د.مسعود ناجي إدريس ||
ما أوجه الشبه والاختلاف بين حكم الإمام المهدي (ع) وحكم النبي سليمان عليه السلام؟ هل ستقع الأحداث والمعجزات التي حدثت في عهد النبي سليمان في عهد الإمام المهدي عليه السلام؟ ولكن ربما يجب أن يكون حكومة الإمام الزمان (عليه السلام) أعظم وأعلى بكثير من حكومة سليمان عليه السلام؟
الحكومة العالمية للإمام المهدي (عليه السلام) وحتى وجوده المقدس تشبه الحكومة الخاصة بسليمان -عليه السلام-. حيث توجد اختلافات متفاوتة فيما بينهما.
تشابه الإمام المهدي (ع) والنبي سليمان
۱. الخلافة: ففي الحديث عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام): إن الله -تبارك وتعالى- أوحى إلى داود (عليه السلام) أن يستخلف سليمان وهو صبي يرعى الغنم، فأنكر ذلك عباد بني إسرائيل وعلماؤهم، فأوحى الله تعالى: إن خذ عصى المتكلمين وعصا سليمان، واجعلها في بيت واختم عليه بخواتيم القوم، فإذا كان من الغد فمن كانت عصاه قد أورقت وأثمرت فهو الخليفة، فأخبرهم داود (عليه السلام) فقالوا قد رضينا وسلمنا.
القائم (عليه السلام) جعله الله -عز وجل- خليفة وهو صبي له خمس سنين تقريبا وقد أجاب في حياة أبيه عن مسائل سعد بن عبد الله القمي، كما مر.
۲. الملك والحكومة
سليمان (عليه السلام) قال: «قَالَ رَبّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ۖ إِنَّك أَنتَ اَلْوَهَّاب» من حيث الكيفية، فإن ملك سلاطين العالم كما هو المتعارف المعتاد مشوب بالجور والفساد، وأراد سليمان ألا يكون ملكه كذلك، وأيضا سلطنة ملوك الأرض إنما هو على الإنس، وسلطنته كانت على الجن والإنس والطير قال الله عز وجل: «وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ اَلْجِنّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْر فَهُمْ يُوزَعُونَ».
القائم (عليه السلام) وهب الله تعالى له ملكا لم يكن نظيره لأحد من الأولين والآخرين، من حيث الكيفية والكمية: أما الكمية فلأنه يملك ما بين الخافقين، كما في الحديث. وأما الكيفية، فلأنه محض العدل، وعدل محض، ولأن سلطنته تعم جميع أهل السماوات والأرضين كما مر.
۳. تسخیر الرياح
سليمان (عليه السلام) سخر الله له الريح قال الله عز وجل: «فَسَخَّرْنَا لَهُ اَلرِّيح تَجْرِي بِأَمْرِهِ رَخَاء حَيْثُ أَصَابَ »
القائم (عليه السلام) يسخر الله له الريح ففي كمال الدين عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث مر تمامه، قال فيبعث الله تبارك وتعالى، ريحا فتنادي بكل واد: هذا المهدي يقضي بقضاء داود وسليمان (عليهما السلام)، ولا يريد عليه بينة. کمال الدین، ج ۲، ص ٦٧١»
٤. الغيبة عن قومه:
سليمان (عليه السلام) غاب عن قومه برهة من الزمان كما عن الصادق (عليه السلام) في حديث رواه رئيس المحدثين في كتاب كمال الدين.
القائم (عليه السلام) غاب عن قومه أكثر من غيبة سليمان.
٥. عودة الشمس:
سليمان (عليه السلام) ردت له الشمس.
القائم (عليه السلام) يدعو الشمس والقمر فيجيبانه.
سليمان (عليه السلام) حشمة الله. القائم (عليه السلام) حشمة الله.
