د.مسعود ناجي إدريس ||
● القدرة على التصبغ بصبغة الله
الإنسان عنصر مأخوذ من التربة، التربة التي تحتل أنزل الدرجات في العناصر العالم وإذا شكلنا جدولا لعناصر الوجود يجب إدراج العناصر المادية للتربة في أسفل الدرجات في الجدول. من هذا المنطلق حتى إبليس عندما جادل رب العالمين بسبب عدم طاعته أشار إلى العنصر الترابي للإنسان ولم يعتبر الإنسان كائن يستحق الخلافة. مع وجود كل عناصر الوجود يعتبر أيضا من أكثر العناصر فعالية أيضا، لهذا السبب يمتلك قابليات عجيبة وعليه التعامل مع هذه الاستعدادات حتى يتمكن من أخذ كل شيء وعرض دور كل ما في الوجود من خلال نفسه. لذلك تحدث القرآن الكريم عن قابلية تصبغ الإنسان بصبغة الله وأراد منه بالاستفادة من هذه الحالة الانفعالية للتربة أن يرتقي بنفسه إلى درجة التحلي بالصفات الإلهية على الخصوص ما قاله الله تعالى في سورة البقرة في الآية ٣٠ بان الإنسان جمع كل أسماء الله الحسنى في نفسه ويحتاج فقط أن يعمل بها وهذا الأمر يحدث وممكن بالعبودية.
أعطى هذا الاستعداد والقدرة للإنسان عندما نفخ الله تعالى من روحه فيه. على هذا الأساس ب«نفخت روحي»، استطاع أن يزرع أسماء الله الحسنى في ذاته وسجيته.
الآن عليه أن يعطي الهوية لذاته بالعبودية وأن يمسك بيده مقام الربوبية ويأخذ الخلافة الربوبية بيده. العبودية طريق يقرب الإنسان من الله -سبحانه وتعالى- وبالتقرب إلى الله يجرب الإنسان التصبغ بصبغة الله ومن هذه النقطة تكون الصبغة الإلهية بمعنى أخذ مسؤولية الخلافة الربوبية، ويصبح الإنسان كائن يكون ما أراد الله بالنسبة إليه فعل وإذا يعمل الله بأوامره بسبب المقام الإلهي ب«کن»، «فیکون»، فإن الإنسان أيضا يستطيع أن يعمل ذلك و «کن» للإنسان يصبح ممكنا بكلمة الوجود «بسم الله» التي هي نفسها الاسم الأعظم. بعبارة أخرى إذا تمكن أي شخص من التقرب إلى الله بالعبودية، ويقرب نفسه إلى الله ويمسك الربوبية الطولية والخلافة بيده، سيصبح كائن تصبغ بصبغة الله والتصبغ بصبغة الله تعني إحصاء كل أسماء الله في ذاته وان يصبح هو الاسم الأعظم ويكون قول بسم الله بمعنى كن فيكون بالنسبة له.
فالمؤمن الحقيقي، حسب القرآن، هو الشخص الذي أدرك وجمع وبرز فيه جميع الأسماء الإلهية لتصبغه بصبغة الله. مثل هذا الشخص، لأنه يحمل الاسم الأعظم ويجسد الله في نفسه، يمكن أن يقال إن «کن» بالنسبة له مثل «کن» لله تعالى. لذلك، فإن الخليقة الموجودة سهلة بالنسبة له مثل خلق الله.
إذا كان من الممكن خلق عصفور بالورود على يد النبي عيسى عليه السلام، فهذا أقل ما يمكن أن يحدث للمؤمن. من السهل على المؤمن الحقيقي أن يعرف الغيب وما يأكله أو يرتديه الآخرون وما هي أفكارهم المستقبلية. ومن هنا جاء في الرواية «اتقوا من فراسة المؤمن فإنه ینظر بنور الله» هذا الموقف هو مسألة زمان ومكان، وهو يلف الماضي والمستقبل مثل «طي السجل» والزمان والمكان بالنسبة للمؤمن لا معنى له.
لذلك فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يحذر الناس من أن يحفظوا أنفسهم بالاستغفار حتى لا ينفضحوا أمام المؤمنين: تعطروا بالاستغفار لا تفضحنکم روائح الذنوب.
أولئك الذين هم في موقع الإيمان الحقيقي، مثل النبي يعقوب (ع)، لديهم حاسة شم قوية وحساسة ويمكن أن يشموا رائحة المعصية. يمكن لهذا الاستنشاق أن يسافر لأميال من الماضي إلى الحاضر؛ لأن المؤمن الحقيقي ليس أسير الزمان والمكان ليتمكن من التواجد في المكان أو في الزمان المعين. هكذا يقول النبي يعقوب: إني لأجد ریح یوسف لولاتفندون. رائحة المعاصي كانت تؤذي النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة (ع). إنهم لا يشمون فقط رائحة المعاصي ولكنهم يرونها. وجاء في بعض الروايات، بان لا يجب أن تذهب الحائض أو الزائرين الجنب إلى مقامات الأئمة (ع) ومزاراتهم، حتى لا يتأذوا من رؤيتهم. فالمؤمن إنسان عجيب ورائع لا يحده شيء. ومن ثم فهو لا يبحث عن الزمان والمكان. يتحرك أسرع من سرعة الضوء. لأنه يمتلك روحًا تعي وتدرك الماضي والمستقبل وكذلك الحاضر، خارج نطاق المادة والمواد، عنده إحاطة عملية.
صفات المؤمنين الحقيقيين وعباد الله نقل الشيخ البهائي حديثًا عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كشقول وذكر فيه صفات عباد الله الحقيقيين ، والتي لن تكون خال من اللطف في هذا الجزء من المقال:
«فی صفة عبده الحقيقي هو ان یکون طاعة الله حلاوته و حب الله لذته و إلى الله حاجته و مع الله حکایته و علی الله اعتماده و حسن الخلق عادته و السخاوة حرفته و القناعة ماله و العبادة کسبه و التقوی زاده والقرآن حدیثه و ذکر الله جلیسه و الفقر لباسه و الجوع طعامه و الظمأ شرابه و الحیاء قمیصه و الدنیا سجنه و الشیطان عدوه و الحق حارسه و الموت راحته و القيامة نزهته و الفردوس مسکنه.».
● صفات العبد الحقيقي
۱) ان یکون طاعة الله حلاوته
۲) حب الله لذته
۳) إلى الله حاجته
٤) مع الله حکایته
٥) علی الله اعتماده
٦) حسن الخلق عادته
۷) السخاوة حرفته
۸) القناعة ماله
۹) العبادة کسبه
۱۰) التقوی زاده
۱۱) القرآن حدیثه(يعني يتلو القرآن كثيرا ويأنس به)
۱۲) ذکر الله جلیسه
۱۳) الفقر لباسه
١٤) الجوع طعامه (يصوم كثيرا و ياكل قليلا.)
١٥) الظمأ شرابه (اعتياد على عطش الصيام).
١٦) الحیاء قمیصه
۱۷) الدنیا سجنه
۱۸) الشیطان عدوه
۱۹) الحق حارسه
۲۰) الموت راحته
۲۱) القيامة نزهته
۲۲) الفردوس مسکنه
العبودية، أقرب وسيلة للتقرب وللوصول إلى منزلة المؤمن والعبد الحقيقي، يجب أن نستخدم بعض الوسائل. وفقًا للمنطق العقلاني والفلسفة والكلام، يقوم الوجود على السبب والنتيجة، والله هو رأس سلسلة الأسباب، ومن بين هؤلاء هناك وسطاء يعملون كأسباب متواضعة؛ لذلك سميت الدنيا بدار الأسباب، وقد ورد في الرواية:
إن الله يأبى أن تجري الأمور إلا بأسبابها.
على هذا الأساس، يأمرك الله أن تبحث عن الوسائل للوصول إليه: وابتغوا إليه الوسيلة.
وهذه الأدوات التي يجب أن يستخدمها الإنسان لتحقيق أي هدف مذكور في الآيات القرآنية وتعاليم الوحي. على سبيل المثال، للصلاة والصوم وتلاوة القرآن وعبادة الفجر وما شابه ذلك وظائف وآثار تتجلى في الآيات القرآنية. هذه هي الأدوات التي يستخدمها الإنسان لتقدير احتياجاته. لكن القرآن، بالإضافة إلى ذلك، يقدم طريقة أخرى يمكن القول إنها تتجاوز هذه الأسباب أو أنها اختصار.
هذا هو الاختصار الذي يتم تفسيره على أنه العبودية والربوبية في بعض الروايات. هذا يعني أنه بدلاً من الوصول من وسيلة إلى أخرى خطوة بخطوة للوصول إلى الله، يمكن للمرء تجاوز كل هذه الوسائل والوصول إلى الهدف باختصار. قال أمير المؤمنين علي (ع) في دعاء كميل المنقول عن خضر (ع): توسلت إليك بربوبیتك.
في الروايات العبودیة کنهها الربوبية.
لذلك، فإن من يتمسك بالعبودية النقية، ويقتدي بأهل البيت عليهم السلام، وتصبح العصمة والطهارة الجانب الوحيد ممن يبغي ابتغاء وجه الله ورضا الله، وربط نفسه مباشرة بالله يمكنه في أي وقت أن يحقق ما يريد تحقيقه. لذلك يمكن القول إن طريق العبودية أقصر الطرق وأسهلها وأرسخها للتقرب والوصول إلى الله. هذا هو نفس المقام الذي ناله عباد الرحمن وعباد الله، وكون هذا المقام في أعلى مرتبة من العبودية، وهو ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في آيات القرآن أنه كان في مقام «عبده». (الإسراء الآية ١ والنجم ٩).
● ما هي العبودية والربوبية؟
من أجل الوصول إلى مقام الربوبية التعبدي، يجب على الإنسان أن يأخذ الخلق الإلهي والصبغة واللون الإلهي، ويظهر جميع أسماء الله المودعة في جوهره، ويمكن أن يسلك هذا الطريق فقط من خلال الشريعة، وهو الطريق الكامل وسهل الوصول. ويستطيع الإنسان العثور عليها. لذلك، فإن الذين يريدون الوصول إلى مقام العبودية بغير طريق الشريعة، التي جوهرها وباطنها ربوبية (أن يصبح إلهيا) وامتلاك الكون مثل الله، ضلوا وصاروا قدوة للضالين وحتى أصبحوا من المغضوبين عليهم وهم الذين اشتروا غضب الله بأرواحهم...
https://telegram.me/buratha