الصفحة الإسلامية

مفهوم العصمة في القرآن الكريم عند الشيخ جلال الدين الصغير من كتابه عصمة المعصوم (ح 19)


الدكتور فاضل حسن شريف

يقول الشيخ جلال الدين الصغير عن ادخال بعض الصحابة في آية التطهير: هذا ، وقد روى القوم عن واثلة بن الأسقع أن الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم قال بعد أن ذكر كيف أجلس الرسول الأربعة من أهل الكساء وغطاهم به وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. قال: قلت: يا رسول الله وأنا؟ قال: وأنت؟ قال: فوالله إنها لأوثق عملي عندي. وروايتهم هذه إن كانت صحيحة فالكلام لا يعدو كون قول الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم له: وأنت، قد جاءت بطريقة الاستفهام، وهي طبيعية في سياق الكلام العربي، خاصة وأن تعميمها لمثل واثلة الذي هو ليس من الأرحام والأقارب سيحتاج إلى اطلاق القيد المحصور فيه الكلام عن أهل البيت بصورة ليشمل جميع المسلمين. ولعمري كيف يمكن لهذه الرواية ان تكون صحيحة، وواثلة أسلم بعد نزول الآية بزمان طويل؟ فلقد أسلم واثلة قبل غزاة تبوك بمدة قليلة،وفي رواية ابن عبد البر: أسلم والرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم يتجهز للغزوة، فيما نزلت سورة الأحزاب بعيد معركة الأحزاب مباشرة. ويبدو أن الراوي للخبر قد تدراك الأمر فروى في رواية أخرى : أن واثلة قد قال قوله هذا من ناحية البيت، ولكنه نسي أن واثلة بن الأسقع قد قال بأن الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم قد ألقى عليهم بكساء له، وهذا يعني انه قد شاهد الحدث! ولو سلّمنا بقوله هذا فسيلزمه ما هو أنكى وأمرّ، إذ بقوله هذا جعل واثلة بحكم من ينادي الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من وراء الحجرات، فهل ترى الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم قد كافأ واثلة على مخالفته لأمر الله سبحانه وتعالى بعدم مناداة الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم من وراء الحجرات كما قال في كتابه المجيد "إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (الحجرات 4-5). وفي كل الأحوال يبدوا أن الرواة لم يحسنوا صياغه ما وضعوه على لسان واثلة بن الأسقع، فقالوا مرة بأنه كان في بيت الرسول وجاء علي وفاطمة والحسن والحسين، وأخرى قال بأنه جاء لمنزل علي بن ابي طالب فقالت له فاطمة: قد ذهب يأتي برسول الله ثم يروي ما شاهد، فإيّهما نصدّق؟

ويستطرد الشيح الصغير قائلا: قلنا : فإن سورة المسد قرّعت وعنّفت عم الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وامرأته "تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ" (المسد 1-5) وهي خير دليل على زيف ذلك ، فهذه السورة أظهرت أن شأن الرسالة هو الملاك الوحيد الذي بموجبه أنزل الله سبحانه وتعالى قرآنه وأرسل نبيه صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم. وبالنتيجة فإن: القرآن الكريم لا يمكن أن يتحدث عن تلك المناقب والفضائل بشكل مجرد او بصورة اعتباطية لا هدف لها، فهو الكتاب الذي "لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" (فصلت 42)، ولهذا لا بد من القول بأن إحدى صور هذه الهدفية هي غاية جمع الناس حول أصحاب هذه الآيات وشد انتباهم إليهم.

وعن حديث الثقلين: الدلالة والمفهوم يقول الشيخ جلال الدين الصغير: ان القرآن يتحدّث عن نفسه بوصفه قد حوى تبيان كل شيء، ومن يلاحظ الترابط بين القرآن وبين العترة أو أهل البيت في هذا الحديث، فإنه يجد أن الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم يتحدّث عن عدم كفاية القرآن بعنوانه كتاباً صامتاً لا يتكلم ليضع النقاط التي تغفل التطبيقات البشريةـ بعمد ومن دونه وضعها على حروفها وفق المراد الإلهي، وقد رأينا ان القرآن قد فعل نفس الأمر مرة بتأكيد ان الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم لن يتم عملية الهداية الربانية فهو منذر، باعتبار أن الانذار لن تلتزم الأمة بمفادة بمجرد اصداره، فما هو بالذي يستخدم منطق المعجزة في تحويل أناس الجاهلية الجهلاء إلى الأناس الذين جاء القرآن لصنعهم، وما الناس بتلك القابليات التي تؤهلهم للنوء بالأعباء الكاملة للتربية القرآنية وإنما يحتاج إلى مدة زمنية أطول من عمر إنسان واحد قد يخترمه الموت في أي لحظة، مما أوجب وجود الهداة من بعده "إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ" (الرعد 7)، وأخرى في أواخر أيّام نزوله وتحديداً في نفس فترة صدور حديث الثقلين بتصريحه بأن الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم إن لم يبلغ شيئاً معيناً فكأنه لم يبلغ كل الرسالة وفقاً لقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" (المائدة 67). فأنت تلاحظ هنا أن القرآن الكريم قد عمد وهو في أواخر أيام نزوله إلى التأكيد على وجود أمر في البلاغ الإلهي إن يبلّغ فكأن القرآن كله لم يبلّغ، وبكلمة أخرى: نجد أن ما لم ينجز من التبليغ كان معادلاً للقرآن في عملية البلاغ الإلهية أو متمماً له بحيث انه إن لم يتنجز فكأن الرسالة لم تحقق أهدافها الأولى في تحقيق التبليغ الإلهي، وهو في ذلك يضعنا في نفس المقام الذي وضعنا الحديث فيه، ولكن مع ايضاح صورة ذلك الشيء، فالآية لم تشخص من هو رفيق القرآن الذي يتم به التبليغ، ولكن الحديث أماط اللثام عن هذه الجهة، وعليه فإن الآية الكريمة التي تحدّثت عن يأس الكافرين وإتمام الدين وإكمال النعمة "الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ" (المائدة 3) لابد وأن تأتي لتجيب عن استجابة الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم للطلب الرباني بشأن التبليغ، فهي كما ترى تنسخ الأمر الذي تحدثت عنه الآية الأولى بشأن عدم تمامية التبليغ، بينما في هذه الآية تتحدث عن تمام الدين وكمال النعمة ويأس الكافرين، وليس ذلك إلاّ بناء على حدوث حدث قد تم في الفترة التي فصلت ما بين الآيتين، وليس لنا في هذا المجال إلاّ ما جرى في حجة الوداع، مما يعطي لحديث الثقلين دوراً حاسماً في هذا الصعيد، وذلك لأن الحديث تحدث عن ملء الذي كشفت عنه الآية الأولى بشأن التبليغ، ولا يمكن أن يكون القرآن هو صورة هذا الفراغ، كيف؟ والآية قد نزلت في أواخر ما نزل من الآيات القرآنية، والحديث تحدّث عن نفس خيارات الآية الثانية، فلقد تحدّثت الآية عن تمام الدين ويأس الكافرين، وتحدث الحديث عن عدم الضلال من بعد الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم.

ويستطرد الشيخ جلال الدين الصغير قائلا: لايملك المرء نفسه من أن ينظر بنظر الاشمئزاز والاستهجان لما روته عائشة كما جاء في عدد من جوامع الحديث عند أهل السنة قولها: ان رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم سهر ذات ليلة وهي إلى جنبه قالت: فقلت: ما شأنك يا رسول الله؟ قال: ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة قالت: فبينا أنا على ذلك إذ سمعت صوت السلاح فقال: من هذا؟ فقال: أنا سعد بن مالك ، فقال: ما جاء بك؟ قال: جئتك لأحرسك يا رسول الله، قالت: فسمعت غطيط رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم في نومه. مسند أحمد. وهكذا الأمر مع حديثها المكرر الأكثر تداولاً بين أصحاب الجوامع الحديثية : كان النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية : "وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ" (المائدة 67) فأخرج رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم رأسه من القبة فقال لهم: يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله. سنن الترمذي. وهذا الأمر هو الذي حدا بعامة مفسري العامة إلى أن يهرعوا وراء التفسير العائشي ليصوّروا الرسول الأكرم صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم بصورة الرجل الخائف المذعور من القتل والموت بيد الأعداء ، دون أن يفكّروا بالنتائج الإيمانية والفكرية الوخيمة المترتبة على هذا القول، ومن دون أن يسمحوا لعقولهم بالقليل من التفكير.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك