الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله جل جلاله عن الوعيد في آيات قرآنية "وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ ۚ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ" ﴿ق 14﴾، و "وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ" ﴿ق 20﴾، و "قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ" ﴿ق 28﴾، و "نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ۖ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ" ﴿ق 45﴾، و "بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ" ﴿القمر 46﴾، و "وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ" ﴿البروج 2﴾. جاء كلمة وعيد في عدد من الآيات (طه 113)، (ق 14)، (ق 20)، (ق 28)، (ق 45). أكثر آيات الوعيد هي في سورة ق بالاضافة الى آيات قرآنية تشير الى الوعيد بالعقاب ليس فيها كلمة وعد ومشتقاتها كما في سورة المسد، وسورة العصر، وسورة التكاثر، وسورة الفجر وغير ذلك. اكد الله جل جلاله ان في القرآن آيات تبين الوعيد "وَكَذَٰلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ" ﴿طه 113﴾ اي بينا فيه من الوعيد. قال السعدي: هذا القرآن شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع وأمراض الشبهات، القادحة في العلم اليقيني، فإن ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة.
تكملة للحلقات السابقة قال الله جل جلاله عن كلمة وعد ومشتقاتها "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ" ﴿الأحقاف 35﴾، و "وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا" ﴿الفتح 20﴾، و "هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ" ﴿ق 32﴾، و "إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ" ﴿الذاريات 5﴾، و "وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ" ﴿الذاريات 22﴾، و "فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ" ﴿الذاريات 60﴾، و "وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" ﴿الملك 25﴾، و "فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ" ﴿المعارج 42﴾، و "خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۚ ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ" ﴿المعارج 44﴾، و "حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا" ﴿الجن 24﴾، و "قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا" ﴿الجن 25﴾، و "السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ ۚ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا" ﴿المزمل 18﴾، و "إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ" ﴿المرسلات 7﴾، و "وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ" ﴿البقرة 51﴾، و "اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا" ﴿البقرة 235﴾، و "رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ" ﴿آل عمران 9﴾.
في خطبة للامام الحسن عليه السلام (إن الدنيا دار بلاء وفتنة وكل ما فيها إلى زوال، وقد نبأنا الله عنهما كيما نعتبر، وقدم إلينا بالوعيد كيلا يكون لنا حجة بعد الإنذار، فازهدوا فيما يفنى، وارغبوا فيما يبقى، وخافوا الله في السر والعلانية). قال الامام زين العابدين عليه السلام (اللهم ارزقنا خوف عقاب الوعيد، وشوق ثواب الموعود حتى نجد لذة ما ندعوك به، وكآبة ما نستجيرك منه، واجعلنا عندك من التوابين الذين أوجبت لهم محبتك، وقبلت منهم مراجعة طاعتك يا أعدل العادلين.). وفي خطبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (الصدق ينبئ عنكم لا الوعيد). وجاء في باب الزيارات (السلام على سادات العبيد، وعدة الوعيد، والبئر المعطلة، والقصر المشيد).
ورد عن ابن عبّاس قال: دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أجل يا شيخ، فو الله ما علوتم تلعةً ولا هبطتم بطن واد إلاّ بقضاء من الله وقدر، فقال الشيخ: عند الله أحتسبُ عنائي يا أمير المؤمنين، فقال: مهلا يا شيخ، لعلّك تظنُّ قضاءً حتماً وقدراً لازماً، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والزّجر، ولسقط معنى الوعيد والوعد. وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام عن معنى القضاء والقدر حينما سأله الشامي فقال: الْأَمْرُ بِالطَّاعَةِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَالتَّمْكِينُ مِنْ فِعْلِ الْحَسَنَةِ وَتَرْكُ الْمَعْصِيَةِ وَالْمَعُونَةُ عَلَى الْقُرْبَةِ إِلَيْهِ وَالْخِذْلَانُ لِمَنْ عَصَاهُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالتَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ كُلُّ ذَلِكَ قَضَاءُ اللَّهِ فِي أَفْعَالِنَا وَقَدَرُهُ لِأَعْمَالِنَا وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا تَظُنَّهُ فَإِنَّ الظَّنَّ لَهُ مُحْبِطُ الْأَعْمَالِ.
قال الله تبارك وتعالى عن الوعد والوعيد ومشتقاتهما ايضا "وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ" ﴿الأعراف 142﴾، و "إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ" ﴿الأنفال 42﴾، و "أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ أُولَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ۚ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ۚ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ" ﴿هود 17﴾، و "قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ" ﴿هود 81﴾، و "وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ" ﴿ابراهيم 14﴾، و "وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ" ﴿الحجر 43﴾، و "وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا" ﴿الكهف 48﴾، و "وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ۖ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ۚ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا" ﴿الكهف 58﴾، و "وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا" ﴿الكهف 59﴾، و "فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى" ﴿طه 58﴾، و "قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى" ﴿طه 59﴾، و "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ" ﴿طه 80﴾، و "قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَٰلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ" ﴿طه 87﴾، و "قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا" ﴿طه 97﴾، و "وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا" ﴿طه 113﴾، و "قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ" ﴿سبإ 30﴾.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة). قال الله سبحانه "وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ" ﴿البروج 2﴾. قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في كتاب العيون والمحاسن: حكى أبو القاسم الكعبي في كتاب الغرر عن أبي الحسين الخياط قال: حدثني أبو مجالد قال: مر أبو عمرو بن العلاء بعمرو بن عبيد وهو يتكلم في الوعيد قال: إنما أتيتم من العجمة لان العرب لا يرى ترك الوعيد ذما، وإنما يرى ترك الوعد ذما، وأنشد: وإني وإن أوعدته ووعدته * لأخلف إيعادي وأنجز موعدي قال: فقال له عمرو: أفليس تسمى تارك الايعاد مخلفا؟ قال: بلى، قال: فتسمي الله تعالى مخلفا إذا لم يفعل ما أوعده؟ قال: لا، قال: فقد أبطلت شهادتك. قال الله تعالى "إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ" (ال عمران 9)، و "فَلَا تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِۦ رُسُلَهُۥٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍۢ" (ابراهيم 47).
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: المراد بيوم الوعيد يوم القيامة الذي ينجز الله تعالى فيه وعيده على المجرمين من عباده "وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ" ﴿ق 20﴾. جاء في التبيان للشيخ الطوسي: ان الصور قرن ينفخ إسرافيل فيه النفخة الأولى فيموت الخلق، والنفخة الثانية فيحيون يوم القيامة، وهو يوم الوعيد الذي وعد الله أن يعاقب فيه من يكفر به ويعصى أمره، ويثيب من يؤمن به ويمتثل. وجاء في رسائل المرتضى للشريف المرتضى أن المؤمن على الحقيقة سرا وعلانية لا يجوز أن يكفر، ولا يحتاج إلى هذا الشرط، وفي آيات الوعيد بالعقاب، إلا أن يتوب هذا العاصي، فإن التوبة تسقط العقاب تفضلا.
https://telegram.me/buratha
