الصفحة الإسلامية

أواب ومآب وأوبي في القرآن كريم (ح 2)


الدكتور فاضل حسن شريف

تكملة للحلقة السابقة قال الله تبارك وتعالى أواب مشتقاتها "وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ۖ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ ۚ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ ۚ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ" ﴿الرعد 36﴾ وَ إلَيْهِ مَآبِ: إلى الله سبحانه مرجعي، والذين أعطيناهم الكتاب من اليهود والنصارى مَن آمن منهم بك كعبد الله بن سلام والنجاشي، يستبشرون بالقرآن المنزل عليك لموافقته ما عندهم، ومن المتحزبين على الكفر ضدك، كالسَّيد والعاقب، أُسْقفَي نجران، وكعب بن الأشرف، مَن ينكر بعض المنزل عليك، قل لهم: إنما أمرني الله أن أعبده وحده، ولا أشرك به شيئًا، إلى عبادته أدعو الناس، وإليه مرجعي ومآبي، و "وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ" ﴿سبإ 10﴾ أوبي: أوب فعل، الياء ضمير، أَوِّبِي مَعَهُ: رجعي معه التسبيح، أوبي: سبّحي، رجّعي بالتسبيح وذلك بلسان الحبشة، وقيل: أوبي من الأوب: رجع وأتاه ليلا. و أوّب القوم: مشوا كل النهار ونزلوا الليل ومنه التأويب وهو سير النهار، ولقد آتينا داود نبوة، وكتابًا وعلمًا، وقلنا للجبال والطير: سبِّحي معه، وألنَّا له الحديد، فكان كالعجين يتصرف فيه كيف يشاء، و "فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ ۖ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ" ﴿ص 25﴾، و "وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ" ﴿ص 40﴾ حسن مآب: حُسْن مَرْجع في الآخرة، وإن لسليمان عندنا في الدار الآخرة لَقربةً وحسن مرجع، و "هَـٰذَا ذِكْرٌ ۚ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ" ﴿ص 49﴾ لحسن مآب: مرجع في الآخرة، هذا القرآن ذِكْر وشرف لك -أيها الرسول- ولقومك. وإن لأهل تقوى الله وطاعته لَحسنَ مصير عندنا في جنات إقامة، مفتَّحة لهم أبوابها، متكئين فيها على الأرائك المزيَّنات، يطلبون ما يشتهون من أنواع الفواكه الكثيرة والشراب، من كل ما تشتهيه نفوسهم، وتلذه أعينهم، و "هَـٰذَا ۚ وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ" ﴿ص 55﴾ لَشَرَّ مَآبٍ: أسوأ منقلب، هذا الذي سبق وصفه للمتقين. وأما المتجاوزون الحدَّ في الكفر والمعاصي، فلهم شر مرجع ومصير، وهو النار يُعذَّبون فيها، تغمرهم من جميع جوانبهم، فبئس الفراش فراشهم، و "لِّلطَّاغِينَ مَآبًا" ﴿النبإ 22﴾ مآبا اسم، مَآبًا: مرجعا ومأوى لهم، إن جهنم كانت يومئذ ترصد أهل الكفر الذين أُعِدَّت لهم، للكافرين مرجعًا، ماكثين فيها دهورًا متعاقبة لا تنقطع، لا يَطْعَمون فيها ما يُبْرد حرَّ السعير عنهم، ولا شرابًا يرويهم، إلا ماءً حارًا، وصديد أهل النار، يجازَون بذلك جزاء عادلا موافقًا لأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا، و "ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ ۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآبًا" ﴿النبإ 39﴾ فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا: مرجعا، أي رجع إلى الله بطاعته ليسلم من العذاب فيه، لهم كل ذلك جزاء ومنَّة من الله وعطاءً كثيرًا كافيًا لهم، ربِّ السموات والأرض وما بينهما، رحمنِ الدنيا والآخرة، لا يملكون أن يسألوه إلا فيما أذن لهم فيه، يوم يقوم جبريل عليه السلام والملائكة مصطفِّين، لا يشفعون إلا لمن أذن له الرحمن في الشفاعة، وقال حقًا وسدادًا، ذلك اليوم الحق الذي لا ريب في وقوعه، فمن شاء النجاة مِن أهواله فليتخذ إلى ربه مرجعًا بالعمل الصالح، و "إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ" ﴿الغاشية 25﴾ إِيَابَهُمْ: اياب اسم، هم ضمير، إيابهم: رجوعهم، و الأوب: ضرب من الرجوع، لأن الأواب لا يقال إلا في الحيوان ذي الإرادة بخلاف الرجوع، فإنه يقال فيه وفي غيره. وآب من السفر: رجع، إن إلينا إيابهم: رجوعهم بعد الموت، إنَّ إلينا مرجعهم بعد الموت، ثم إن علينا جزاءهم على ما عملوا.

جاء في المعاجم: أوَّبَ فعل: رباعي لازم، متعد بحرف، أوَّبْتُ، أُؤَوِّبُ، يُؤَوِّبُ، أوِّبْ، مصدر تَأْوِيبٌ أوّاب: اسم صيغَةُ فَعَّالٍ لِلْمُبَالَغَةِ، أوَّابٌ إلَى اللَّه: التَّائِبُ، النَّادِمُ، أَيْ مَنْ يَؤُوبُ إلَى اللَّهِ، صيغة مبالغة من آبَ، آبَ إلى: كثير الرجوع إلى الله، كثير الذكر والتسبيح. أوَّبَ عَنْهُ: رَجَعَ، أوَّب العابدُ سبَّح ورجَّع التسبيح، آبَ إليه: رَجَعَ وعاد، آبَ إلى الله: رَجَع عن ذنبه وتاب. أوَّابٌ إلَى اللَّهِ: التَّائِبُ، النَّادِمُ، أَيْ مَنْ يَؤُوبُ إلَى اللَّهِ. أوّاب: صيغة مبالغة من آبَ، آبَ إلى: كثير الرجوع إلى الله، كثير الذكر والتسبيح: "فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا" (الاسراء 25). أوّاب: رجّاع إلى الله بالتوبة "هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ" ﴿ق 32﴾. أوَّبَ: أوَّبَ يئوِّب، تأويبًا، فهو مُئوِّب: أوَّب العابدُ سبَّح ورجَّع التسبيح "يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ" (سبأ 10). إنه أوّاب: رجّاع إلى الله تعالى و طاعته وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ" ﴿ص 17﴾. إنه أواب: رجّاعٌ إليه تعالى بالتوبة " نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ" ﴿ص 30﴾. إيابَـهم: رجُوعَهم بعد الموت بالبعث "إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ" ﴿الغاشية 25﴾. حسن المآب: المرجع: أي المرجع الحسن "وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ" ﴿آل عمران 14﴾. للأوّابين: للتّوابين مما يفرُط منهم "فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا" ﴿الإسراء 25﴾. أوب: 1- مصدر آب. 2- رجوع. 3- قصد، إستقامة. 4- طريقة. 5- جهة : «جاء القوم من كل أوب». 6- سرعة. 7- سحاب. 8- ريح. 9- جماعة النحل.

عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله: "طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ" ﴿الرعد 29﴾ أتى المقداد بن الأسود الكندي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى‌ "طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ" ﴿الرعد 29﴾ قَالَ‌: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ فَدَخَلْتُ‌ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِشَجَرَةٍ كُلُّ وَرَقَةٍ مِنْهَا تُغَطِّي الدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا تَحْمِلُ الْحُلِيَّ وَ الْحُلَلَ وَ الطَّعَامَ مَا خَلَا الشَّرَابَ وَ لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ قَصْرٌ وَ لَا دَارٌ وَ لَا بَيْتٌ إِلَّا فِيهِ غُصْنٌ مِنْ أَغْصَانِهَا وَ صَاحِبُ الْقَصْرِ وَ الدَّارِ وَ الْبَيْتِ حُلِيُّهُ وَ حُلَلُهُ وَ طَعَامُهُ فَهُوَ مِنْهَا فَقُلْتُ يَا جَبْرَئِيلُ مَا هَذِهِ الشَّجَرَةُ قَالَ هَذِهِ طُوبَى فَطُوبَى لَكَ وَ لَكَثِيرٍ مِنْ أُمَّتِكَ قُلْتُ فَأَيْنَ مُنْتَهَاهَا يَعْنِي أَصْلُهَا قَالَ فِي دَارِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‌ ابْنِ عَمِّكَ. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص‌ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يُقَالُ لَهَا طُوبَى مَا فِي الْجَنَّةِ دَارٌ إِلَّا وَ فِيهَا غُصْنٌ مِنْ أَغْصَانِهَا أَحْلَى مِنَ الشَّهْدِ وَ أَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ أَصْلُهَا فِي دَارِي وَ فَرْعُهَا فِي دَارِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.

قال أبو جعفر عليه السلام: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس، فإذا زالت صلى ثماني ركعات وهي صلاة الأوابين). جاء في الصحيفة السجادية قول الامام السجاد عليه السلام (ونعوذ بك من شماتة الاعداء، ومن الفقر الى الاكفاء، ومن معيشة في شدة، وميتة على غير عدة، ونعوذ بك من الحسرة العظمى، والمصيبة الكبرى، واشقى الشقاء، وسوء المآب، وحرمان الثواب وحلول العقاب).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك