الصفحة الإسلامية

الوعد و الوعيد في القرآن الكريم (ح 3)


الدكتور فاضل حسن شريف

تكملة للحلقتين السابقتين قال الله جل جلالة عن كلمة الوعد ومشتقاتها "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ" ﴿لقمان 33﴾، و "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ" ﴿فاطر 5﴾، و "قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَـٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَـٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ" ﴿يس 52﴾، و "لَـٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ" ﴿الزمر 20﴾، و "فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ" ﴿غافر 55﴾، و "فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ" ﴿غافر 77﴾، و "وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ" ﴿الجاثية 32﴾، و "أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ۖ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ" ﴿الأحقاف 16﴾، و "وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ" ﴿الأحقاف 17﴾، و "مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ" ﴿محمد 15﴾، و "يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ" ﴿الفتح 29﴾، و "وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" ﴿الحديد 10﴾، و "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" ﴿البقرة 268﴾، و "وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ" ﴿آل عمران 152﴾، و "رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ" ﴿آل عمران 194﴾، و "يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا" ﴿النساء 120﴾.

يقول السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره عن قطيعة الرحم فقد عد من الكبائر في صحيح عبد العظيم مشيرا إلى الاستدلال عليه وعلى قطيعة الرحم. ويقتضيه أيضا شدة الوعيد عليه في الكتاب المجيد في قوله تعالى "الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" (البقرة 27). عن السحر فقد ورد الوعيد عليه في الكتاب بقوله تعالى "وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ" (البقرة 102) وفي السنة أيضاً، بل التعبير عنه بالكفر في بعض النصوص. ان أكل مال اليتيم ظلما، والفرار من الزحف، وأكل الربا: لشدة الوعيد عليه في الكتاب والسنة، وقد تظافرت النصوص بعده من الكبائر، وفيها الصحيح والموثق، وفي خبري أبي الصامت ومحمد بن مسلم عده من السبع أو الثمان التي هي أكبر الكبائر. فقد ورد الوعيد عليه في الكتاب والسنة. وعلى كل حال الذنوب الصغيرة هي الذنوب التي لم يرد الوعيد عليها بالنار في الكتاب ، ولا في السنة الشريفة، بل ورد النهي عنها لا غير، مثل النهي عن حلق اللحية، نعم الإصرار على الصغائر بمعنى الإتيان بها مستهوناً بها غير خائف منها ولا وَجِل من الكبائر. كما أن الغناء من الكبائر، وأما السفور فيظهر من بعض النصوص أنه من الكبائر للوعيد عليه بالنار، بل لا ينبغي الإشكال في كونه من الكبائر إذا ابتنى على الإصرار والاستخفاف. بعد أن أكدت الأديان والتفريط فيه. وفي القرآن المجيد مضامين عالية في الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، تهز الناظر فيها شوقاً للثواب وفَرَقاً من العقاب. نماذج من العرض القرآني للثواب والعقاب الأخرويين: قال عزّ من قائل: "هَذَانِ خَصمَانِ اختَصَمُوا فِي رَبِّهِم فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَت لَهُم ثِيَابٌ مِن نَارٍ يُصَبُّ مِن فَوقِ رُءُوسِهِمُ الحَمِيمُ * يُصهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِم وَالجُلُودُ * وَلَهُم مَقَامِعُ مِن حَدِيدٍ * كُلَّما أرَادُوا أن يَخرُجُوا مِنهَا مِن غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ * إنَّ اللهَ يُدخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأنهَارُ يُحَلَّونَ فِيهَا مِن أسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤلُؤاً وَلِبَاسُهُم فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوا إلَى الطَّيِّبِ مِن القَولِ وَهُدُوا إلَى صِرَاطِ الحَمِيدِ" (الحج 19-24).

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: في قوله تعالى: "فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ" (غافر 77) إن وعده بالنصر حق، ووعده بمعاقبة المستكبرين المغرورين حق، وكلاهما سيتحققان، على أعداء الحق أن لا يظنوا بأنهم يستطيعون الهروب من العذاب الإلهي بسبب تأخر عقابهم، لذلك تضيف الآية: "فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ" (غافر 77). إن مسؤوليتك هي التبليغ البليغ وإتمام الحجة على الجميع، حتى تتنور القلوب اليقظة ببلاغك، ولا يبقى للمعاندين عذر. عليك أن تهتم بإنجاز مهمتك ولا تنتظر أن تحقق الوعيد عاجلا بإنزال العقاب على هذه الفئة الضالة. والكلام يتضمن تهديدا إلى تلك الفئة لكي يعلموا أن العذاب لا بد مصيبهم، ونازل بساحتهم، فكما نال بعضهم العقاب الذي يستحقونه في هذه الدنيا في بدر وغيرها، فهناك أيضا يوم القيامة والعذاب المنتظر.

قال الله سبحانه وتعالى عن كلمة وعد ومشتقاتها ايضا "لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَـٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ" ﴿النمل 68﴾، و "وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" ﴿النمل 71﴾، و "أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ" ﴿القصص 61﴾، و "وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا" ﴿الأحزاب 12﴾، و "وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا" ﴿الأحزاب 22﴾، و "وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" ﴿سبإ 39﴾، و "قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَتٍ مِّنْهُ ۚ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا" ﴿فاطر 40﴾، و "وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" ﴿يس 48﴾، و "هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ" ﴿يس 63﴾، و "هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ" ﴿ص 53﴾، و "وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ" ﴿ص 62﴾، و "وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ" ﴿الزمر 74﴾، و "رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" ﴿غافر 8﴾، و "وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ" ﴿غافر 28﴾، و "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ" ﴿فصلت 30﴾، و "أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ" ﴿الزخرف 42﴾، و "فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ" ﴿الزخرف 83﴾، و "قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ" ﴿الأحقاف 22﴾.

قال الامام الصادق عليه السلام: عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له، فمن أخلف فبخلف الله بدأ، ولمقته تعرض، وذلك قوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ" (الصف 2). ورد عن الإمام علي عليه السلام من كتابه للأشتر لما ولاه مصر: وإياك والمن على رعيتك بإحسانك، أو التزيد فيما كان من فعلك، أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك، فإن المن يبطل الإحسان، والتزيد يذهب بنور الحق، والخلف يوجب المقت عند الله والناس، قال الله تعالى: "كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ" (الصف 3). عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس الخلف أن يعد الرجل ومن نيته أن يفي، ولكن الخلف أن يعد الرجل ومن نيته أن لا يفي. قال الإمام علي عليه السلام: كان لي فيما مضى أخ في الله، وكان يقول ما يفعل، ولا يقول ما لا يفعل. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: المنافق من إذا وعد أخلف، وإذا فعل أفشى، وإذا قال كذب، وإذا ائتمن خان، وإذا رزق طاش، وإذا منع عاش.

في تفسير الرازي: لما ذكر الله الوعيد أردفه بالوعد فقال: "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا " (النساء 122) وأعلم أنه تعالى في أكثر آيات الوعد ذكر "خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا". وجاء في أضواء البيان للشنقيطي: قوله تعالى: * (قل أفأنبئكم بشر من ذالكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير) * فإنه قال في هذه الآية في النار: وعدها الله بصيغة الثلاثي الذي مصدره الوعد، ولم يقل أوعدها وما ذكر في هذه الآية، من أن ما وعد به الكفار من العذاب واقع لا محالة، وأنه لا يخلف وعده بذلك، جاء مبينا في غير هذا الموضع كقوله تعالى في سورة ق "قَالَ لَا تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ" (ق 28-29) والصحيح أن المراد بقوله: * "مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ" (ق 29) أن ما أوعد الكفار به من العذاب، لا يبدل لديه، بل هو واقع لا محالة، وقوله تعالى: "كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ " (ق 14) أي وجب وثبت فلا يمكن عدم وقوعه بحال وقوله تعالى: "إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ" (ص 14). أن الوعد يطلق في الخير والشر، وإنما شاع على ألسنة كثير من أهل التفسير، من أن الوعد لا يستعمل إلا في الوعد بخير وأنه هو الذي لا يخلفه الله، وأما إن كان المتوعد به شرا، فإنه وعيد وإيعاد. قالوا: إن العرب تعد الرجوع عن الوعد لؤما، وعن الإيعاد كرما. قال الشاعر: فإني وإن أوعدته أو وعدته * لمخلف إيعادي ومنجز موعدي.

قال الله عز وجل عن كلمة وعد ومشتقاتها ايضا "إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ ۖ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ" ﴿الأنعام 134﴾، و "قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ" ﴿الأعراف 70﴾، و "فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ" ﴿الأعراف 77﴾، و "وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ۖ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ" ﴿الأعراف 86﴾، و "وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ" ﴿الأنفال 7﴾، و "فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ" ﴿التوبة 77﴾، و "فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ" ﴿التوبة 111﴾، و "وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ" ﴿التوبة 114﴾، و "وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ ﴿ يونس 46﴾، و "وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿يونس 48﴾، و "قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ" ﴿هود 32﴾، و "وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ" ﴿هود 45﴾، و "وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ" ﴿الرعد 40﴾، و "فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ" ﴿ابراهيم 47﴾، و "وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ ۚ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" ﴿النحل 88﴾، و "وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا" ﴿الإسراء 64﴾، و "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا" ﴿مريم 54﴾، و "قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَـٰنُ مَدًّا ۚ حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا" ﴿مريم 75﴾.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك