د.مسعود ناجي إدريس ||
سورة الشوری ، الآیه ۲۳
( ٢٣ ) {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }
الملاحظات:
نقرأ في الآية السابقة أن أجر المؤمنين الصالحين هو روضة الجنة ، وتحقيق كل ما يتمناه الإنسان رحمة من الله ونعمته عليه. في هذه الآية نتحدث عن أجر من هدى مئات الملايين من الناس إلى هذه الجنائن والفوز بالجنة ، أي إن من أمن بالله ورسوله يستحق الفوز بالجنة فما هو أجر من تسبب بنجاة البشرية وهو نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم. وبالنظر إلى القرآن نجد أن شعار جميع الأنبياء هو أننا لا نطلب أجرًا إلا من ربنا.
في سورة الشعراء من الآية 109 إلى الآية 127 كلام النبي نوح وهود وصالح ولوط وشعيب (ع) وفي سورة سبأ الآية 47 كلام نبي الإسلام كالتالي: « إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ » طبعا لا يوجد شك في أن الأنبياء قصدوا أننا لا نريد أجرًا ماديًا ، لكننا نريد طاعتكم وهدايتكم ، لأنهم جميعًا بعد رفض طلب الأجور في سورة الشعراء أمروا الناس بالتقوى وطاعة الله. « فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ» فالأنبياء لا يريدون مكافآت مادية ، لكنهم يريدون الثواب الروحي وإرشاد الناس ، وهذا الأمر لصالح الناس ، وكأن معلمًا قال لتلميذه: لا أطلب منك أجرًا ومكافأتي هي فقط ان تقرأ دروسك لكن في الحقيقة هي مكافأة للطالب. ما هو أجر رسالة نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم؟ لم يطلب نبي الإسلام من الناس أجرًا ماديًا ، بل أرسله الله عدة مرات بكلمة (قل) ليطلب من الناس أجرًا روحيًا لصالح الناس. « قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا» [السبأ ، ٤٧].
ومرة أخرى في الآية قيد المناقشة يقول : « قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ » .
لذلك فإن أجر الرسالة شيئين: أحدهما اختيار طريق الله والآخر المودة في القربى. من المثير للاهتمام أن في كلا التعبيرين تم طرح « إلا » يعني مكافأتي فقط في ذلك. مع قليل من التأمل نفهم أن طريق الله ومودة أهل البيت واحد، وفي حال وجود طريقين سيكون هناك تناقض.
أي لا يمكنك أن تقول: أنا أدرس فقط في الصيف ومرة أخرى تقول: أنا أدرس فقط في الشتاء. لأن الرأي يجب أن يكون واحدًا.
مرة واحدة كلف الله نبي الإسلام أن يقول للناس: أجري هو اختيار طريق الله، ومرة أخرى كلفه أن يقول: أجري هو المودة في القربى. في الواقع، يجب أن يكون هذين الطلبين متماثلين. أي أن طريق الله هو نفس طريق المودة في القربى.
المودة في القربى مرتبط بشيئين:
الأول هو الإدراك والمعرفة، لأن المرء لا يستطيع أن يحب أحدًا حتى يعرفه.
والثاني: الطاعة، لأن عدم الطاعة نوع من النفاق والكذب والتملق. لذلك فإن الذين يأخذون أوامرهم من غير أهل بيت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يتبعوا سبيل الله. هذا من وجهة نظر القرآن، ولكن من وجهة نظر العقل يجب أن تكون المكافأة مساوية للعمل. الرسالة ليس لها وزن إلا في الإمامة التي هي استمرار لها، ومكافأة الرسالة استمرار الهداية، ومكافأة المعصوم تكليف العمل بآخر معصوم.
الأجر العادل هو أن يترك عمله لشخص آخر عادل مثله. يقول العقل: ما دامت النعمة موجودة، فينبغي أن يكون الشكر موجود، وإذا كانت نعمة الرسول اليوم تشملنا واهتدينا إلى الإسلام، فعلينا دفع أجر رسالته، وإذا كان أجر البعثة وأجر الرسالة هو المودة في القربى، يجب أن نكون اليوم قريبين منه وأن نتحلى بالصبر والطاعة. نعم، حتى اليوم يجب أن نود الإمام المهدي (ع) وأن نكون مطيعين له.
هل يمكن القول إن مسلمي بداية الإسلام كلفوا بدفع أجر البعثة وأن يكون لهم المودة في القربى، لكن المسلمين اليوم ليس لديهم هذا الواجب أو لا يوجد أحد نود له ونطيعه وندفع له أجر الرسالة. طبعا في زمن غيبة الإمام المهدي (ع) علينا متابعة رسائله والسير في طريق من أوكلنا إليهم، أي الفقهاء العادلون. يدرك العقل البشري أن المودة في القربى هو أجر نبي قاد مئات الملايين من الناس إلى الهداية والسعادة والنعمة الإلهية العظيمة، وأن المودة في القربى يعطى لأعظم البشر وهم المعصومين عليهم السلام.
لأن العاصي والمذنب مودته لن تكون أجر النبي المعصوم. لا يمكن تصديق أن تكون المودة واجبة على مسلمي العالم عبر التاريخ لأشخاص عندهم معاصي.
لا تعتبر أي طائفة من المسلمين (غير الشيعة) قادتهم معصومين، ولم يسبق لأحد أو جماعة أن روى ذنب للأئمة المعصومين أو كان هناك من هو أحسن منهم في التقوى. يقول العقل: إن وضع أيدي البشر في أيدي أشخاص غير معصومين ليس ظلم للبشرية فحسب، بل ظلم للكون بأسره أيضًا. لان كل ما خلق في الكون للإنسان كل الآيات تقول « خلق لكم »، « سخر لكم » و « متاع لكم » وهذا يدل على أن الوجود كله للإنسان والإنسان من أجل التطور الروحي والحقيقي يتبع المعصومين لذلك أليس تكليف الإنسان بالمودة لأشخاص غير معصومين ظلمًا واضطهادًا للكون؟
إذا عرفت الروايات أن القائد المعصوم وولايته أساس الدين «بنی الإسلام على خمس. . . الولاية » [ الکافي ، ج ۲ ، ص ۱۸]. والإمام علي عليه السلام، « قسيم الجنة و النار » [ بحارالانوار ، ج ۷ ، ص ١٧٦ ]. وإذا الصلاة لا تتقبل دون ولاية [بحار الأنوار، ج ۲۷، ص ١٦٧]. ومودة أهل البيت أفضل الحسنات [بحار الأنوار، ج ٤٤، ص ٣٦٢] وإذا أمرنا بالزيارة والتوسل بهم، كلها بسبب جوهر الكيميائي للمودة.
علماء أهل السنة، ذكروا في تفسيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من مات على حب آل محمد مات شهيدا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا ومن مات على حب آل محمد مات مستكمل الإيمان ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة » .
السؤال المطروح الآن هل المودة التي لا تخضع للطاعة يمكن أن تتساوى مع الشهادة والتسامح والإيمان الكامل؟
وفي التفسيرات التالية لهذه الآية، ورد حديث عن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: « ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله »
« ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا » .
« ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة ».
وقد قال فخر الرازي في تفسيره: عندما نزلت آية المودة سئل الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: من هم الذين يجب علينا مودتهم؟ قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: علي وفاطمة وأولادها، ثم يضيف أن النبي صلى الله علیه وآله وسلم قال:
« فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها » قال الله تعالى في القرآن عن من يؤذي الرسول. « إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَللَّه وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اَللَّه فِي اَلدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا » [الأحزاب، ٥٧].
نقرأ في الحدیث أن الإمام الحسن -عليه السلام- قال عن جملة « وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا»: « اقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت ». [تفاسير نمونه والصافي].
الرسائل:
١- بشارة الله كبيرة وعظيمة « فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ - لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ - ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ - ذَلِكَ اَلَّذِي يُبَشِّر اَللَّه عِبَادَهُ »
۲- علامة عباد الله الإيمان والعمل الصالح « عِبَادَهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا اَلصَّالِحَات »
٣- إن سر قبول كل تلك النعم والبشارة هو عبادة الله والإيمان والعمل الصالح. « عِبَادَهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا اَلصَّالِحَات »
٤- المودة في القربى مصداق واضح للإيمان والعمل الصالح « يُبَشِّر اَللَّه عِبَادَهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا اَلصَّالِحَات قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا اَلْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى »
٥- إن طلب الأجر من لسانه شيء ثقيل، لذلك كلف النبي بإعلان أجره للناس من طرف الله. « قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا »
٦- لا يمكن المودة دون معرفة. ( لذلك فإن أجر الرسالة أولاً وقبل كل شيء معرفة آل بيت النبي ثم مودتهم ) « إِلَّا اَلْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى »
۷- المودة بلا طاعة هو رياء وتملق. (لذا فإن مودة في القربى تعني طاعتهم) « إِلَّا اَلْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى »
۸- القربى معصومين. لان المودة للمذنبين لا تصلح لأجر الرسالة. « إِلَّا اَلْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى »
۹- المودة المصحوبة بالقوة وبالعلم والطاعة لا يمكن إلا في أهل البيت. ( کلمة « في » يرمز إلى مكانة أهل البيت الذين يستحقون المودة ) إِلَّا اَلْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى »
۱۰- المودة في القربى طريق لكسب الفضائل . « قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا اَلْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً »
١١- مودة أهل البيت عليهم السلام، أفضل الحسنات. « قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا اَلْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً »
۱۲- المودة في القربى حسنة. « وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً»
۱۳- المودة في القربى تؤدي إلى المزيد من المكافآت. « نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا »
١٤- محبة أهل بيت النبي هي أساس المغفرة. « إِلَّا اَلْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى. . إِنَّ اَللَّه غَفُورٌ شَكُورٌ »
١٥- إن الله يقدر من يقومون بواجبهم في مودة أهل البيت. « إِنَّ اَللَّه غَفُورٌ شَكُورٌ »...
https://telegram.me/buratha