د.مسعود ناجي إدريس ||
مما لا شك فيه كل بداية زائلة وكل بداية لها نهاية باستثناء جوهر الله اللامتناهي، السابق الأزلي الذي لا بداية له ولا نهاية. الزمان أيضًا مثل جميع المخلوقات الإلهية، لا يستثنى من هذه القاعدة. قد مرت الأزمنة في هذه الدنيا والتي تعتبر مقدمة لكتاب الحياة، وسوف يحين اليوم الذي نشهد فيه فصل الأخير من هذا الكتاب. تسمى الصفحات الأخيرة من كتاب حياة الإنسان على الأرض «بآخر الزمان».
آخر الزمان هو مصطلح موجود في ثقافة معظم الديانات الرئيسية في العالم، وهو بارز بشكل خاص في الديانات الإبراهيمية. يشير المصطلح عادةً إلى زمن نهاية الدنيا والأحداث التي قد تحدث في هذا الجزء من حياة العالم. قدمت أكبر الأديان نبوآت عن آخر الزمان. على سبيل المثال، ورد في «الإنجيل »: «... ولكن اعلم هذا أنه في الأيام الأخيرة ستأتي أزمنة صعبة
لأن الناس يكونون محبين لأنفسهم، محبين للمال، متعظمين، مستكبرين، مجدفين، غير طائعين لوالديهم، غير شاكرين، دنسين بلا حنو، بلا رضى، ثالبين، عديمي النزاهة، شرسين، غير محبين للصلاح خائنين، مقتحمين، متصلفين، محبين للذات دون محبة لله » [رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس الفصل الثالث]
في التعاليم الإسلامية القيمة، يستخدم هذا المصطلح في معنيين عاميّن:
1. الزمان الطويل الذي يبدأ بميلاد نبي الإسلام (عليه الصلاة والسلام) وينتهي ببداية القيامة العظيمة. من هذا المنطلق دُعي هذا النبي الإلهي أيضًا بنبي آخر الزمان.
2. المدة الزمنية التي تبدأ بميلاد آخر خليفة لنبي الإسلام (ص) وهو الإمام المهدي (عج). يتضمن هذا الزمان بعصر الغيبة والظهور، وسيحدث مع بداية القيامة.
· تدل روايات أهل البيت عليهم السلام على النقاط التالية:
أ) مع مرور هذا العصر، بانطواء بساط حياة الدنيا تبدأ مرحلة جديدة في نظام الخلق.
ب) آخر الزمان أيضًا ينقسم إلى مرحلتين مختلفتين تمامًا:
المرحلة الأولى هي العصر الذي يصل فيها الإنسان إلى المراحل النهائية من الانحطاط الأخلاقي والفساد والظلم الذي يسود جميع المجتمعات البشرية، ويتحول آخر آمال الإنسان إلى اليأس، والثانية هي العصر الذي يبدأ فيه الوفاء بالوعود الإلهية بقيام صانع السلام العالمي.
تقبل جميع الطوائف الإسلامية الرئيسية تقريبًا عموميات معتقدات آخر الزمان، لكن هناك خلافًا حول اعتماد هذه التطورات على ظهور المهدي الموعود وهوية المهدي الموعود أيضًا.
عند الشيعة الإثني عشرية، يعتبر الإمام المهدي(عج) وحكومته العالمية هو حسن الخاتمة لنهاية حياة الإنسان على هذا الكوكب ويعتبروه موعود الأمم. وبحسب اعتقادهم مع ظهور الإمام المهدي (ع)، سيعود بعض الأئمة والصالحين، وكذلك المجرمين، إلى الدنيا تحت عنوان «الرجعة» وتنتهي الحياة الدنيوية.
بالنظر إلى الأحاديث النورانية للمعصومين (ع)، نجد بعض الأحاديث التي تعبر عن العلاقة بين المهدوية وآخر الزمان، وهذه الأحاديث هي:
قال أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام): التفت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام)، فقال: ألا أبشرك؟ ألا أخبرك، يا علي؟
فقال: بلى، يا رسول الله.
فقال: كان جبرئيل (عليه السلام) عندي آنفا وأخبرني أن القائم الذي يخرج في آخر الزمان فيملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا من ذريتك من ولد الحسين. [الغيبة ابن ابي زینب، ص 357]
يشير هذا التعبير إلى يقين وقوع الأحداث المذكورة لاحقًا.