· الاختلافات بين الحكومتين
بحسب الروايات فإن ملك الإمام الزمان (عليه السلام) أوسع بكثير من ملك سليمان -عليه السلام-. في الواقع، ملك سليمان (ع) هو نموذج صغير لحكم الإمام العصر (ع). حكم الإمام الزمان (عليه السلام) أوسع من مملكة سليمان من جميع النواحي، فحكم الإمام العصر (عليه السلام) يشمل جميع المكونات التربوية لمملكة سليمان، وجميع معجزات سليمان وما بعدها وكل معجزات الأنبياء. كما يعتبر أهل البيت من العصمة والطهارة أن حكمهم ونظامهم الملكي في آخر الزمان حكومة أعظم من حكومة وملك سليمان. وقد تبين لنا من روايات الإمام المهدي (ع) أن الحكم الإسلامي والعالمي الذي سوف يقيمه أكبر من حكم سليمان وذو القرنين (ع) أن بعض الروايات صريحة في هذه المسألة، مثل رواية نقلت عن الإمام الباقر -عليه السلام- قوله:
( (سيادتنا أعظم من سيادة سليمان بن داود وحكمنا أعظم من حكمه))
والرواية التالية تدل على أن الأدوات والوسائل التي لم تكن في حوزة ذي القرنين وغيره ستكون في حوزة الإمام والروايات التي تدل على أنه وريث الأنبياء، ووريث سليمان، والدنيا خاضعة بين يديه.
إن سيادة حكم النبي سليمان (ع) شملت فلسطين وبلاد الشام ولم يشمل مصر وخارجها، أي قارة إفريقيا، وبحسب الروايات من اليمن إلى الهند والصين وغيرها من الدول الأخرى لم تكن ضمن سيادة حكم ذلك النبي وكانت مدينة استخر الواقعة في جنوب إيران خارج مملكة النبي سليمان، بينما حكم الإمام المهدي (ع) يشمل العالم كله، ولن يبقَ أي مكان على الكرة الأرضية إلا ونطق أهلها بالشهادة على وحدانية الله والشهادة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله ولن يبقى على الأرض مساحة مدمرة إلا وعمرها.
من ناحية أخرى، فإن الإمكانيات المتاحة للمهدي -عليه السلام- هي أكثر من الإمكانيات التي قدمها الله تعالى للنبي سليمان عليه السلام، سواء تلك التي قدمت له على أنه معجزة نبوية بسبب العناية الإلهية أو إمكانيات التقدم العلم، واستغلال الثروات الطبيعية، وأما من حيث الزمن، حسب روايات وأقوال المؤرخين، فقد استمر حكم سليمان (ع) قرابة نصف قرن، وبعد وفاته في 931 ق. م حدث انحراف وتفككت حكومته واندلعت حرب بين مملكتي القدس ونابلس.
على الرغم من اختلاف الروايات في تحديد فترة حكم المهدي (ع) في حياته وما بعدها، إلا أننا نعتقد أن الميزة في حكمه هي أن حكم الإمام المهدي -عليه السلام- سيستمر حتى نهاية العالم وبعد وفاته سيحكمون أبناؤه الذين يستمرون في طريق والدهم، في ذلك الحين سيعود بعض الأنبياء والأئمة من أهل البيت (ع) إلى الدنيا وسيحكمون حتى نهاية هذا العالم.
· المعجزات في نصرة الإمام المهدي (ع)
دور النصرة الغامضة في انتصار الحكومة العالمية للإمام المهدي (ع) لافت للنظر. بعمل المعجزات، يزيل المشاكل من الطريق الإمام أما بالخوف الذي يخلقه الله في قلب العدو، أو بواسطة الملائكة التي يرسلها لنصرة الإمام، ليهيئ أسباب نصرته. ساعدت هذه النصرة الإلهية البشر بأفضل طريقة ممكنة عبر التاريخ وحمايتهم من الانحلال والدمار.
لقد تبين لنا من خلال آيات القرآن بوضوح أن الله يقف ويدافع عن الحق في وجه الباطل، وهذا الدفاع من الله يتم أحيانًا من خلال قوى خفية ومساعدات غامضة. بالطبع، في أكبر وأوسع مواجهة للحق مع الباطل والثورة التي ستحدث وفقًا لأهداف الأنبياء في نظام الوجود، ستصبح هذه السنة الإلهي أكثر وضوحًا.
· الملائكة والجان
جاء في حديث الإمام علي عليه السلام: « أن الله تعالى ينصر المهدي عليه السلام بملائكة بدر». (الديلمي، إرشاد القلوب، ص ٢٦٨.) قال الإمام الباقر عليه السلام: « إن الملائكة الذين نصروا محمدا صلى الله عليه وآله يوم بدر في الأرض، ما صعدوا بعد، ولا يصعدون حتى ينصروا صاحب هذا الأمر، وهم خمسة آلاف ». (مستدرك الوسائل، ج ۲، ص ٤٤٨.)
