الدكتور فاضل حسن شريف
القرآن يعطي معاني كثيرة للبصيرة. المعنى الاول القطع واليقين الذي لا يقبل الشك "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي" (يوسف 108). وكما جاء في الحديث الشريف (يا عمار اذا سلكوا الناس واديا فاسلك ما سلك علي). والمعنى الثاني للبصيرة هو الشاهد "بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ" (القيامة 14) و كما جاء (من عرف نفسه عرف ربه). فلا يستطيع الانسان ان يغش نفسه. وكما قال الامام الرضا عليه السلام ان التفقه مفتاح البصيرة. والفتنة في الدين مشكلة كبيرة مما يتطلب التمييز بين الحق والباطل . فبفقدان البصيرة يصبح لسان الانسان وسيفه بيد اعدائه فكما قال الامام الحسين عليه السلام تبا لكم ايتها الجماعة وترحا. وقلب الحسين عليه السلام كله رحمة "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (ال عمران 159) وكان يبكي على قتلى اهله واصحابه كما بكى الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم على فقدان ابنه ابراهيم، ويعقوب على ابنه يوسف عليهما السلام . والحسين عليه السلام يبكي ولكنه لا يضعف.
جاء في المعاجم: استبصرَ: استبصرَ استبصرَ في يستبصر، استِبصارًا، فهو مُستبصِر، والمفعول مُستبصَر للمتعدِّي: استبصر الشَّخصُ أبصر، نظر بعينه فرأى. استبصرَ الشَّيءَ: تأمَّله، تمكّن من النَّظر إليه :-وقف يستبصر المنظر الجميل. استبصرَ الأمرَ: استبانَه، استجلاه. استبصر في دينه وعَمَلِه: كان ذا بصيرة فيه وفطنة "وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ" (العنكبوت 38)عقلاء يمكنهم التَّمييز بين الحقّ والباطل بالاستدلال والنَّظر. أبصرَ يُبصر ، إبْصارًا ، فهو مُبصِر ، والمفعول مُبصَر: للمتعدِّي أبصَر الشَّخصُ: 1 - نظر بعينه فرأى، أدرك بحاسّة البصر "لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا" (الاعراف 179). 2 - رأى ببصيرته فاهتدى، علم وأدرك "فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا" (الانعام 104) و "إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ" (الاعراف 201). أبصر الطَّريقُ ونحوه: استبان ووضح "فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ ءَايَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ" (النمل 13). أبصَر النَّهارُ: أضاءَ "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا" (يونس 67). أبصر الهديَّةَ وغيرَها: رآها "فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ ءَايَاتُنَا مُبْصَرَةً" (النمل 13). أبصر المشكلةَ قبل وقوعها: بصُر بها، علِمها، تنبَّأ بها. أبصر قومَه: علَّمهم وأرشدهم "وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ" (الصافات 175). بصِر الأمرَ بصِر بالأمر بصِر في الأمر: بصُر به، فطنه، عَلِمَ به، تنبَّأ به: بصير في الهندسة، "قَالَ بَصِرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصَرُوا بِهِ" (طه 96). بصِر بالشَّخص: بصُر به، نَظَر إليه ورآهُ: "فَبَصِرَتْ بِهِ" (القصص 11).
جاء في الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى "قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (يوسف 108) لما ذكر سبحانه أن محض الإيمان به والإخلاص التوحيد له عزيز المنال وهو الحق الصريح الذي تدل عليه آيات السماوات والأرض أمر نبيه صلى الله عليه وآله أن يبين لهم أن سبيله هو الدعاء إلى هذا التوحيد على بصيرة. فقوله: "هذِهِ سَبِيلِي" إعلان لسبيله، وقوله: "أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ" بيان للسبيل، وقوله: "وَسُبْحانَ اللهِ" اعتراض للتنزيه، وقوله: "وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" تأكيد لمعنى الدعوة إلى الله وبيان أن هذه الدعوة ليست دعوة إليه تعالى كيف كان بل دعوة على أساس التوحيد الخالص لا معدل عنه إلى شرك أصلا.
وكانت بصيرة الناس في زمن الامام علي عليه السلام بعيدة عن القرآن فهم يحفظونه بدون بصيرة و وعي "بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ" (القيامة 14) و "قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى" (يوسف 108) فقد عانى عليه السلام زمن حكمه مع هؤلاء. وما ابن ملجم الا واحد منهم، والا كيف يتجرأ ان يفعل فعلته هذه في بيت الله وفي محراب الصلاة وعند اداء الصلاة وافضل اوقات اليوم وهو الفجر "سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ" (القدر 5) وافضل الاشهر وهو رمضان وقت الصيام وافضل الليالي وهي ليلة القدر وفيها تنزل ملائكة السماء "تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ" (القدر 4). ورد أنّ أمير المؤمنين عليه السلام خاطب معاوية بن أبي سفيان: (وأرديت جيلاً من الناس كثيرًا، خدعتهم بغيّك، وألقيتهم في موج بحرك، تغشاهم الظلمات، وتتلاطم بهم الشبهات، فجازوا عن وجهتهم، ونكصوا على أعقابهم، وتولّوا على أدبارهم، وعوّلوا على أحسابهم، إلاّ من فاء من أهل البصائر، فإنّهم فارقوك بعد معرفتك، وهربوا إلى الله من موازرتك، إذ حملتهم على الصعب، وعدلت بهم عن القصد). جاء في الدعاء الدعاء (اللهم إنّي أسألك أن تجعل النور في بصري، والبصيرة في ديني).
جاء في مجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ" (الرعد 16) أي: كما لا يستوي الأعمى والبصير، كذلك لا يستوي المؤمن والكافر، لأن المؤمن يعمل على بصيرة، ويعبد الله الذي يملك النفع والضر. والكافر يعمل على عمى، ويعبد من لا يملك النفع والضر. ثم زاد في الإيضاح، فقال: "أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ" (الرعد 16) أي: هل يستوي الكفر والإيمان، أو الضلالة والهدى، أو الجهل والعلم.
https://telegram.me/buratha
