الصفحة الإسلامية

مفهوم العصمة في القرآن الكريم عند الشيخ جلال الدين الصغير من كتابه عصمة المعصوم (ح 17)


الدكتور فاضل حسن شريف

يستمر الشيخ جلال الدين الصغير في شرحه عن الرجس والطهارة وعلاقتهما بالعصمة قائلا: إن الطهارة واذهاب الرجس التي تحدّثنا لا تتوقف عند جانب الاثم ، بل تمتد لتشمل جوانب الخطأ والسهو والنسيان أيضاً، وذلك لأن أسباب الخطأ والاثم وغيرهما مشتركة في جانبين هما: أولهما : الجهل : وقد رأينا أن الرجس يستلزمه وفقاً لمفاد الآية الشريفة "وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ" (يونس 100) وجهد الشيطان الرجيم منصب في الأساس على أن يوجد غشاوة على عقل الإنسان لينسيه ذكر الله وحقائق الأمور ، وفقاً لقول الله تعالى "اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ" (المجادلة 19)، وكذا قوله تعالى "وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ" (الكهف 63) ولهذا فمن يتطهر من الرجس، سينضوي حتماً في دائرة الذين يعقلون، وباعتبار إن التطهّر المشار إليه في الآية تاماً بدلالة ما فيه من مبالغة في التطهير، فإن العقل المشار إليه سيكون هو الآخر تاماً ، على تفصيل سيأتيك في محله إن شاء الله. وثانيهما: منافيات الإيمان: وقد رأينا أن وجود الرجس متعلق بها وفقاً لقوله تعالى "كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ" (الانعام 125) وهذه تأتي من اتباع الهوى، الذي قد يطرح نفسه بديلاً عن الله جلّ وعلا، "أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ" (الفرقان 43) وهو يفضي لمرض القلوب تبعاً لقوله تعالى "وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً" (الكهف 28) ولهذا فإن من أُذهب الرجس عن قلبه لا بد وأن يكون سيّداً لهواه مخالفاً له، ومن طهر قلبه لا بد وأن يكون سعيه باتجاه الكمال كاملاً لا عور فيه، وإذا ما توافق الفاعل وهو إرادة واهب الكمال مع القابل المؤهل لهذه الهبة، فإن خروج معلولهما من البديهيات. ونفي هذين الطريقين وهو ما تعلقت به الارادة الإلهية في إذهاب الرجس ، ولو أضفنا إلى ذلك إرادة التطهّر، فسنجد أن الملازمة الطبيعية لها ستكون متمحورة ليس في اذهاب الاثم والخطأ. على حد سواء بشكل كامل فحسب، بل وفي اضفاء لطف إلهي خاص مجعول لمن يصل إلى هذه المرحلة ليكشف عن بصيرته بشكل كامل وهو تعبير ما نطقت به الآية الكريمة "لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ" (ق 22)، وهذا البصر الحديدي لن يخرج عن كونه بصيرة بكل شيء وفقاً لما صرّحت به الآية الكريمة "هذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ" (الجاثية 20).

