د.مسعود ناجي إدريس ||
سورة الحشر ، الآیات ۱۸ إلى ٢٤
( ۱۸ ) { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}
الملاحظات:
يتكرر أمر التقوى ويتم التأكيد عليها في هذه الآية، والتي يمكن أن تكون لها معانٍ عديدة، بالإضافة إلى التأكيد، منها:
١. ترتبط التقوى الأولى بأصل العمل، وتتعلق التقوى الثانية بكيفيتها.
۲. التقوى الأولى تتعلق بعمل الخير، والتقوى الثانية تتعلق بترك المحرمات.
٣. لعل التقوى الأولى مرتبطة بالتوبة من الماضي والتقوى الثانية تتعلق بإنقاذ المستقبل.
نقرأ في الروايات: فرح قلوب الناس بنصف حبة من التمر، أو إذا لم يكن لديك، ففرح القلوب بالكلام الطيب، حتى يوم القيامة، عندما يسألك الله: أعطيتك عينًا وأذنين، إلخ. ماذا قدمت أنت، فلا تخجل من الجواب. لأنه في ذلك اليوم، ينظر بعض الناس في كل مكان، لكنهم لن يعثروا على عمل قدموه يكون وسيلة لنجاتهم. [تفسير نور الثقلين ].
الرسائل:
1- الإيمان هو أساس التقوى ، وثمار الإيمان هو التقوى.« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا »
۲- دعونا لا نتأمل خير باموالنا ، فليفكر الجميع في قيامته. «وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ»
۳- انتبه لما تخزنه من الأعمال الصالحة. «وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ»
٤- يجب محاسبة النفس «وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ» ( إذا لم نتوخى الحذر اليوم ، فإن دقة الغد ستكون مخزية. « يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَني كُنتُ تُرَاباً » [النبأ، ٤٠]
٥- القيامة قريبة . « لِغَدٍ » كما يقول في مكان آخر: «إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا» [المعارج ، ٦]
٦- البصيرة والعاقبة تتطلب الإيمان. «مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ»
۷- إن التقوى هي مجال حساب الذات وحساب الذات ، تؤدي إلى نمو التقوى وتقويتها. ( وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ» جاءت بين « وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ » ) .
۸- لا أحد يعتبر نفسه آمنًا في أي مرحلة. « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا.. وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}» ..
٩- الإيمان بمعرفة الله هو سبب التقوى. « وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}»
( ۱۹ و ۲۰ ) « وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ »
الملاحظات:
المثال الواضح لمن نسوا الله هم المنافقون. نقرأ في الآية 67 من سورة التوبة عن المنافقين: « نَسُوا اَللَّه فَنَسِيَهُمْ ۗ » طبعا الله لا ينسى ولكنه يحجب نعمته عنهم. «وَمَا كَانَ رَبّك نَسِيَا » [مريم، ٦٣] الغفلة هي أخطر وباء بشري. يقول القرآن: « أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ أُولئِكَ » [الأعراف، ١٧٩]. الغفلة عن الله « نَسُوا اَللَّه » [التوبة، ٦٧]. الغفلة من القيامة « نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ » [ طه، ١٢٦] والغفلة عن آيات الله، « أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ » يتسبب النسيان في سقوط الإنسان إلى مستوى أدنى من الحيوان. من ينسى الله، يصبح مثل الشخص الذي لا سبيل له ولا قائد ولا هدف ولا قانون، يغرق في الشهوة، وتصبح جميع أهدافه وأفعاله بسبب أهوائه ورغباته، وهذا أكبر خطر على الإنسان. من نسي نعمته يشعر بخيبة أمل ويصل إلى طريق مسدود.
من ينسى العفو لا يرى نفسه قابلاً للإصلاح وسيفعل أي شيء. من ينسى القادة الإلهيين، يتبع كل الطواغيت ويصبح فاسد. من ينسى القانون كل يوم يتبع صوتا ويضل الطريق. من ينسي طريقه يصبح ضال من بين مئات الطرق الأخرى. من ينسى عائلته، فإن أصدقائه السيئين يفسدونه. من ينسي نعم الله يصبح متملق مع الآخرين.
من ينسي الله ينسى قسراً مقاصده الحكيمة في خلق الإنسان، ومن نسي الهدف من خلقه يضيع حياته ورأس ماله وموهبته. الإنسان بطبيعته يعرف الله والنسيان يؤثر عليه. تشير كلمة النسيان إلى شيء هو كان يعرفه.
الرسائل :
١- المؤمنون معرضون للغفلة عن ذكر الله ويحتاجون إلى تحذير.« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا .. وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ »
۲- أولى خطوات السقوط هي من الإنسان نفسه ، والنسيان هو عقاب إلهي. « نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ »
٣- العقاب الإلهي يتناسب مع الفعل. « نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ»
٤- إن الخطيئة والانحراف هما ثمرة إهمال ذكر الله.« نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ »
( ٢١ ) « لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ »
الرسائل :
١- إحدى الطرق للتربية هي التوبيخ غير المباشر.« لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ .. وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا »
۲- القرآن كتاب سماوي لا نقصان فيه وبعض الناس لا يملكون القدرة اللازمة لفهمه ،« لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا ... »
۳- إن استخدام الرمز في التعبير عن الحقائق الروحية هو منهج قرآني.« لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ ... »
٤- كيف يكون جبل بهذه الصلابة يتواضع أمام عظمة القرآن ، ولكن قلوب بعض الناس أصعب من الحجر؟ « لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا ... »
٥- الوجود له وعي. فلو نزل القرآن على الجبل لظهر منه الخشوع والخوف.«لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ»
٦- تتطلب الأمثال والرموز القرآنية التأمل وإلا فلن يتم فهمها بشكل صحيح.« وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»
( ٢٢ ) {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}
الملاحظات:
في الروايات، في تلاوة آخر آيات سورة الحشر، تمت التوصية بالكثير وعبّر عنها بنعم متنوعة، منها مغفرة الذنوب، وبلوغ حدّ منزلة الشهيد. يحتمل أن يكون للإنسان اسم عظيم من بين الأسماء المذكورة في هذه الآيات (22-24)، لأنه في هذه الآيات يوجد حوالي خمس عشرة أو ثمانية عشر صفة من الصفات الإلهية، كل منها تدل على أن كماله لا نهاية له. المعبود الحقيقي هو كائن له معرفة ورحمة وقداسة وكرامة وقوة وعظمة يحيط علما بكل شيء ، ولأن هذه الصفات خاصة بالله، فلا إله إلا هو. في القرآن، حيثما اجتمع الغيب بالشهادة، يأتي الغيب أولاً ثم الشهادة، وهذا يشير إما إلى أهميته أو تعدد حالاته. قال الإمام الصادق عليه السلام: « الغيب ما لم يكن والشهادة ما قد كان » [معاني الأخبار، ص ١٤٦]
الرسائل:
١- الوحدة هي المبدأ الأول والأهم في الصفات الإلهية.« هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ»
۲- إن الشخص الذي يبحث عنه الجميع هو الله. « هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ »
۳- إن الله يعرف بالغيب والشهادة .« عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ »
٤- على الرغم من أن الله يعلم كل شيء « عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ » لكنه يعامل عبيده بالرحمة. إذا كانت معرفته مخيفة ، فإن رحمته مأمولة ، وفي التعليم يجب أن يكون الإنسان بين الخوف والرجاء. « الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ »
٥- كل كائن ما عدا الله يفتقر إلى المعرفة الواسعة والرحمة. « هُوَ اللَّهُ .... عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ... الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ»
( ۲۳ ) « هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ »
الملاحظات :
« الْمَلِكُ » يقصد بالشؤون المالية للشعب وسلطة حكومته. « الْقُدُّوسُ » يعني منزه ونقي من أي عيوب « الْمُهَيْمِنُ » ويعني صاحب الهيمنة والرعاية . «الْجَبَّارُ » لها معنيان: القدرة على التعويض والمعوض « السَّلَامُ » أي ، الشخص الذي يتعامل مع السلام والرفاهية ، وليس مع الحرب أو الفتنة «الْمُؤْمِنُ » ويعني أيضًا الشخص الذي يمنحك الأمان ويحافظ على سلامتك. [تفسير الميزان]
حكام البشر لا حول لهم ولا قوة ، ومحتاجون ، ومحدودون ، ومعيبون ، والناس ليسوا في مأمن منهم. لكن الله سبحانه وتعالى هو صاحب السيادة ، وهو مقدس وبعيد عن أي عيب ، فهو آمن ، وله السيطرة على كل شيء ، وله قوة لا يمكن اختراقها ، وهو المعوض وله العظمة والكبرياء.
الرسائل:
١- الله الواحد هو صاحب السيادة المطلقة. « هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلّٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ »
۲- إن سيادة الله بعيدة عن كل ظلم ونواقص ومليئة بالقداسة. « الْقُدُّوسُ السَّلَامُ »
٣- الله لا يضر خليقته. « السَّلَامُ »
٤- الله محيط بكل شيء « الْمُهَيْمِنُ »
٥- أفكار المشركين عن الله خاطئة. « سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ »
( ٢٤ ) {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
الملاحظات:
« الْبَارِئُ » يعني الخالق الذي تختلف ظواهره عن بعضها البعض. هذه هي السورة الوحيدة التي تبدأ وتنتهي بالتسبيح لله. « سبح لله. . يُسَبِّحُ لَهُ » الآية الأولى عن العز والحكمة وختمت الآية الأخيرة بعزيز الحكيم.
الرسائل:
١- الله هو الخالق لم يقتدي بأحد ولا في أي مكان في خلق مخلوقاته، بل هو تجسيد لنفسه. « الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ».
۲- من لديه كل الكمالات يستحق تسبيح الكون كله. « لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ. . . »
٣- تسبيح الكائنات هو علامة على نوع من العلم والوعي في الوجود. «يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»
٤- تسبيح الكائنات هو تذكير للناس الذين لا يسبحون. « يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ »
٥- قوة الله بالحكمة لا بالظلم والعدوان. « وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»...
https://telegram.me/buratha