إن قوى الطبيعة هي جزء من إمدادات غير المرئية في عصر ظهور نفس القوى والمرافق الطبيعية التي جهز الله بها أنبيائه؛ بواسطة قوى مثل الرياح والسحب وما إلى ذلك. هذه العوامل كانت في حوزة بعض الأنبياء السابقين.
· تابوت موسى -عليه السلام-
ورد في رواية عن كيفية استعمال الإمام المهدي (ع) لتابوت النبي موسى -عليه السلام- وقصر النبي سليمان (ع) ونزول عيسى عليه السلام: «عند ظهور الإمام المهدي (ع) ينزل النبي عيسى (ع) إلى الأرض ويجمع الكتب من أنطاكية. يكشف الله عن وجهه ستار ارم ذات العماد ويكشف القصر الذي بناه سليمان (ع) قبل وفاته، ويجمع الإمام ممتلكات القصر ويوزعها على المسلمين ويخرج التابوت الذي أمر الله أدبيا أن يرميها في بحر طبرستان. ما تركه آل موسى وهارون عليهما السلام موجود في ذلك التابوت. والدجاج الذي ذخرها الإسرائيليون من أجل مستقبلهم موجودة فيه. ثم، بمساعدة ذلك التابوت، يفتح المدن. كما فعلوا من قبله». (الشیعة والرجعة، ج ۱، ص ١٣٦.)
· ملائكة الأرض
ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن رجاله عن أبي عبد الله -عليه السلام- يرفع الحديث إلى الحسن بن علي عليه السلام أنه قال: « إن لله مدينتين : إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب عليهما سوران من حديد، وعلى كل مدينة ألف ألف مصراع من ذهب، وفيها سبعون ألف ألف لغة، يتكلم كل لغة بخلاف لغة صاحبه وأنا أعرف جميع اللغات وما فيها، وما بينهما وما عليهما حجة غيري والحسين أخي.».(بحارالأنوار، ج ۲۷، ص ٤١ و ج ٥٤، ص ٣٣٤.)
في الروايات ، من النصرة الإلهية للإمام المهدي (ع) إخضاع العوامل الطبيعية تحت إرادة الإمام المهدي (ع).
جاء النصر الإلهي في الآية 40 من سورة الحج:« وَ لَیَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ یَنْصُرُهُ إِنَّ اللّهَ لَقَوِیٌّ عَزیزٌ»
في العديد من الروايات، تم ذكر النصر الإلهي كأحد عوامل انتصار الإمام المهدي (ع) في انتفاضة العالم لذلك الإمام. قال النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الصدد: « قائم أهل بيتي يؤيده الله بنصرته». (کمال الدین، ج ۱، ص ٢٥٧.)
إن قوى الطبيعة هي جزء من الإمدادات الغير المرئية في عصر الظهور وهي نفس القوى الإمدادات الطبيعية التي جهز الله بها أنبيائه؛ بواسطة قوى مثل الرياح والسحب وما إلى ذلك. هذه العوامل كانت في حوزة بعض الأنبياء السابقين. قال الله تعالى عن تسخیر العوامل الطبيعية للنبي سليمان: « وَ لِسُلَیْمانَ الرِّیحَ عاصِفَةً تَجْری بِأَمْرِهِ إِلی اْلأَرْضِ الَّتی بارَکْنا فیها وَ کُنّا بِکُلِّ شَیْ ءٍ عالِمینَ»(الأنبياء: ۸۱)
في الروايات ، من النصرة الإلهية للإمام المهدي (عج) إخضاع العوامل الطبيعية تحت إرادة ذلك الإمام (ع). نقل نبي الإسلام الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عن أحداث ليلة المعراج قول الله:
«اسخر له الريح واخضع له المتكبرين وارقي به بسلم إلى السماء وانصره بجيشي وامدده بملائكتي حتى يظهر دعوتي».(کمال الدین، ج ۱، ص ٢٥٤)....
https://telegram.me/buratha