وعن إشكالية أهل البيت يقول الشيخ جلال الدين الصغير: يتوجب علينا التذكير بما نعتقد أنه من بديهيات المسلمين وحقائقهم الأولية، وهو أن الرسول صلى‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم حينما يتحدث بأي حديث فإنما هو ناطق من قبل الوحي الإلهي لوضوح الأمر في قوله تعالى "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى" (النجم 3-4)، ومن الواضح أن هذا الوحي لا علاقة له عاطفياً مع أحد بمعزل عن المعايير الرسالية البحتة، ولا تعنيه الوشائج الرحمية للرسول الكريم صلى‌لله‌ليه‌آله‌سلم بشيء إلاّ بمقدار تعلق الأمر بهذه الرسالة، وإلا لما نزل ذلك التقريع الشديد بعم الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وامرأته، ولما مسّت قريش الجاهلية بذلك التعنيف الشديد الذي قد تراه يطال بيتاً كاملاً وأساسياً من بيوتاتها ليصفه بصفة الشجرة الملعونة، ولهذا فإن تعرض القرآن الكريم والرسول الصادق صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم للحديث عن الجانب الرحمي في آية المودة أو في آية التطهير أو في أحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أهل بيته، إنما تنطلق من هذا المنطلق ، وتنتهل من هذا المنهل. كما ينبغي التذكير أيضاً بحقيقة تتعلق بالوحدة الموضوعية لما يصدر من الوحي والانسجام التام بين مفردات ما ينزل به ، وعدم تناقض هذه المفردات في ما بينها وفقاً لقوله تعالى "أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً" (النساء 82)، وعليه فإن ما يصدر من الرسول صلى‌ الل ه‌عليه‌ وآله‌ وسلم في مجال موضوع محدد، ينبغي أن ينسجم انسجاماً كاملاً مع بقية المجالات إن كان ثمة تلاق بين مفاهيمها، ويستوجب ذلك أيضاً انسجام الكلام مع الواقع الخارجي المرتبط بهذه المفاهيم، وإلا لزم ذلك تكذيب الرسول صلى‌ الله‌عليه‌ وآله‌ وسلم وهو الجهة الموحى إليها، وتكذيب الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم هو تكذيب للوحي مما ينتفي مبرر وجوده، وبكلمة أخرى نقول: إن كلام الوحي عن قضية معينة له ارتباط بجهتين ، واحدة تتعلق بجهة الخطاب، وجهة تتعلق بالقيمة الموضوعية لهذا الخطاب، فحينما يقول الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي، فمراد الوحي سيتعلق مرة بموضوع هذه التركة، وأخرى في كون التمسك بهذه التركة لن يؤدي إلى الضلال مطلقاً، وتلمّس آثار ذلك هو الواقع الموضوعي للتركة من حيث عدم سلوكها سبل الضلال، وللأمة المتمسكة بها في أن لا ترد إلى ضلال ولا تخرج من هدى.

وعن أزواج النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم يقول الشيخ جلال الدين الصغير: من يراجع القول يجد أن لا دخل له بالرسول لى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مطلقاً ، فمدّعيه هو عكرمة البربري مولى ابن عباس وعروة ابن الزبير، فلقد روى الطبري في تفسيره عن علقمة قال : كان عكرمة ينادي في السوق "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" (الاحزاب 33) قال: نزلت في نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة.

ونقل ابن عساكر في تاريخه عن عكرمة، عن ابن عباس قوله في الآية : نزلت في نساء النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم خاصة، وقال عكرمة: من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم خاصة. وأخرج السيوطي عن ابن جرير، ابن مردويه عن عكرمة قوله: ليس بالذي تذهبون إليه إنما هو نساء النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم. وأخرج ابن سعد في طبقاته عن عروة بن الزبير قوله عن الآية: يعني أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزلت في بيت عائشة. لو لاحظنا بدقة علاقة الزوج بالبيت لرأيناها عابرة في أغلب الأوقات ، فهي إما أن تطلق ، وإما ان ينأى الزوج عنها ، وإما أن يموت عنها الزوج ، وإما ان تكون منبوذة من الزوج ، وهي حتى مع فرض صلاح الزوجية تبقى أحكامها في الإرث محدودة قياساً إلى سائر الأولاد ، ومع هذا الحال هل ترى كان جديراً أن نتصوّر في القرآن تعليقاً لمفاهيمه على مقام مضطرب في وجوده في الأساس؟! ولدينا صورة التهديد القرآني لعائشة وحفصة في شأن التطليق المتمثل في قوله تعالى "عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً" (التحريم 5) فلو حصل ذلك كما حصل لغيرهنّ هل ترى كان مفهوم أهل البيت يبقى معهنّ في فهم هؤلاء؟ أم إنه سينحسر لتبحث الأمة عن صورة جديدة للطاهرات المطهرات اللاتي أُذهب عنهن الرجس، بعد أن عجز القرآن عن تشخيصه؟

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك