د.مسعود ناجي إدريس ||
● القدوة: من سمات الشخصية الإنسانية في مرحلة المراهقة القدوة التي تحدث من أجل تطوير وتشكيل الهوية، حيث يبحث المراهقون عن قدوة يعجبهم ويحاولون صياغة شخصيتهم وفقًا لقدوتهم.
اختيار قدوة يحتذى بها يتماشى مع قيم كل شخص؛ والشباب الذين يقدرون القيم الروحية والدينية والأخلاقية يجدون قدوة لهم من بين الشخصيات الدينية؛ ويتبعونه. والشباب الذين يهتمون بالقوة البدنية والجمال الجسدي والثروة وما شابه، يتبعون الأشخاص الذين يمتلكون هذه السمات.
كما أثيرت الحاجة إلى القدوة والاهتمام بهذا الأمر من منظور القرآن، وقدم الله تعالى أفضل القدوة للإنسان:
{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.(الأحزاب،33/21)
قدم الله تعالى رسوله الكريم على أنه خير أسوة للإنسان، بالإضافة إلى تقديمه قدوة، فهو يقدم أيضًا القيم الأساسية للحياة البشرية، مثل الإيمان بالله ويوم القيامة، التي تدفعنا للتحرك في الدنيا نحو طريق الله الذي هو استمرار لها. ولا شك أنه لا يمكن لمن لا يمتلئ قلبه بهذا الإيمان أن يتبع رسول الله.
من واجب المربين والآباء والمسؤولين عن الشؤون التربوية تحديد العقيدة والقدوة الأخلاقية. إذا تعرف الشباب على الشخصية المؤثرة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، خاصة في فترة مراهقته وشبابه، وعرف الشباب العنصر الأخلاقي في شخصية الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) الملقب ب محمد الأمين وأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حصل على هذا اللقب في شبابه، وكانوا فخورين بهالة من النقاء والقداسة والحركة سوف ينجذب المراهقين إليه ويحبون الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وشخصيته ويتخذونه قدوة لهم.
لا يقدم الله تعالى الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) فقط كقدوة يحتذى به في القرآن، بل يسرد أيضًا قصص الحياة وخصائص الشباب، الذين هم أفضل قدوة للشباب.
تحدث عن الشاب الشجاع والعاطفي والثوري والمتشدد الذي وقف ضد طغيان ذلك الوقت في سن السادسة عشرة وكسر الأصنام وجعل الناس يدركون أخطائهم بمنطقه الواضح، وهو ليس سوى النبي إبراهيم -عليه السلام-.
جاء في سورة الأنبياء أن النبي إبراهيم بدأ النضال ضد عبادة الأصنام بأهله وأقاربه، ودعاهم إلى التوحيد بأسباب منطقية وحجج قوية، ولكن بسبب استخفاف قومه، قرر أن يفعل شيئًا للإطاحة بهم. ويصنع تأثيرًا أكبر. [راجعوا سورة الأنبياء، الآيات 51 ـ 57]
لذلك في اليوم الذي خرج فيه الناس من المدينة، كسر كل الأصنام ووضع الفأس على رقبة الصنم الأكبر. وعندما رأى الناس هذا المشهد، قالوا إن الشخص الوحيد الذي يمكنه فعل هذا كان شَابًّا ويدعى ابراهيم.
{قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} (الأنبياء، 21/60) . و قیل ان ابراهیم القي في النار و هو ابن ست عشرة سنة .؛[ بحار الأنوار، 12/25.]
كما أن هناك فئة من الشباب في القرآن ، على الرغم من كونهم في أحسن الظروف الاجتماعية ، من حيث المكانة والمال ، لكنهم عندما أدركوا حقيقة التوحيد ، وآمنوا بالله الواحد ويوم القيامة تركوا الرفاهية ، ولجأوا إلى كهف خشن وجاف ، ادخروا حياتهم في طريق الإيمان والعقيدة ، وأصبحوا اسوة حسنة لشباب العالم.
{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} (الکهف،10/18)
{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى](الکهف/13)
كما يروي الله تعالى في سورة كاملة قصة النبي يوسف -عليه السلام- ويعرفه كشاب فاضل يسكب في قلبه ينبوع علمه وحكمته بسبب حسن أخلاقه. وإن الله يعد كل الشباب بأنهم إذا كانت أخلاقهم مثل يوسف وكانوا من (المحسنین) فإنهم سينالون أجر المحسنین.
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (یوسف،12/22)
«إن الحكمة والمعرفة التي أعطاها الله ليوسف لم تكن عطية أولية بل أُعطيت له كمكافأة لأنه كان من الصالحين .«و کذلك نجزی المحسنین» إنه يشير إلى هذا المعنى ، ومن هذه الجملة يتضح أيضًا أن الله يعطي هذه المعرفة والحكمة لجميع الفاضلين ، بالطبع ، كل فرد حسب فضيلته.….» [تفسیر المیزان، 11/160.]
وإلى جانب صدقه ، فإن ما يميز هذا الشاب المثالي هو عفته وملجأه إلى الله ليغيثه من ان يقع في المعصية. يوسف (ع) في مشهد اختبار صعب ورائع للغاية وفي خضم شبابه وقوته ، يقول:
{… مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } (یوسف/23)
نعم يوسف قدوة في العفة عند الشباب، والدراسة المتأنية والصحيحة لحياته من الضروريات التي يجب مراعاتها من قبل الوالدين والمربين والمسؤولين التربويين والحكوميين والشباب أنفسهم. بالإضافة ليوسف (عليه السلام)، مريم (عليها السلام)، قُدِّمَتْ أيضًا كفتاة عفيفة، وقدوة للتقوى والعبادة والإيمان، وهي سيدة يمدحها الله على عفتها وتستحق أن ستقبل روح الله.
{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} (التحریم،66/12)
كما أن النبي موسى -عليه السلام- شاب فاضل ومتحمس ورد شبابه في سورة القصص، كما أنه يستحق المعرفة والحكمة الإلهية لأنه محسن ومن الصالحين.
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتيناه حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (القصص،28/14)
ويستحق موسى -عليه السلام- هذه المكانة بسبب تقواه الإلهية وحسناته، خاصة في شبابه الذي كان بعيدًا عن زمن النبوة والوحي، ومن النقاط المهمة الأخرى التي أثيرت خلال هذه القصة هي الفتاة الشابة التي استحقت أن تكون زوجة لموسى -عليه السلام- الفتاة التي ذكرها الله تعالى بهذه الصفة.
{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ… }(القصص/25)
نعم، مراعاة العفة والتواضع في الوجود الاجتماعي سمة خاصة لهذه الفتاة الشابة، وبسبب هذه الصفات فهي تستحق أن تكون زوجة لرجل سيكون نبي الله في المستقبل. ونتمنى أن يتعرف شباب وطننا الإسلامي على الأسوة القرآنية بشكل فعال وأن يكونوا قدوة لهم ويقودونهم إلى بيت الكمال والامتياز....
https://telegram.me/buratha