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا تذهب الدنيا حتى يملك رجلٌ من أهل بيتي، يواطئ اسمه المهدي " [الشیخ الطوسي، کتاب الغيبة، ج 141، ص 182]
من الواضح أن الدنيا لن تنتهي إلا إذا انتهى الجزء الأخير منها اي (آخر الزمان).
قال رسول الله (ص) «لا تقوم الساعة حتى يقوم القائم الحق منا وذلك حين يأذن الله عز وجل له ومن تبعه نجا ومن تخلف عنه هلك ....» [الشیخ صدوق، عیون اخبارالرضا(ع)، ج 2، ص 59]
قال رسول الله(ص) : لا تنقضي الدنيا حتى يملك الأرض رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي [الطبرسي آملي، بشارة المصطفی لشیعة المرتضی، ص 258]
هذا ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام على المنبر في مدينة الكوفة «لو لم يبقَ منَ الدُّنيا إلَّا يومٌ لطوَّلَ اللَّهُ ذلِكَ اليومَ حتَّى يَبعثَ فيهِ رجلًا منِّي » [کتاب الغيبة، ص 46]
قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: يکون عند انقطاع من الزمان، وظهور من الفتن رجل، يقال له: المهدي عليه السلام يكون عطاؤه هنيئا. [الاربلي، کشف الغمة، ج 3، ص 206]
· علائم آخر الزمان
هذا الإطار الزمني له علامات تسمى «علائم آخر الزمان» . بالإضافة إلى المصطلح الشائع لعلامات آخر الزمان في الثقافة الإسلامية، هناك مصطلح آخر مشابه يسمى «اشراط الساعة ». يشير هذا المصطلح، الذي هو أكثر شيوعًا بين أهل السنة، إلى علامات يوم القيامة، لكن الروايات الواردة تحت هذا العنوان تدل على أن العديد من علاماته لانها متشابهة مع علامات آخر الزمان، يمكن اعتباره علامات يوم القيامة.
كما ذكرنا، فإن آخر الزمان ينقسم إلى قسمين مختلفين. بحسب الروايات، سيكون القسم الأول صعبًا جدًا. بعض خصائص هذا العصر هي:
وصف النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم صفات أهل هذا الزمان بهذا الوصف: " يأتي على الناس زمان إذا سمعت باسم رجل خير من أن تلقاه، فإذا رأيته لقيته خيرا من أن تجربه، ولو جربته أظهر لك أحوالا، دينهم دراهمهم، وهمهم بطونهم، وقبلتهم نساؤهم، يركعون للرغيف، ويسجدون للدرهم، حيارى سكارى، لا مسلمين ولا نصارى ". [محدث نوري، مستدرك الوسائل، ج 11، ص 379]
يقول رسول الله(ص) : سيأتي على أمتي زمان تخبث فيه سرائرهم، وتحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا، لا يريدون به ما عند الله عز وجل يكون أمرهم رياء لا يخالطه خوف، يعمهم الله منه بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجاب لهم. [الشیخ کلیني،الكافي، ج 8، ص 3065]
من خصائص آخر الزمان هي الامتحانات التي يجريها الإنسان في هذا العصر. من خلال هذه الامتحانات، ينقسم الأشخاص إلى مجموعتين مختلفتين تمامًا: الناجحين والراسبين.
يقول أمير المؤمنين علي (ع) عن الناجين في هذا الزمان: وَذَلِكَ زَمَانٌ لَا يَنْجُو فِيهِ إِلَّا كُلُّ مُؤْمِنٍ نُوَمَةٍ إِنْ شَهِدَ لَمْ يُعْرَفْ وَإِنْ غَابَ لَمْ يُفْتَقَدْ أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الْهُدَى وَأَعْلَامُ السُّرَى لَيْسُوا بِالْمَسَايِيحِ وَلَا الْمَذَايِيعِ الْبُذُرِ أُولَئِكَ يَفْتَحُ اللَّهُ لَهُمْ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ وَيَكْشِفُ عَنْهُمْ ضَرَّاءَ نِقْمَتِهِ. أَيُّهَا النَّاسُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يُكْفَأُ فِيهِ الْإِسْلَامُ كَمَا يُكْفَأُ الْإِنَاءُ بِمَا فِيهِ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَاذَكُمْ مِنْ أَنْ يَجُورَ عَلَيْكُمْ وَلَمْ يُعِذْكُمْ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَكُمْ وَقَدْ قَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ. [نهج البلاغة، خطبة 103]...
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha