا ينتظرون أن يشاركوا في تشييع الزهراء(ع)، ولكنّها دُفنت ليلاً وقيل لهم: إنها أوصت بذلك، وبدأ التساؤل بين المسلمين: لماذا ولماذا؟! وكانت تريد أن تثير التساؤل حتى يتحرك الجواب، وحتى يعرف الناس حقيقة مشروعها السياسي الاسلامي الرافض للتزييف والتزوير والاستعباد والاستحمار والظلم والعدوان .

كانت الصديقة الطاهرة عليها السلام أول انطلاقة في الصراع العقائدي - السياسي في مرحلة التطبيق للشريعة الاسلامية - أي ما بعد مرحلة التنزيل ، حيث تزعمت حركة العقلانية الأخلاقية بصورة عامة مطلقة لتبيان الأحكام الشرعية وإحقاق الحق , ورغم دعوتها للسلام التي تؤكد على الجانب الانساني وتحرض على الانصياع للمثل العليا والتفاني من اجل المبادئ الرسالية، فأن موهبتها الفذة على تفنيد الأيديولوجيات العدوانية والمرتدة تمثل منهجية علمية بارعة سلكها محبوها وأنصارها على طول القرون والعقود الماضية في جهاد الظلم والاحتلال والتزييف والكذب والخداع والتزوير.. حيث عاشت حياتها عليها السلام من اجل الاسلام فكان دفاعها عن حق آل البيت عليهم السلام في الخلافة دون فصل بعد والدها خاتم المرسلين، وحقها في الارث ليس من منطلق شخصي وهي تعرف أنها أول من يلحق برسول الله صلى الله عليه واله وسلم ولكن صراعها جرى برمته من أجل الاسلام والطريق القويم والالتزام بما جاء بكتاب الله المجيد فمثلما بدأت حياتها بالإسلام ختمته بالاسلام، تاركة لنا أثرا يبقى بقاء الأرض ومن يرثها متمثلاٌ بأئمة الهدى وسنة أبيها (ص) وعطائها المتمثل بخطبتها الشريفة المعروفة بالخطبة الفدكية" - الملل والنحل للشهرستاني.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك